• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : المكاسب المحرمة (1435-1436هـ) .
              • الموضوع : 258- المحتملات الثمانية في ( كل ما الهى عن ذكر الله فهو من الميسر ) .

258- المحتملات الثمانية في ( كل ما الهى عن ذكر الله فهو من الميسر )

 بسم الله الرحمن الرحيم 

 
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم 
 
حرمة اللهو واللعب واللغو والعبث 
 
(20) 
 
طوائف الروايات المستدل بها على حرمة مطلق اللهو 
 
سبق ان هنالك طوائف من الروايات قد استدل بها الشيخ على حرمة اللهو، وإن لم يصنفها تحت عنوان الطوائف: 
 
الطائفة الأولى: ما دلت على حرمة ما يكون فيه الفساد محضاً، وقد مضى الإشكال بان الاستدلال بها تمسك بالعام في الشبهة المصداقية. 
 
الطائفة الثانية: ما دلت على ان الملاهي من الكبائر كخبر الأعمش والفضل بن شاذان وقد مضى بحثها. 
 
الطائفة الثالثة: ما دل على ان كل ما الهى عن ذكر الله فهو من الميسر، كخبر عبد الله بن علي عن أمير المؤمنين ( عليه السلام ) (كل ما الهى عن ذكر الله فهو من الميسر). 
 
مناقشة الاستدلال برواية (كل ما الهى عن ذكر الله) 
 
أقول: لكن الاستدلال بهذه الرواية يرد عليه إضافة إلى ما سبق([1]) ان الإجماع بل والضرورة على خلافها – أي خلاف إطلاقها - إذ لا شك في عدم حرمة كل ما الهى عن ذكر الله، فان كثيراً من المباحات كذلك، وكذلك الكثير من المكروهات، فلا بد من حملها على أحد المحامل، والمحامل المتصورة فيها هي: 
 
المحتملات التسعة في الرواية: 
 
1- التصرف في الموصول بأن يقال ان (ما) يراد بها آلات اللهو أي كل آلة لهو ألهت عن ذكر الله فهي ميسر ويكون (الهى عن ذكر الله) قيداً احترازياً بلحاظ عموم الموصول ظاهراً وان رجع لبّا إلى التوضيحي([2]) فتأمل، وعليه تكون الرواية أجنبية عن مسألتنا([3]). 
 
2- التصرف في (ألهى) بالقول بانه (لا بد من حمله على إرادة حصول حالة الاحتجاب للنفس من تلك المعصية)([4]) وهو ما ذهب إليه من قبل المحقق الايرواني وقد فصلنا الكلام حوله سابقاً، وعليه فالرواية تدل على حرمة بعض أقسام اللهو فقط. 
 
3- التصرف في (ألهى) بالقول ان المراد به الهى الهاءاً شهوياً، بدعوى ان ظاهر اللهو ما كان عن التذاذٍ شهوي، نعم ان أريد بالشهوة المعنى الأعم المشار إليه في آية (زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنْ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ)([5]) فان الظاهر عدم فتوى الفقهاء بذلك([6]) واما ان أريد بها المعنى الأخص أي الالتذاذ الشهوي الجنسي فلا بُعد فيه، فلو تمّ سند الرواية أو بعض نظائرها كانت دليلاً على حرمة كل ما يلهي عن ذكر الله مع كونه شهوياً. فتأمل إذ ظاهر اللغة بل والعرف ان اللهو أعم من الشهوي بالمعنى الأخص بل حتى بالمعنى الأعم. فتأمل وعلى أي فالاخص لا دليل من اللغة والعرف عليه والاعم لا توافقه الفتاوى. 
 
4- التصرف في (ألهى) بالقول بان المراد به ما الهى بحسب طبعه ووضعه، فكل ما وضع للهو كالرقص والشطرنج فانه حرام دون ما استفيد منه أحياناً له كعدد من المباحات والمكروهات. وهو مجاز إذ ظاهر الأفعال الفعلية لا الشأنية وكونه بحسب وضعه أو طبعه كذا. 
 
ولو جمع هذا الوجه مع سابقه كان أقرب لأن يقبل. 
 
5- التصرف في (ذكر الله) بالقول ان المراد به (ذكر الله الواجب) ولا شك في ان ما ألهى عن ذكر الله الواجب (كالصلاة المضيَّقة) فانه حرام عقلاً من باب المقدمية وشرعاً على المنصور، لكن التقييد بهذا، كسوابقه، بحاجة إلى دليل 
 
6- ان يلتزم بانه عام خرجت منه المباحات والمكروهات المسلّمة فيبقى الباقي تحت عموم التحريم نظراً لان الميسر هو موضوع الحرمة في الشريعة دون ريب، سواءاً أكان قوله ( عليه السلام ) (فهو من الميسر) أي موضوعاً بان يكون الشارع قد تصرف في الموضوع العرفي بالتوسعة، أم محمولاً وحكماً، ولو تممّ الوجه الثالث بهذا الوجه لكان أقرب للقبول وان ورد على الثالث انه لا دليل من اللغة أو العرف على تخصيص اللهو بالشهوي. 
 
لا يقال: ان الالتزام بذلك يعني إلغاء اصالة الإباحة والحل؟ 
 
إذ يقال: كلا اذ هذا اخص مطلقاً من اصالة الاباحة والحل خاصة مع ضم الوجه الثالث إليه إذ يكون الحاصل ان الاصل في الأشياء الحلية والاباحة الا ما كان لهوياً عن التذاذ شهوي (أو لهوياً مطلقاً) فان الأصل فيه الحرمة. 
 
7- حمل الرواية على الاخلاقية، وكون التعبير بـ(فهو من الميسر) من باب المبالغة للتنفير والتنزيه، أو على الارشاد إلى ان وجه الحكم في تحريم الميسر وهو الالهاء عن ذكر الله تعالى متحقق في كل ما الهى عن ذكر الله وان لم يكن الالهاء علة للتحريم. ومن الواضح ان ذلك مجاز أو خلاف الظاهر لا يصار إليه إلا بدليل. 
 
8- ان يلتزم بما قاله الشيخ في ثاني محتملاته بكون اللهو ما يكون عن بطر أي شدة الفرح([7]) ولكن لا دليل من اللغة او العرف على اختصاص اللهو بما كان عن بطر فهو تخصيص من غير مخصص، كبعض سوابقه. 
 
وحينئذٍ فان تم احد الوجوه السابقة فهو، وإلا فالرواية مجملة لا يصح الاستناد إليها لتحريم مطلق ما يلهي عن ذكر الله. 
 
والاقرب من الاحتمالات هو الوجه الأول وهو الذي عليه الفتاوى وإلا فالوجه الخامس؛ لما سيأتي وإلا فالثالث المتمم بالسادس وإلا فمجملة، ولا يرد على الوجه الثالث لزوم استثناء الأكثر وهو قبيح؛ لما سيأتي فانتظر. 
 
وصلى الله على محمد واله الطاهرين 
 
 
([1]) من انها مادة اللهي والكلام عن اللهو. 
 
([2]) ان فسرت (ما) بـ(آلة لهو). 
 
([3]) أو المراد كل آلة لهو كان من شأنها الالهاء عن ذكر الله. 
 
([4]) فقه الصادق ج21 ص342. 
 
([5]) آل عمران: 14. 
 
([6]) أي حرمة كل حرمة يوجب التذاذاً شهوياً بالمعنى الأعم من الجنسي. 
 
([7]) وهو تصرف في قوله ( عليه السلام ) (الهى) ونعني بالتصرف الأعم من تحديد المراد به أو الموضوع له. 

  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=1390
  • تاريخ إضافة الموضوع : السبت 21 محرم الحرام 1436هـ
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 02 / 23