• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : المكاسب المحرمة (1433-1434هـ) .
              • الموضوع : 80- تحليل معنى عبارة النجاشي (صحيح الرواية ) وهل هي توثيق للراوي او للرواية ؟ ثم هل هو توثيق حسي او حدسي ؟ وحجية كلامه على التقادير الاربعة ، وحجية رواية ثواب الاعمال على كل الوجوه .

80- تحليل معنى عبارة النجاشي (صحيح الرواية ) وهل هي توثيق للراوي او للرواية ؟ ثم هل هو توثيق حسي او حدسي ؟ وحجية كلامه على التقادير الاربعة ، وحجية رواية ثواب الاعمال على كل الوجوه

بسم الله الرحمن الرحيم 
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم 
كان الحديث حول عبارة الشيخ النجاشي عن احمد بن إدريس وهي: (صحيح الرواية)، وذكرنا ان هذه الكلمة ينبغي ان يتوقف عندها، ولعله يستنبط منها قاعدة مهمة لا تقل أهمية عن القاعدة الشهيرة التي أسسها الشيخ الكشي وبحثها بالتفصيل الدرائيون والأصوليون، وهي: (أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عن جماعة). 
تحليل معنى كلمة (صحيح الرواية): 
وعبارة الشيخ النجاشي وهي (صحيح الرواية) وفي موارد أخرى: (صحيح الحديث) لابد من التوقف عند هذه الكلمة، وتحليلها، ومحتملاتها، ويوجد هنا احتمالان: 
الاحتمال الاول: تصحيح سلسلة السند (المخبر والراوي) 
أما الاحتمال الأول: فلعل مراد الشيخ النجاشي من عبارته هو تصحيح سلسلة السند والتي تبتدئ بأحمد بن إدريس، فهو يريد ان يقول بذلك ان احمد بن إدريس يروي عن الثقاة فقط دون غيرهم، فيكون معنى صحيح الرواية هو انه صحيح حديثُه من حيث رجالِ إسناده، وهذا الاحتمال لا ندعيه هكذا جزافا، بل ان بعض الأعلام قد ذهبوا إليه، كما سنذكره ان شاء الله تعالى . 
الاحتمال الثاني: تصحيح متن الرواية (الخبر والرواية) 
وأما الاحتمال الثاني: فلعل مراد الشيخ النجاشي هو تصحيح مضمون ومتن الرواية، أي يريد ان يقول ان متون روايات احمد بن إدريس صحيحة ومعتبرة، ولكن هل هذه الصحة المذكورة هي بسب صحة إسناد تلك الروايات ؟ هذا احتمال، وهناك احتمال آخر وهو إنها معتبرة - أي المتون -؛ لا لصحة سندها فانه قد يوجد في السلسلة الضعاف أو المجاهيل حتى برأي احمد بن ادريس نفسه، بل لقرائن محتفة بها قد أفادت صحتها كما في القرائن الداخلية كقوة المضمون وما أشبه من الوجوه[1]. 
لا فرق بين التوثيق الإجمالي والتوثيق التفصيلي: 
إذن: يوجد احتمالان في عبارة الشيخ النجاشي, توثيقه الروايات أو توثيقه الرواة 
وبناء على الاحتمال الأول، فان الشيخ النجاشي كان بصدد توثيق كل من روى عنه احمد بن إدريس بتوثيق إجمالي ومنهم، رواينا المهمل، أي محمد بن احمد بن روح، والتوثيق الإجمالي هو كالتوثيق التفصيلي حجة, كما هو ثابت في محله، فان الشيخ النجاشي لو قال ان فلانا ثقة فكلامه حجة وكاف، وكذلك الحال لو قال ان كل من روى عنه احمد بن إدريس – بنحو طولي – هو من الثقاة، فان ذلك حجة وكاف أيضا, 
والمتحصل: ان الاحتمال الأول يصب في إثبات المقصود مباشرة وهو رفع الإهمال عن راوينا محمد بن احمد بن روح، مما يدفع عنا عناء البحث، فلا مشكلة على هذا الاحتمال، ولكن المشكلة تكمن في الاحتمال الثاني المذكور، ولذا لابد من دراسة وبحث كلا الاحتمالين فيما لو أردنا ان نصحح رواية الرشوة سندا . 
القول الآخر في (صحيح الرواية او السند) : 
وننقل هنا قول الطرف الآخر في معنى (صحيح الرواية)، فإننا سابقا نقلنا الرأي الأول في معنى هذه الكلمة فان السيد بحر العلوم و الشيخ أبي علي الحائري وآخرين قالوا: إن صحيح الحديث في اصطلاح القدماء لا يراد به توثيق السند، بل يراد به توثيق المتن وانه عن المعصوم (عليه السلام)، وهذا قد يكون عن طريق وثاقة السند او بسبب القرائن المحتفة بالرواية. 
ولكن يوجد رأي آخر مضاد للأول إذ يرى ان معنى (صحيح الحديث) عند القدماء هو توثيق السند حصريا، ومن الذين ذهبوا الى هذا الرأي الشهيد الثاني وهو خريت فن الدراية، حيث مصطلح (صحيح الحديث) فقال: " فانه[2] يقتضي كونه ثقة ضابطا"[3] إضافة إلى التزامه بان هذه العبارة تفيد تعديل الراوي أيضاً بل رأى انها تفيد تعديل الراوي صريحاً، أي ان تعبير (صحيح الرواية) يستظهر منه الشهيد الثاني ان ذلك يرتبط بالسند لا المتن، ويفيد ان هذا الشخص المصحَّح حديثُه هو ثقة ضابط وعدل[4]. 
وأيضاً فان من كلام الأعلام أيضا ما نقله الشيخ أبو المعالي الكلباسي في كتابه الرسائل الرجالية[5] في بحث آخر مشابه لبحثنا؛ (فان احمد ابن إدريس كثير الرواية - بحسب النجاشي – ويوجد فيمن يروي عنهم العديد من المجاهيل أو المهملين، ولذا فان المشكلة ليست مختصة براوينا فقط، بل هي تشمل مجموعة كبيرة من الرواة، وحلها مفيد في هذه الموارد والأبواب كلها)، فقد ذكر الكلباسي ان من الرواة المهملين (محمد بن احمد العلوي)، وهذا الراوي قد روى عنه احمد بن إدريس أيضا، وذكر ان عدداً من علماء الرجال التزموا بتوثيقه استنادا إلى ان الراوي عنه هو ابن إدريس. 
ونص عبارة الكلباسي قال: "رواية احمد بن إدريس عنه يقتضي حسن حاله – أي محمد بن احمد العلوي – كما جرى عليه بعض الأعلام، بل يقتضي التوثيق كما ربما يظهر القول به من الفاضل الشيخ محمد ..[6]" انتهى . 
ونحن لا نتوقف عند هذا النقاش الاصطلاحي طويلا؛ وذلك لوجود المندوحة لنا على كلا التقديرين كما سيظهر ويترك تحقيق المسالة لمظانها[7]. 
الاحتمالات في قول الشيخ النجاشي (صحيح الرواية) : أربعة 
وتوجد في كلمة الشيخ النجاشي (صحيح الرواية) احتمالات أربعة، وهي نافعة ومفيدة في مقامنا وعلى كل التقادير؛ 
فان الشيخ النجاشي إما ان يريد في كلامه توثيق الرواية، وإما أن يريد توثيق الراوي – على الرأيين –، ثم انه على كلا الاحتمالين فإما ان يكون التوثيق عن حس أو ان يكون التوثيق عن حدس، فالاحتمالات والصور أربعة، ونحن سنبحث على ضوء هذه الاحتمالات بأكملها فنقول: 
الاحتمال الأول والثاني: ان الشيخ النجاشي بعبارته (صحيح الرواية) يريد توثيق الراوي – الاحتمال الأول -، أو الرواية – الاحتمال الثاني - بصورة حسية، وكلامه عندئذٍ حجة وبلا نقاش؛ لأنه خبر ثقة، ولا ريب في حجيته[8]، 
وأما الاحتمال الثالث والرابع: ان الشيخ النجاشي بصدد توثيق الراوي او الرواية ولكن عن حدس، والأمر كذلك أيضاً أي ان قوله حجة حينئذٍ. 
تفصيل الكلام: ثلاث وجوه لتصحيح الاستناد إلى كلام النجاشي الحدسي 
ونبدأ في تفصيل الكلام بالحدس, فاننا لو قلنا ان تصحيح الشيخ النجاشي لرواة او روايات احمد بن إدريس كان منه عن حدس باجتهاد منه، فانه توجد وجوه ثلاثة لتصحيح الاستناد إلى كلام الشيخ النجاشي: 
الوجه الأول: الشيخ النجاشي من أهل الخبرة 
وهو ان يقال: ان الشيخ النجاشي هو من أهل الخبرة, وقولهم حجة بلا كلام، ولا يشترط في قول أهل الخبرة العدد ولا العدالة ولا الحياة ولا غير ذلك من الشروط المعروفة، على ان هذه الشروط أيضا موجودة في المقام؛ لان الشيخ النجاشي عادل وبلا شك، وقد ضم الشيخ الطوسي صوته ورأيه إليه في نفس الراوي، حيث عبر عن احمد بن إدريس بنفس التعبير وهو (صحيح الرواية)[9], 
إذن: الوجه الأول لتصحيح الإخبار الحدسي للنجاشي للراوي او الرواية هو كونه من أهل الخبرة[10]. 
الوجه الثاني: كلام الشيخ هو من باب الشهادة 
ان كلام الشيخ النجاشي هو من باب الشهادة، أي انه بقوله ذلك يشهد بتصحيح الراوي او الرواية، ولكن في هذا الباب توجد شبهة في المقام وهي ان البينة تشترط فيها الشروط المعهودة, وبعضها لعله غير متوافر في الشيخ النجاشي. 
ردّ شبهة عدم توفر شروط البينة: وجهان, كبروي وصغروي 
الوجه الأول: جواب كبروي (الشهادة اعم من البينة) 
أما الوجه والجواب الأول لرد شبهة اشتراط الشروط المعهودة في الشهادة والبينة فهو: ان الشهادة لا تنحصر في البينة، بل هي اعم، فان البينة هي احد مصاديق الشهادة، فان الشهادة تشمل صورا خمسة وهي البينة وخبر الثقة عن حس, وخبر الثقة عن حدس[11]، والخبر المستفيض، وكذا الخبر المتواتر خامسا[12]. 
كلام صاحب الجواهر قده: 
ويمكن ان نراجع في ذلك كلام صاحب الجواهر وكذلك السيد الوالد وآخرين فهو أي صاحب الجواهر يرى ان الشهادة ليست لها حقيقة شرعية قطعا[13]، وإنما هي باقية على معناها الحقيقي العرفي. 
نعم بعض أنواع الشهادة وهي البينة ذكر الشارع فيها قيودا، فالقيود هي لأحد أصناف الشهادة، وليست لنفس الشهادة، وما نسمعه من اعتبار العدد والعدالة وما أشبه فإنما هو في صنف البينة من الشهادة، لا فيها بقول مطلق. 
والنتيجة: ان الشهادة هي أمر عرفي فكلما صدقت عرفا فهي حجة – في غير البينة إذ أخذ الشارع فيها شروطاً خاصة – سواء أكان هناك عدد أو لا، وسواء أكانت للشاهد عدالة او لا – إنما اللازم وثاقته في جهة شهادته -، وغيرها من الشروط المعهودة، هذا هو الجواب الكبروي . 
الجواب الصغروي: الشروط مجتمعة في قول النجاشي وان كان بينة 
واما الجواب الثاني فهو صغروي حيث نتنزل فنقول: 
ان قول النجاشي هو من مصاديق الشهادة بمعنى البينة؛ وذلك ان الشروط قد اجتمعت فيه وهي حاصلة[14]، أما العدالة فان الشيخ النجاشي عادل وبلا شك وأما العدد فان الشيخ الطوسي كذلك يصرح بنفس العبارة في راوينا، وكذلك العلامة الحلي وآخرون، فان العديد من الرجاليين يصرحون بان احمد بن ادريس صحيح الرواية، فلا مشكلة من هذه الجهة، 
ولكن المشكلة هي من جهة شرط آخر وهو شرط الحياة, فان النجاشي متوفى ومعه فكيف تصح الشهادة بمعنى البينة؟ 
والجواب: ان شرط الحياة في (البينة من أقسام الشهادة) هو بنحو العلة المحدثة لا المبقية, ومعه فالآثار لهذه الشهادة باقية وان ذهب الشاهد ومات، والفقهاء، كصاحب الجواهر والسيد الوالد، لم يشترطوا الحياة للشاهدين لوضوح ان الشاهد لابد ان يكون حيا إذ كيف يشهد وهو ميت؟، ولكنه لو شهد حال حياته ثم مات، فان العلة المبقية للشهادة ستبقى، وفي مقامنا فان الشيخ الطوسي والنجاشي وغيرهم في زمان حياتهم قد شهدوا ان احمد بن إدريس صحيح الرواية فتثبت بذلك الشهادة منهم، وآثار ذلك باقية، ولا ينقلب المشهود عليه عن أحكامه بموت الشاهدين او القاضي او المرجع او غيره. 
والخلاصة في ردّ الإشكال: انه من الناحية الكبروية هي شهادة بالمعنى العرفي الأعم فلا تشترط فيها شروط (البينة), وتنزلا وكجواب صغروي هي (بينة) والشروط متوافرة ومجتمعة، وعليه فان الوجه الثاني ثابت والشبهة مندفعة. فتأمل[15] 
الوجه الثالث: الاطمئنان بقول النجاشي 
أما في الوجه الثالث فنقول : ان الاطمئنان من قول النجاشي حاصل في المقام؛ وذلك ان الشيخ النجاشي ضابط جدا ومتثبت ودقيق جداً، وهو خِرِّيت فن الرجال, بل إذ البعض – كالسيد الخوئي – يرى انه لا يوجد مثل الشيخ النجاشي في خبرويته في حقله، ومثل هذا الشخص أي الشيخ النجاشي وبهذه الصفات اذا عبر عن رجل كأحمد بن إدريس بـ(صحيح الحديث) فأطلق اللفظة، ومع لحاظ انه لم يعبر بهذا التعبير عن كثير من أعاظم بقية الرواة، بل حصر كلامه في خمسة أشخاص – زائداً ثلاثة عشر شخصاً - فان ذلك منه يفيد الاطمئنان، من باب التخصيص والاستثناء حتى لو لم نقل بحجية مراسيل الثقات الحسية أو توثيقاتهم الحدسية فتدبر. وللكلام تتمة 
وصلى الله على محمد واله الطاهرين 
 
 
 
________________________________________ 
[1] - حيث توجد قرائن داخلية وأخرى خارجية. 
[2] - أي قول المعدِّل: صحيح الحديث. 
[3] - حيث ذكر ذلك في كتاب الرعاية في علم الدراية ص204 
[4] - وكلام الشهيد الثاني له قيمته الكبيرة ونحن لا نريد ان نستند اليه في البحث الاجتهادي، وإنما نريد ان نبين عدم مسلمية ما توهم – وخاصة أخيرا – من ان الصحيح عند القدماء هو صحيح المتن وان هناك اختلافاً في مصطلح الصحيح لدى المتأخرين عنه في القدماء، إذ يظهر مما ذكرناه ان هناك خلافاً في ذلك. 
[5] - الرسائل الرجالية ج3 ص585. 
[6] - والكلباسي يناقش هذا الرأي ولا ينصره ولكن كلامنا هو ان بعض الأعلام وفي طليعتهم الشهيد الثاني لا يقبل ان الصحيح القدمائي يغاير صحيح المتأخرين. 
[7] - وسنقول وعلى كلا التقديرين فان النتيجة هي وثاقة هذه الرواية ولسنا بصدد توثيق سلسلة السند، وتكفينا وثاقة الراوي لإثبات ان الرشوة موضوعة للأعم. 
[8] - وسيأتي في الدرس اللاحق تفصيل لهذا ودفع دخلٍ. 
[9] - وشرط الحياة سيـأتي الجواب عنه 
[10] - وقد مضى في دروس سابقة الإجابة عن بعض الشبهات المثارة على ذلك. 
[11] - وهذا هو محل الشاهد ههنا. فتأمل 
[12] - وتفصيل البحث الكبروي يترك الى باب الشهادات وسنشير له ههنا إشارة فقط. 
[13] - نص عبارة الجواهر هي (للقطع بعدم معنى شرعي مخصوص لها) أي للشهادة. نقله عنه في الفقه ج86 ص10. 
[14] - ان البينة هي على أنواع فقد يكتفى فيها بالشاهد واليمين او الشاهد والمرأتين ولكن النوع المعهود للبينة في بعض الأبواب هما الشاهدان العادلان، وعلى أية حال فان الشروط الأصعب متحققة في المقام. 
[15] - وسيأتي وجهه وبحثه. 

  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=102
  • تاريخ إضافة الموضوع : الثلاثاء 29 ربيع الثاني 1434هــ
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 02 / 23