• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : المكاسب المحرمة (1433-1434هـ) .
              • الموضوع : 84- وجوه توثيق (موسى بن عمران) ـ وقوعه في إسناد تفسير القمي ، وبحث حول هذا التفسير وتمييزه عن تفسير ابي الجارود ـ وقوعه في إسناد كامل الزيارت ، وبحث حول ـ توثيق ابن قوليه لمشايخه .

84- وجوه توثيق (موسى بن عمران) ـ وقوعه في إسناد تفسير القمي ، وبحث حول هذا التفسير وتمييزه عن تفسير ابي الجارود ـ وقوعه في إسناد كامل الزيارت ، وبحث حول ـ توثيق ابن قوليه لمشايخه

 بسم الله الرحمن الرحيم 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم 
 
كان البحث حول سند رواية ثواب الأعمال ومدى إمكان تصحيح سندها, حيث ان الشيخ الصدوق يرويها بهذا الإسناد: "حدثني أبي، قال: حدثني احمد بن إدريس عن محمد بن احمد عن موسى بن عمران ....". 
 
محاولة توثيق بقية أفراد السلسة: موسى بن عمران 
 
ولازال الكلام في توثيق بقية أفراد السلسلة, وبعد (بن روح) وصلنا الى (موسى بن عمران)، وتوجد عدة وجوه لتوثيقه. 
 
وجهان لتوثيق موسى بن عمران: 
 
الوجه الأول: إن موسى بن عمران قد وقع في إسناد تفسير علي بن إبراهيم القمي. 
 
الوجه الثاني: انه وقع في إسناد كامل الزيارات لابن قولويه . 
 
ولما كان هذان الوجهان كثيرا ما يستشهد ويستدل بهما على تصحيح الرواة كما نجد ذلك في المباحث المختلفة، فان من المناسب ان نتوقف عند هذين الوجهين والمبنين فنقول: 
 
الوجه الأول: ورود الراوي في إسناد تفسير القمي 
 
أما الوجه الأول, فان الكلام فيه يتم من خلال بحث موجز عن تفسير علي بن إبراهيم القمي المتوفى بعد عام 307 هـ، وقيل توفي عام 329 هـ. 
 
حقيقة تفسير القمي: ان تفسير القمي هو مزيج من تفسيرين -وهنا موطن الشبهة –؛ وذلك ان راوي هذا التفسير، وهو حفيد الإمام الكاظم (عليه السلام) واسمه أبو الفضل العباس بن محمد بن القاسم بن حمزة بن موسى بن جعفر (عليه السلام)، قد أوجد بعض الإرباك من خلال الدمج والمزج بين تفسيرين في كتاب واحد وهو (تفسير القمي)، أما التفسير الأول – وهو الأصل – فهو تفسير علي بن إبراهيم القمي، وأما التفسير الثاني فهو لأبي الجارود زياد بن منذر الخارفي، و هو من أصحاب الإمام الباقر (عليه السلام) وهو شيخ الجارودية, 
 
فان علي بن إبراهيم وان كان قد وثق بعبارته مشايخه المباشرين، بل جميعهم[1] فان الظاهر انه وثق كل من يقع في كتابه في سلسلة الإسناد وهم ( 260) راويا، وهذه ثروة كبيرة في علم الرجال – لو قبلنا بانه بالفعل قد وثقهم –, ولكن ذلك إنما يتم لو خلصنا من مشكلة ان الكتاب مختلط فلا نعلم إن الراوي للرواية المعينة في هذا التفسير هل هو موثق بتوثيق علي بن ابراهيم الإجمالي؛ لانه في سلسة رواة تفسيره؟ او هو من رواة التفسير الاخر وهو تفسير أبو الجارود فلا دليل على اعتباره؟ وذلك إن أبا الفضل العباس وهو تلميذ علي بن إبراهيم قد دمج كلا التفسيرين بما يشتملان عليه من روايات. 
 
والحاصل: ان لدينا في المقام تفسيران، وصاحب الوسائل والسيد الخوئي استظهروا ان علي بن ابراهيم في كلامه قد وثق مشايخه كلهم، والتوثيق منه هو لكل سلاسل الأسانيد، ولكن المشكلة الموجودة هي الخلط والمزج بين التفسيرين؛ ولذا فان البعض اعترض بإنا لا نعلم ان الراوي الفلاني - كموسى بن عمران في المقام - المراد توثيقه هل وقع في سلسلة الرواة في تفسير علي بن ابراهيم – الأصل - كيما يكون موثقا بتوثيقه الإجمالي، أم انه من التفسير الآخر فلا يكون كذلك، وهذه هي الشبهة المطروحة. 
 
جواب الشبهة: التمييز ظاهر وواضح بين التفسيرين 
 
وجواب هذه الشبهة واضح وذلك: 
 
انه من يدقق في التفسير الموجود بين أيدينا المسمى بـ(تفسير القمي) يجد ان تلميذه ابا الفضل العباس قد فرز التفسيرين وذلك انه يروي عن علي بن إبراهيم، ثم انه إذا عدل الى تفسير ابي الجارود ذكر سلسلة السند وهي واضحة ومحددة وتنتهي الى نفس ابي الجارود، ثم انه إذا أنهى الكلام عنه يقول في عبارته (رجعٌ)، أي عودا الى تفسير علي بن إبراهيم ، وهذه الطريقة هي طريقة صحيحة وعملية وأكثر دقة من استعمال الأقواس إذ قد يسقطها النساخ أو تختلف مواضعها، ثم ان الأقواس لم تكن متداولة آنذاك. 
 
وبتعبير آخر: ان الأصل في تفسير القمي هو ان يروي الراوي عن علي بن إبراهيم القمي[2]، ثم إذا أراد ان ينقل عن تفسير أبي جارود حدد وذكر سلسلة السند التي تنتهي إلى أبي الجارود ثم ينهي ذلك بقول ( رجع الى علي بن ابراهيم )، هذا هو الاصل، وان المتتبع للتفسير يجد ذلك في مواطن مختلفة , 
 
وعليه: فلا مشكلة عندنا في هذا التفسير من هذه الجهة[3] 
 
الإشكال الثاني: وهو انه لا يعلم ان النسخة الموجودة في ايدينا هي نفس تفسير القمي المعهودة في الأزمنة السابقة 
 
وجواب الاشكال: ان بناء العقلاء على اعتبار النسخة المتداولة في الأزمنة اللاحقة هي نفس النسخة الموجودة في الأزمنة السابقة، إلا إذا دل دليل على الخلاف بل نقول: ان هذه الشبهة لو سرت فإنها سيالة الى أي كتاب نضع يدنا عليه، إذ لا يعلم ان النسخة الحالية هي نفس النسخة السابقة، حتى في مثل الكافي وكتاب نهج البلاغة وكتاب التهذيب وغيرها, إذ لا تعلم الشهرة في جميع الطبقات. 
 
والجواب في الكل واحد وهو: 
 
ان بناء العقلاء وسيرتهم جارية في كل الملل والنحل على إن الكتاب الذي اشتهر في زمن نسبته إلى شخص، فانهم يبنون على انه له، كما في كتب ابن سينا وكذلك كتب العلامة والمحقق وغيرها، ولو فتح هذا الباب لإنهدمت المنظومة المعرفية بكلها , 
 
وهذه القضية التي نذكرها- وحدة النسخة وعدم التشكيك - هي قضية مفروغ عنها عند العقلاء، وهو مما يورث العلم عندهم وليس فقط الظن النوعي، بل هي أقوى في الحجية لديهم من خبر الثقة أو الظواهر؛ فان الثقة في أحيان كثيرة - يكون خاطئا أو متعمداً الكذب – أما نسبة الكتب الشهيرة الى أصحابها فان نسبة الخطأ – أو تعمد الكذب - فيها نادرة جدا بالقياس الى خبر الثقة او الظواهر او غير ذلك، ولذا فإننا نجد ان النقاش والإشكال قد وقع في كتب محددة فقط، مما يعني ان الأصل العقلائي المسلم هو قبول نسبة الكتب المشهورة – كقدر متيقن- إلى أصحابها[4]. 
 
والمتحصل: ان الوجه الأول لتوثيق موسى بن عمران وهو وقوعه في اسناد تفسير القمي[5] المعزول بما ذكرناه عن تفسير ابي الجارود، تام ظاهراً. فتدبر 
 
الوجه الثاني: وروده في كتاب كامل الزيارات 
 
واما الوجه الثاني لتصحيح وتوثيق راوينا فهو وروده في كتاب كامل الزيارات[6], ومصنفه هو جعفر بن محمد بن قولويه المتوفى 367 هـ -وعلى قول 369 هـ - 
 
آراء أصحاب الوسائل والمستدرك والمعجم 
 
أما صاحب الوسائل استظهر من عبارته المذكورة في مقدمة كتابه توثيق كافة المشايخ طوليا وهم 388 راويا، وهذه ثروة مهمة, وأما المحدث المحقق النوري في مستدرك الوسائل فانه استظهر بان كلام صاحب كامل الزيارات في مقدمته يفيد توثيق مشايخه المباشرين فقط (أقول: وليس منهم موسى بن عمران في مقامنا) وهم 31 شيخا وراويا , 
 
وعليه: فان تحليل عبارة ابن قولويه في مقدمته مهمة جدا وذلك اما لتوثيق العدد الأقل وهو 31 راوياً، أو لتوثيق كل الرواة وهم 388 راويا 
 
واما السيد الخوئي (عليه السلام) فقد اضطرب اجتهاده في تشخيص المراد في قول ابن قولويه، وعلى ثلاثة أقوال: 
 
*القول الأول: وهو في بداياته فقد ذهب إلى ان عبارة ابن قولويه لا تفيد أي توثيق في المقام، أي لا توثيقاً للرواة المباشرين ولا لغير المباشرين (كما في فقه الشيعة ج3 ص27). 
 
*القول الثاني: ذهب فيه الى النقيض المقابل حيث ذهب الى ان عبارته تفيد توثيق المشايخ كافة المباشرين وغير المباشرين . 
 
*القول الثالث: ثم استقر رأيه في آخر عمره الى التفصيل المعروف من توثيق المشايخ المباشرين فقط دون غيرهم. 
 
ومن هنا فانه ينبغي على الفقيه المتبصر ان يرجع بنفسه الى عبارة ابن قولويه ليستظهر منها المراد ولا يكون في ذلك مقلدا متبعا للغير 
 
وأما عبارة ابن قولويه فهي: (وقد علمنا بانا لا نحيط بجميع ما روي عنهم في هذا المعنى ولا في غيره لكن ما وقع لنا من جهة الثقات من أصحابنا رحمهم الله برحمته، ولا أخرجت فيه حديثاً روي عن الشذاذ من الرجال). 
 
فقد يقال: ظاهر العبارة إنها توثيق لكل أفراد سلسلة الرواة بقرينة (ما وقع لنا من جهة الثقات). فتأمل. 
 
إضافة الى ان ابن قولويه يريد ان يبني على قوله وتعبيره توثيق كل روايات كتابه (كامل الزيارات) حتى يكون كتابا مصدريا يرجع اليه ، وعليه فالقرينة المقامية منه تقتضي توثيق سلسلة السند بكلها، وإلا فان توثيق المشايخ المباشرين منه مع الجهل بالباقي وعدم الاعتماد عليهم ناقض لغرضه في توثيق الكتاب والروايات , 
 
هذا هو الوجه الثاني لتوثيق راوينا موسى بن عمران وبشكل موجز[7]. 
 
تكملة سلسلة السند: توثيق ابن سنان 
 
وأما الراوي الآخر فهو ( ابن سنان ) وهذا مشترك بين اثنين، وهما محمد بن سنان وعبد الله بن سنان, والأخير ثقة لا كلام فيه، وأما محمد بن سنان فهو مختلف فيه . 
 
التمييز بينهما: الراوي هو محمد بن سنان بقرينة المروي عنه 
 
والظاهر: وبقرينة المروي عنه، هو ان ابن سنان هو محمد بن سنان لا عبد الله بن سنان؛ وذلك ان محمد بن سنان هو الذي يروي عن أبي الجارود، فهل محمد بن سنان ثقة ورواياته حجة او لا؟ 
 
توثيق محمد بن سنان: ونتوقف قليلا في محمد بن سنان ونقول: 
 
ان رواياته معتبرة وحجيتها ثابتة؛ وذلك لان الرجاليين الذين أشكلوا عليه كالنجاشي إنما إشكالهم كان من جهة رميه بالغلو، فاسقطوا رواياته - مع أهميتها - عن الحجية . 
 
نقاشان في المقام: بنائي ومبنائي 
 
النقاش المبنائي: نسبة الغلو الى محمد بن سنان ليست صحيحة 
 
أما النقاش المبنائي فنقول فيه: إننا لا نقبل صحة نسبة رمي محمد بن سنان[8] بالغلو؛ لان الضابط الذي سار عليه النجاشي لإثبات غلوه ليس بضابط صحيح . 
 
بيانه: وذلك ان بعض القميين القدامى كان لهم مسلك متشدد في رمي بعض الرواة بالغلو وهذا المسلك يشير له الوحيد البهبهاني في فوائده، وكذلك السيد حسن الكاظمي في نهاية الدراية[9]، 
 
حيث يقول العلمان: ان العديد من القميين كانوا يرمون الراوي بالغلو وذلك لجهات متعددة، ومنها كون الراوي ممن ينفي السهو عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، ومنها كون الراوي ممن يرى ان للائمة (عليه السلام) قوى خارقة وتصرفاً في الأمور التكوينية، ومنها كونه يرى للمعصومين الإحاطة الواسعة بعلوم الغيب.. وغير ذلك. 
 
النقاش الثاني: نقاش بنائي، الغلو أمر ووثاقة اللهجة أمر آخر 
 
وهنا نقول: 
 
سلمنا بان محمد بن سنان غال فرضاً ولكن الغلو في العقيدة أمر ووثاقة اللهجة وصدق الحديث أمر آخر، وهذه الرواية التي هي في مورد بحثنا ليست رواية تتعلق بأمور العقيدة – أي رواية الرشوة –؛ ولا يبحث فيها عن مقامات وكرامات الأئمة ع حتى يتطرق اليها الوهم بان الراوي محمد بن سنان قد زور روايته، وما نقوله ونذكره هو نفس ما سار عليه الشيخ النجاشي في مواطن أخرى فان الراوي ان كان ثقة فهو معتبر وان كان واقفيا او مبتلى بغير الوقف من الانحرافات العقائدية فان هذه لا علاقة لها بصدق اللهجة عموما. وللكلام تتمة 
 
وصلى الله على محمد واله الطاهرين 
 
 
 
 
[1] - صاحب الوسائل والسيد الخوئي وآخرون، وهو المنصور ونص عبارة القمي (ونحن ذاكرون ومخبرون بما ينتهي إلينا، ورواه مشايخنا وثقاتنا عن الذين فرض الله طاعتهم وأوجب ولايتهم). 
 
[2] - علماً بأن التفسير من أول سورة الحمد ثم كامل سورة البقرة ثم إلى الآية 45 من آل عمران، هو خالص في علي بن إبراهيم ثم أن أبا الفضل يدمج بعد هذه الآية بين التفسيرين. 
 
[3] - ولو وجد خلاف ذلك فهو الأقل وموارده محدودة فتنحصر الشبهة به. 
 
[4] - بل ان إثبات التواتر أو الاستفاضة والشهرة المسلمة لهذه الكتب في كل الطبقات والأزمنة ليست ممكنة إلا في النادر من الكتب. 
 
[5] - راجع مثلاً تفسير القمي – سورة النحل. 
 
[6] - ولا يخفى هنا ان موسى بن عمران ليس مرويا عنه بالمباشرة للقمي وابن قولويه وإنما بالواسطة، أي انه ليس شيخا مباشرة لهما 
 
[7] - وهناك وجوه أخرى للتوثيق ولكن ما ذكرناه كاف في المقام 
 
[8] - وكذلك يونس بن ظبيان و المفضل بن عمر ومن أشبه 
 
[9] - وهذان الكتابان مهمان جدا لمن أراد تحصيل مجموعة من الفوائد الرجالية المهمة

  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=106
  • تاريخ إضافة الموضوع : الثلاثاء 7 جمادى الاولى 1434هـ
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 02 / 23