بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
حرمة اللهو واللعب واللغو والعبث
(19)
محتملات (الملاهي) في رواية الاعمش
سبق ان الاستدلال برواية الاعمش (حيث عد في الكبائر الاشتغال بالملاهي التي تصد عن ذكر الله كالغناء وضرب الأوتار) متوقف على فقه الحديث في مفردة (الملاهي) والمراد بها وفقه (التي تصد عن ذكر الله) وقد مضى بعض الكلام وبقي:
ان الاستدلال متوقف على تحقيق محتملات مفردة (الملاهي) الأخرى وان مفردها ما هو وقد مضى احتمالان وبقي بحث حال بقية الاحتمالات فنقول:
الاحتمال الثالث([1]): ان يكون الملاهي جمع الـمَلهِيّ اسم مفعول من لِهي يلهى كخشي يخشى، وعليه تكون الملاهي أعم من اللهو ومن آلته فان آلة اللهو ملهي بها كما ان اللهو كالغناء ملهي به فيتم الاستدلال بها على المقام وعلى حرمة آلات اللهو جميعاً.
لكن يرد على هذا الاحتمال ان جمع الـمَلهيّ هو مَلهيُّون([2]) كما ان جمع مخشي هو مخشيون وجمع مرضي مرضيون، وجمع ملِهيّة هو ملهيّات كمخشيات ومرضيات لا ملاهي ولا مخاشي ولا مراضي.
الاحتمال الرابع: ان يكون الملاهي جمع الـمُلِهي من باب الأفعال تقول ألهى يُلهي فهو مُلهي، وهو أعم – لو تم – كسابقه فان كلّا من اللهو ومن آلته مُلِهي.
لكن يرد عليه ان جمع الـمُلهي هو مُلهون تقول مُلهي مُلهيان مُلهون وليس ملاهي كما ان جمع مصغي ومدلي هو مُصغون ومُدلون تقول اصغى يصغي فهو مصغي مصغِيان مُصغون وأدلى يدلي فهو مُدلي مدليان مُدلون، وليس مدالي ولا مصاغي.
وبذلك ظهر عدم صحة ما ذكره الميرزا جواد التبريزي من احتمال كون الملاهي جمع الـمُلهي
كما ظهر عدم صحة رد الميرزا الشهيدي لهذا الرأي بقوله ان جمع ملهي على مُلهيات لا على ملاهي؛ إذ فيه ان جمع مُلهية – المؤنث – على ملهيات لا على ملاهي.
والحاصل: ان الملاهي ليست جمعاً لا للـمُلهي (إذ جمعه ملهون) ولا للملهية (إذ جمعه ملهيات).
الاحتمال الخامس: ان الملاهي جمع الملهوّ كدعا يدعو فهو مدعو، وهذا أعم لو تمّ، كسابقه، وفيه ان جمع ملهو هو ملهوّون كمدعوون لا ملاهي كما ليس مداعي.
الاستدلال برواية الفضل بن شاذان
وقد استدل الشيخ بحسن الفضل بن شاذان عن الإمام الرضا ( عليه السلام ) وقال عنها انها كالصحيحة بل هي صحيحة، (وقد عد فيها الاشتغال بالملاهي من الكبائر).
وأشكل السيد الروحاني مد ظله على الاستدلال بها بـ(وفيه: ان الظاهر من اللغة كون الملاهي جمع الملهاة اسم الآلة، ولا صارف عن هذا الظهور، بل يؤكده ان الظاهر من الباء في صدرها الاستعانة، وزيادة كلمة الاشتغال قبل كلمة الملاهي.
وعليه فهو يدل على أن استعمال آلات اللهو حرام ولا نزاع في ذلك، ولا دلالة له على حرمة اللهو المطلق)([3]).
أقول: اما الإشكال الأول فقد سبق الجواب عنه مفصلاً، واما قوله (ان الظاهر من الباء في صدرها الاستعانة)([4]) فيرد عليه أولاً بناءاً انها وإن كانت للاستعانة فانها أعم إذ تنطبق على اللهو وعلى آلة اللهو إذ يصدق على كليهما الاشتغال مستعيناً بآلة اللهو أو مستعيناً باللهو إذ الإنسان قد يشتغل بآلة اللهو كالقانون والشطرنج مستعيناً بها وقد يشتغل بالغناء والرقص مستعيناً بهما على الانشغال.
واما كلمة الاشتغال ومادته فانها صالحة للانطباق على الامرين كما لا يخفى.
ثانياً: مبنىً بان الظاهر ان الأصل في اللازم المتعدي بالباء انها للتعدية اما كونها لمعنى إضافي كالاستعانة فذلك هو المحتاج للقرينة، والاشتغال لازم([5]) فلا بد لكي يتعدى من الباء.
وبعبارة أخرى لو كان مدخول الباء آلة للفعل كانت الباء للاستعانة ككتبت بالقلم لا فيما إذا شك في ان المدخول آلة (إذا كان الملاهي جمع الملهاة) أو فعلاً (إذا كان جمع اللهو) فانه بحاجة إلى قرينة خارجية عندئذٍ فتدبر
سلمنا لكن الأصل في اللام الالصاق لا السببية ولا الاستعانة ولذا اقتصر سيبويه من معاني الباء على الالصاق فقط([6]) والالصاق أعم من آلة اللهو ومن اللهو إذ يصح: الاشتغال ملتصقا بآلة اللهو أو ملتصقا باللهو.
والحاصل: ان الاستدلال برواية الفضل تام لظهور الملاهي – كما حققناه سابقاً – في انها جمع الـمَلهى مصدراً لا الملهاة لما سبق من الأدلة([7])، ولسلامة هذه الرواية عما ورد في رواية الأعمش إذ تضمنت (التي تصد عن ذكر الله) وهي التي منعت عن صحة الاستدلال بها على حرمة مطلق اللهو، عكس رواية الفضل إذ لا قيد فيها. فتأمل
الاستدلال بـ(كل ما الهى عن ذكر الله فهو من الميسر)
وقد استدل الشيخ بخبر عبد الله بن علي عن علي بن موسى عن آبائه عن أمير المؤمنين ( عليه السلام ): كل ما الهى عن ذكر الله فهو من الميسر).
أقول: سبق تفصيلا عدم صحة الاستدلال بهذه الرواية على المقام مطلقاً وذلك لانها من باب آخر فان مسألتنا تدور حول (اللهو) وهو ناقص واوي وما جاء في الرواية مشتق من (اللهي) وهو ناقص يائي وقد سبق اختلاف معنييهما كلفظيهما فراجع. وللحديث صلة
وصلى الله على محمد واله الطاهرين
([1]) وهو ثاني الاحتمالات في الدرس 15 (253).
([2]) تقول ملهيٌّ ملهيان ملهيون.
([3]) فقه الصادق ( عليه السلام ) السيد محمد صادق الحسيني الروحاني ج21 ص342.
([4]) ولعله أخذه من المحقق الايرواني إذ قال: (ظاهر الباء في (الاشتغال بالملاهي) السببية والاستعانة ومقتضاه كون الملاهي جمع الملهاة اسم الآلة ولا قرينة على الصرف عن هذا الظهور كما في الرواية السابقة). أقول باء السببية غير باء الاستعانة ولعل الغلط من النساخ، والصحيح (أو).
([5]) تقول اشتغل زيد بتجارته أو درسه أو ابنه عن الصلاة ولا يصح: اشتغل زيد تجارته.. الخ.
([6]) راجع مغني اللبيب أول حرف الباء.
([7]) نعم لا يجري الدليل الأول (ان الكبيرة هي الفعل لا الآلة) إذ توجد هنا كلمة الاشتغال وهي فعل فالاشتغال بآلة اللهو كبيرة. |