• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : المكاسب المحرمة (1433-1434هـ) .
              • الموضوع : 97- الجواب السادس : القصد من الشروط العامة الشرعية للتكليف في العناوين القصدية (الحيادية) وحكومة ادلة (انما الاعمال بالنيات) على العناوين القصدية كآية التعاون ـ تفصيل : ان العناوين لابشرطية ، وبشرط لائية ، وبشرط شيئية ، تجاه القصد ، وامثلة ذلك الفقهية .

97- الجواب السادس : القصد من الشروط العامة الشرعية للتكليف في العناوين القصدية (الحيادية) وحكومة ادلة (انما الاعمال بالنيات) على العناوين القصدية كآية التعاون ـ تفصيل : ان العناوين لابشرطية ، وبشرط لائية ، وبشرط شيئية ، تجاه القصد ، وامثلة ذلك الفقهية

 بسم الله الرحمن الرحيم 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم 
 
كان البحث حول مدى إمكانية التمسك بآية (...وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) على حرمة الرشوة بالمعنى الأعم، كما ذهب إلى ذلك صاحب المستند, وقد ذكرنا إن التمسك بالآية في تنقيح الموضوع أو إثبات الحكم ليس بمجد وذلك لوجوه وإشكالات كان رابعها هو ان القصد من العناوين الحيادية, وهو من الشرائط العقلية العامة للتكليف إلى جوار الشروط الأخرى المعروفة والتي هي أربعة، أي العقل والقدرة والاختيار –وهذه عقلية -, والبلوغ ولكن هذا الشرط هو من الشروط العامة الشرعية كما لا يخفى؛ وذلك انه يمكن تكليف غير البالغ أي المميز[1], 
 
والمهم هو : انه قد يقال بان القصد أيضا هو من الشرائط العامة العقلية للتكليف في العناوين الحيادية القصدية وذلك لأن غير القاصد، كالغافل عن قصور، لا يُعقل تكليفه فانه قبيح، فان التكليف إنما جعل بداعي البعث أو الزجر وغير القاصد – كالغافل عن قصور[2] - لا يمكن بعثه او زجره[3]. 
 
الإشكال الخامس: القصد من الشروط الشرعية العامة للتكليف، على تفصيل 
 
وقد يورد على التمسك بالآية إشكال آخر وهو: 
 
ان (القصد) من الشروط الشرعية العامة للتكاليف في العناوين الحيادية مطلقا، وفي غيرها في الجملة، وان حال القصد هو حال بقية الشروط العامة كعدم كونه حرجياً أو ضررياً، وليس هو بشرط عقلي؛ حيث انه يمكن أن يكلفنا الشارع بما يوقعنا في الحرج كما هو كذلك في الجملة كالجهاد والخمس والزكاة، ولكن فيما عدا ما ورد مورد الحرج – إن كان حرجيا – فان اللاحرج هو من الشروط العامة الشرعية[4] وحاله كما في اللاضرر واللااكراه وهذه الموارد وغيرها من مفاد حديث الرفع وهي تسعة أمور، ولا بد ان نضيف إليها القصد[5] فيكون من الشروط العامة الشرعية للتكليف، وهذا كما قلنا أي القصد هو في العناوين الحيادية شرطه بنحو مطلق وفي غيرها في الجملة هذا هو المدعى في المقام 
 
الدليل على المدعى : روايات ( إنما الأعمال بالنيات) حاكمة أو واردة 
 
ويمكن الاستدلال على مدعانا بروايات معتبرة سندا وقد بنى الفقهاء عليها، ومنها ( إنما الأعمال بالنيات ) فان هذه الرواية ونظائرها يمكن الاعتماد عليها في ذلك، نعم خصوص هذه الرواية قد لا تكون معتبرة سنداً بحسب مسلك المتأخرين من الرجاليين، (ولكنها معتبرة عندنا)، إلا ان مضمون الرواية قد ورد بألفاظ أخرى في روايات أخرى هي معتبرة سندا، كقوله عليه السلام: (لا عمل إلا بنية) فان هذه رواية حسنة بحسب تعبير صاحب الجواهر حيث قال : (حسنة ابي حمزة )، 
 
وعليه : فنحن لا نقف عند البحث السندي في هذه الروايات؛ وذلك لوجود الرواية الحسنة المذكورة من جهة، ومن جهة أخرى توجد عدة وجوه لتوثيق الروايات المتعددة، منها قيام الشهرة الروائية عليها، وكذلك الفتوائية ومطابقتها للقواعد إضافة إلى مبنانا العام في حجية مراسيل الثقات ومسانيدهم المتضمنة للمجاهيل. 
 
بيان الدليل : 
 
ولبيان دليلنا نقول : 
 
إن رواية (إنما الأعمال بالنيات) ونظائرها ناظرة إلى مطلق العناوين القصدية، أو منقحة لموضوعها[6] ومنها المقدمة بقول مطلق، وآيتنا الشريفة مورد البحث – كصغرى - منها، وكذلك فيما اشتهر من أن العقود تتبع القصود فـ(أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) محكوم بـ(لا عمل إلا بنية) ان لم يكن وارداً عليه. 
 
والحاصل: ان دليل (لا عمل إلا بنية) حاكم على هذه الأدلة ومقدم عليها في بعض الصور ووارد في صور أخرى كما سيأتي 
 
والنتيجة: إن آية (وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) مقيدة بصورة القصد[7] خاصة، فلو لم يكن الشخص قاصدا للاثم والتعاون عليه فانه ليس مشمولا للنهي في الآية، بل هو مشمول للدليل الحاكم؛ فانه ما لم ينو فهو ليس بمتعاون على الإثم موضوعاً – كما سبق – أو حكماً، والشخص في موردنا قد بذل المال للقاضي بقصد استنقاذ حقه، وعليه فالنية والقصد مفصِّل. 
 
(العناوين) بين بشرط شيء وبشرط لا ولا بشرط 
 
إن العناوين المأخوذة في موضوعات الأحكام هي على ثلاثة أقسام مقيسةً إلى القصد، وهي : 
 
أولا: العناوين اللا بشرطية 
 
ثانيا: العناوين البشرط لائية 
 
ثالثا: العناوين البشرط شيئية 
 
وإن قول الإمام (عليه السلام)(إنما الأعمال بالنيات) يشمل قطعا القسم الأول، ولا يشمل القسم الثاني قطعا، وأما القسم الثالث وهي العناوين بشرط شيئية ففيها تفصيل سيأتي ان شاء الله تعالى , 
 
وسنذكر بعض الأمثلة الفقهية المقتطفة ومن أبواب شتى في الفقه وذلك لمزيد التوضيح لموضوعية هذه المسائل والأمثلة من جهة ولمزيد ربط الفقه بالقواعد الفقهية من جهة أخرى، 
 
1- العناوين اللابشرطية 
 
أما القسم الأول : وهو العناوين اللابشرطية - وقد عبرنا عنها كذلك بالعناوين الحيادية القصدية - فنمثل لها بـ(الهوي للركوع في الصلاة) فان هذا هو عنوان قصدي وذلك انه بالقصد يتفصل ثم تترتب عليه الأحكام وإلا فلا، وذلك ما ذهب إليه صاحب الجواهر[8] – إذ يقول بتوضيح منا - : لو إن شخصا انهى سورة التوحيد وقبل أن يركع رأى حية أمامه فهوى ليقتلها او ينحيها، وعندما وصل إلى حد الركوع عدل عن هذه النية، لذهاب الحية مثلا، ونوى بانحنائه ركوع الصلاة، فان صاحب الجواهر يقول إن ذلك لا يجزي وعليه ان يرجع ثم يهوي بنية الركوع مرة أخرى؛ لان النية مفصلة لهوي الركوع ؛ حيث ان القيام المتصل بالركوع هو ركن، وهو في مثالنا وحالتنا لم يهوِ للركوع، وإنما لدفع او قتل الحية, 
 
وعبارة صاحب الجواهر هي[9]: (لان الركوع: الانحناء – أي الخاص - ولم يقصده، وإنما يتميز الانحناء للركوع، منه عن غيره، بالنية ) انتهى، وهنالك أمثلة عديدة أخرى لهذه العناوين اللابشرطية منها ما نحن فيه من (التعاون على الإثم والعدوان) في الرشوة، كعكسه (التعاون على البر والتقوى). 
 
والحاصل: ان هذه العناوين اما انها توجد بالقصد، وانه بدونه لا عنوان بالمرة، او انها وإن وجدت دون القصد الخاص إلا أن أدلة (إنما الأعمال بالنيات) حاكمة عليها أي على مثل آية (وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) و(ألهوي للركوع) و(العقود) وهكذا، هذا إن لم نقل ان أدلة (إنما الأعمال بالنيات) منقحة لموضوع الأدلة الأخرى، بتنزيل من الشارع، لا بتنقيح تكويني للموضوع وإلا كان الخروج تخصصياً. فتدبر جيداً 
 
والخلاصة: إننا في الإشكال الخامس نقول – تسليما- بالحكومة وان العنوان متحقق ولكنه محكوم بدليل (إنما الأعمال بالنيات)، هذا هو القسم الأول من العناوين . 
 
العناوين البشرط لائية 
 
وأما القسم الثاني : وهو العناوين البشرط لائية فان القصد والنية لا مدخلية لها بالمرة أي لا مدخلية لها موضوعا وكذلك لا مدخلية لها حكما[10]، ومثاله الظلم فان الأب لو ضرب ولده ظلما وان قصد التأديب، فانه ظلم موضوعا ومحرم حكما، كما هو الحال في الكثير من الناس الذين يضربون أبناءهم أكثر من الحد الشرعي، فانه ظلم وان قصد به التأديب. 
 
والمتحصل: ان قصد الأب من ضرب ابنه، التأديب، لا يخرج ضربه الخارج عن حد الشرع عن الظلم موضوعاً ولا عن الحرمة حكما، هذا هو القسم الثاني من العناوين . 
 
3- العناوين البشرط شيئية 
 
وأما القسم الثالث: فهي العناوين البشرط شيئية، وفي هذه العناوين فان النية لا تغير الموضوع، وان كانت تغير الحكم، ومثاله القتل فو قتل رجل آخر تشفيا او تمريناً أو قصاصا أو قتله لأنه متترس به من قبل الأعداء، فان الموضوع والعنوان متحقق وصادق وهو القتل، سواء قصد التشفي او القصاص او غير ذلك, إلا ان الحكم تبعا للقصد يتغير فان القتل لو كان قصاصا وبالضوابط الشرعية فانه جائز، و لو كان القتل لأجل انه قد تترس به الكفار فهو كذلك، ولكن لو كان القتل تشفيا أو تمريناً فهو حرام وإثم 
 
والخلاصة : ان النية في القسم الثالث (الأمور البشرط شيئية أي بشرط الانضباط بالضوابط الشرعية) مؤثرة في الحكم لا بالموضوع، وللكلام تتمة. 
 
وصلى الله على محمد واله الطاهرين 
 
 
 
 
[1] - وبعض الاعلام ذكر شرط العلم وسيأتي الكلام حوله فانتظر 
 
[2] - ولو كان عن تقصير فانه مؤاخذ وذلك ان الامتناع بالاختيار لا ينافي الاختيار 
 
[3] - وسنتوقف عند تحليل ذلك ونفصله الى صورتين نقبل إحداهما ونرفض الأخرى 
 
[4] - بمعنى انه يرفع الحكم الأولي. 
 
[5] - لكن فرقه عن التسعة، انها حاكمة عن عناوين الأدلة الأولية مطلقاً، أما هذا فحاكم أو وارد على العناوين القصدية (الحيادية) فقط واما غيرها ففي الجملة. 
 
[6] - سيأتي بيان مورد الورود والحكومة. 
 
[7] - أي قصد التعاون على الإثم. 
 
[8] - وان لم يؤطر كلامه بما ذكرناه من الإطار الثلاثي العام. 
 
[9] - جواهر الكلام مج 10 ص 78 
 
[10] - ففي القسم الأول كان للقصد مدخلية موضوعا ومفهوما – على مبنيي الوورد والتخصص – أو حكما فقط وأما على الرأي التنزلي الذي بيناه فان القصد يؤثر وله مدخلية حكما لا موضوعا

  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=119
  • تاريخ إضافة الموضوع : الاثنين 11 جمادى الثانية 1434هـ
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 02 / 23