• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : المكاسب المحرمة (1433-1434هـ) .
              • الموضوع : 103- تتمة ثمرات البحث في مسائل 1- الفرق بين ما يأخذه القاضي وغيره من بيت المال (فالخروج موضوعي) وما يأخذه من المترافع إليه (فالدخول موضوعي) 2- لو بذل له المال ليحكم بالحق، غافلاً عن حرمة الارتشاء، فالرشوة صادقة موضوعاً، خارجة حكماً للحكومة 3- لو بذل لاستنقاذ حق مرجوح، فأدلة النية منصرفة ـ رأي صاحب العناوين: (لا عمل إلا بنية) خاص بنفي الماهية ورأينا انه عام للستة: الماهية، التعنون، الصحة، القبول، الكمال، الثواب .

103- تتمة ثمرات البحث في مسائل 1- الفرق بين ما يأخذه القاضي وغيره من بيت المال (فالخروج موضوعي) وما يأخذه من المترافع إليه (فالدخول موضوعي) 2- لو بذل له المال ليحكم بالحق، غافلاً عن حرمة الارتشاء، فالرشوة صادقة موضوعاً، خارجة حكماً للحكومة 3- لو بذل لاستنقاذ حق مرجوح، فأدلة النية منصرفة ـ رأي صاحب العناوين: (لا عمل إلا بنية) خاص بنفي الماهية ورأينا انه عام للستة: الماهية، التعنون، الصحة، القبول، الكمال، الثواب

بسم الله الرحمن الرحيم 
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم 
 
نختم بحثنا السابق بثلاث مسائل وثمار، وبعد ذلك نذكر الدليل على الرأي المنصور في قبال ما ارتضاه صاحب العناوين في المقام. 
 
المسألة والثمرة الأولى: الارتزاق خارج موضوعاً عن الرشوة 
 
وهي إن هناك فرقا بين ما يبذله الحاكم الشرعي أو بيت المال للقاضي وبين ما يبذله المتخاصمان والمترافعان او الشخص المحتاج لحكم القاضي، والفرق بينهما موضوعي، وهو إن ما يبذله الحاكم الشرعي للقاضي خارج موضوعاً عن عنوان الرشوة؛ فانه لا يصدق عليه رشوة مفهوما، بل هو داخل في عنوان الارتزاق من بيت المال[1]، ويدل على ذلك اللغة والعرف وإجماع الفقهاء أيضا[2]، هذا أولا. 
 
وثانيا : إن آية (لا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ )لا تشمله؛ إذ إن الارتزاق هو أمر حلال وطيب ليس بإثم موضوعا، وكذلك لا تشمله الآية الأخرى والمستدل بها على حرمة الرشوة وهي (لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ)؛ وذلك إن ارتزاق القاضي من بيت المال ليس أكلا بالباطل موضوعا قطعا. 
 
وعليه : فالخروج في هذه الموارد عن هذه الأدلة هو خروج تخصصي[3]. 
 
وأما ما يبذله احد المتخاصمين أو كلاهما للقاضي فانه يصدق عليه عرفا (رشوة) موضوعا، ولكن هل هو خارج في صورة الاضطرار حكما فيما لو توقف عليه استنقاذ حقه؟[4] 
 
والجواب: نعم في مورد الاضطرار فان الحكم – الحرمة - مرفوع، وان كان عنوان الرشوة صادقا، هذه هي المسألة الأولى والثمرة المتحصلة عن التقسيم الخماسي السابق. 
 
المسألة والثمرة الثانية: لو بذل غافلاً عن حرمة الارتشاء، فهي رشوة... 
 
وهي التي اشرنا إلى عنوانها سابقا، ولكن لم نكمله وهي: 
 
لو بذل المترافع للقاضي مالا ليحكم بالحق غافلا عن حرمة الارتشاء، (إذ لو كان هذا الباذل ملتفتا إلى حرمة ارتشاء القاضي فهنا يأتي الكلام في كونه تعاونا على الإثم مثلا)، ولكن مع إضطراره للوصول إلى الحكم بالحق فليس ذلك بمحرم، إلا إن ذلك من جهته وطرفه، اما من طرف وجهة القاضي فحكمه الحرمة لأنه اثم ورشوة. 
 
واما (الغفلة) فانها لا تخرج البذل عن موضوع وعنوان الارتشاء فهي رشوة موضوعا، والخروج هنا ليس تخصصيا إذ هو رشوة موضوعا، وإنما الخروج هو حكمي و محمولي فهي رشوة ولكنها غير محرمة للباذل لاضطراره, وحالها كحال الاضطرار إلى الربا، 
 
الغفلة ليست دخيلة في التسمية لأن الأسماء موضوعة لمسمياتها الثبوتية 
 
ولكن قد يقال مادام هذا العمل حلالاً من جهة الباذل لاضطراره إليه وما دام غافلاً عن حرمة الارتشاء فهو ليس برشوة موضوعا 
 
ونقول في الجواب : كلا, إن الغفلة ليس لها مدخلية في التسمية الثبوتية؛ وذلك إن الأسماء موضوعة لمسمياتها الثبوتية، فسواء علم الشخص أم لم يعلم، غفل أم لم يغفل، فان ذلك لا يغير الاسم وحقيقة انطباقه على عنوانه الحقيقي ومسماه الثبوتي، فان الحائط مثلاً هو اسم قد وضع للحائط الموجود والمتحقق ثبوتا وواقعا حتى لو غفل الشخص عن ذلك, 
 
والمتحصل : ان المورد هو رشوة حقيقية وموضوعاً وهي إثم من طرف القاضي، ولكنها من طرف المعطي خارجة حكما بلحاظ أدلة النية فإنها حاكمة على الأدلة الأخرى، فان الشخص عندما بذل المال فحيث لم يكن بذله بقصد تقوية الحاكم على منهجيته من الارتشاء، بل البذل إنما كان لاستنقاذ الحق، فدليل (لا عمل إلا بنية) يخرج هذا المورد خروجا محموليا من الأدلة الأخرى[5], فيكون حاكما وليس بوارد[6]. 
 
المسألة والثمرة الثالثة: أدلة النية منصرفة عن استنقاذ الحق المرجوح 
 
وهي ما لو بذل المال للقاضي لأجل ان يستنقذ حقا مرجوحا، فقد نوى أمرا محللا، لكنه مرجوح فما نسبة هذا البذل مع أدلة" لا عمل إلا بنية "؟ 
 
والجواب : هو الانصراف – أي انه مندرج في الدائرة الخامسة التي ذكرناها - فان أدلة (لا عمل إلا بنية ) منصرفة عن هذا المورد المرجوح فان المكلف وان كان قد نوى حلالا، إلا ان الحكم لا يكون الحلية لانصراف الدليل – دليل النية -[7] عنه. 
 
البحث النهائي: الرأي المنصور وسعته للدوائر الستة 
 
ذكرنا فيما سبق ان صاحب العناوين قد قال – ما ملخصه – : إن مفاد (لا عمل إلا بنية) هو نفي وجود الماهية؛ فان لا هي نافية للجنس إذ دخلت على النكرة، وهذا يعني انه حصر المراد والمفاد في الدائرة الأولى من الدوائر والمعاني الست التي ذكرناها، ولكن ما نستظهره هو ان لا عمل إلا بينة تشمل الدوائر الست كلها[8]. 
 
توضيح ذلك: 
 
سبق ان قلنا: إن " لا عمل إلا بينة " تشمل دوائر ست وهي: 
 
1- لا عمل موجودا إلا بنية كما في الانشائيات 
 
2- لا عمل معنوَناً بعنوانٍ ومفصَّلا إلا بنية، كما في المقدمة 
 
3- لا عمل صحيحا إلا بنية 
 
4- لا عمل مقبولا إلا بنية 
 
5- لا عمل كاملا إلا بينة 
 
6- لا عمل مثابا عليه إلا بنية 
 
وعليه: فان دائرة البحث بناءا على الرأي المنصور ستكون وسيعة جدا، وهذا بخلاف ما ذهب إليه صاحب العناوين[9]، وللكلام تتمة 
 
وصلى الله على محمد واله الطاهرين 
 
 
[1] - وقد يكون داخلاً في عنوان الأجرة، وفيه خلاف. 
 
[2] - ولعل السبب مجموع النية وظهور الحال (لكون المعطي بيت المال). 
 
[3] - وهو من الدائرة الأولى من الدوائر الخمس المذكورة آنفاً. 
 
[4] - واما لو لم يتوقف، بل كانت هناك بدائل أخرى، ففيه خلاف. 
 
[5] - أي أدلة حرمة الرشوة. 
 
[6] - وبتعبير آخر: ان الشارع في مثل الربا والرشوة قد تدخل واعتبر المورد محرما وان كان العقلاء يعتبرون ذلك في بعض الصور محللا، ولكنه خطّأهم للمفاسد الأكثر المترتبة وغير المنظورة لهم 
 
[7] - الذي ظاهره اناطة الحرمة بالنية – أي لا عمل حراماً إلا بنية – في صغرى المقام. 
 
[8] - وسنقيم على ذلك خمسة أدلة نقبل ثلاثة منها ونرد اثنين 
 
[9] - وبتعبير آخر فان صاحب العناوين يقول لا يوجد عمل إلا بنية، ونحن نقول : لا يوجد ولا يتعنون ولا يصح ولا يقبل ولا يكمل عمل إلا بنية، وكذلك لا يثاب على عمل إلا بنية، وهذه الستة على سبيل البدل

  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=125
  • تاريخ إضافة الموضوع : الاحد 24 جمادى الثانية 1434هـ
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 02 / 23