• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : المكاسب المحرمة (1435-1436هـ) .
              • الموضوع : 268- الاستدلال باستعمالات القران الكريم للباطل على كونه اعم من الحرام ـ مناقشتنا للشيخ ( قدس سره ) : عدم تكرر الحد الاوسط في قياسه ( كل لهو باطل وكل باطل حرام ) وان سلمنا فرضاً الصغرى والكبرى .

268- الاستدلال باستعمالات القران الكريم للباطل على كونه اعم من الحرام ـ مناقشتنا للشيخ ( قدس سره ) : عدم تكرر الحد الاوسط في قياسه ( كل لهو باطل وكل باطل حرام ) وان سلمنا فرضاً الصغرى والكبرى

بسم الله الرحمن الرحيم 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم 

حرمة اللهو واللعب واللغو والعبث 

(30) 

سبق استدلال الشيخ بالطائفة السابعة من الروايات – على حسب ترتيبنا – على حرمة اللهو إذ قال (ومنها ما دل على ان اللهو من الباطل بضميمة ما يظهر منه حرمة الباطل كما تقدم في روايات الغناء). 

وحاصله انه ( قدس سره ) شكّل قياساً مؤلفاً من صغرى هي (كل لهو باطل) وكبرى هي (كل باطل حرام) واستدل على الصغرى بروايات ذكرها ههنا (المسألة العشرون: اللهو) وعلى الكبرى بروايات ذكرها في (المسألة الثالثة عشرة: الغناء). 

مناقشة استدلال الشيخ على حرمة مطلق اللهو 

ولكن قد يورد عليه انه حتى لو فرض تسليم الصغرى والكبرى معاً فان هذا القياس لا ينتج حرمة مطلقا اللهو وذلك لعدم تكرر الحد الأوسط واقعاً وان تكرر ظاهراً. 

(الباطل) مشترك معنوي أو لفظي لم يتكرر في القياس 

ويتضح ذلك أكثر بعد الرجوع إلى اطلاقات الباطل في اللغة والعرف والتي سبق ذكرها تفصيلاً وبعد الرجوع إلى اطلاقات الباطل في القرآن الكريم وهو ما وعدنا به وجاء حين الوفاء به فنقول: ان الباطل استعمل في القرآن الكريم وأريد منه معاني متعددة والظاهر كونها بأجمعها معاني حقيقية لا لكون الاستعمال دليل الحقيقة بل لما سبق تفصيله من استظهار وضع الباطل للجامع بينها وكون كل معنى مصداقاً أو صنفاً من أصناف الجامع، ولظهور ان إرادة كل معنى منها لم يكن بعلاقة مصححة وظهور صحة الحمل بلا عناية والتبادر أيضاً وغير ذلك، على انه حتى لو فرض الاشتراك اللفظي بينها فان ذلك لا يضر بل يؤكد إشكالنا على قياس الشيخ بعدم تكرر الحد الأوسط، بل حتى لو فرض كون بعضها مجازاً فان ما يضرنا هو كون ما عدا الحرام من معاني الباطل مجازاً والذي ينفع الشيخ كون الباطل موضوعاً للحرام مجازاً في غيره وحينئذٍ يتم قياسه وإلا فلا، ولا طريق للشيخ لإثبات وضع الباطل لخصوص الحرام بل لم يُذكر (الحرام) كمعنى من معاني الباطل في اللغة أصلاً فكيف يكون هو الموضوع له؟ والظاهر انه حتى الشيخ لا يلتزم بكونه حقيقة شرعية في الباطل ولو ادعي ذلك فان الروايات التي ذكرها في مسألة الغناء لا تفي بإثبات ذلك أبداً، كما أشرنا إليه سابقاً وأوضحنا وجه استدلال الإمام ( عليه السلام ) رغم ذلك بوجوه فلا نعيد، فتدبر جيداً 

إطلاقات الباطل في القرآن الكريم 

ولنستعرض الآن بعض الآيات الشريفة 

فمنها: قوله تعالى: (بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ([1]) فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ)([2]) والظاهر ان المراد من الباطل: غير المطابق للواقع أو الفاسد أو الوهمي أو الزائل. 

وقد فسره الشيخ الطوسي بالمصداق إذ فسره في التبيان بالشبهات وان الله تعالى يقذف بالحجج (التي منحها للعقل وللأنبياء والرسل) على الشبهات الباطلة فيدمغها. قال (والمراد به ان حجج الله تعالى الدالة على الحق تبطل شبهات الباطل). 

ومن الواضح ان (الشبهة) مصداق لغير المطابق للواقع وللفاسد والوهمي والزائل، وسميت شبهة لأنها تشبه الحق وليست به فهي غير مطابقة للواقع وهي فاسدة ومتوهمة وزائلة. 

ومنها: قوله تعالى: (لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ)([3]) والظاهر ان المراد بالباطل هنا: بغيرِ وجهٍ جائزٍ، وقد ذكر الطوسي تفسيرين للباطل: احدهما انه الربا والقمار والبخس والظلم وقال انه المروي عن الإمام الباقر ( عليه السلام ) الثاني: أي بغير استحقاق عن طريق الأعواض. 

أقول: ومن الواضح ان تفسير الإمام الباقر ( عليه السلام ) للباطل بالربا وأخواته هو تفسير بالمصداق والجامع ما كان بغير وجه جائز أي ما لم يُشرّع كونه سبباً لجواز التصرف في مال الغير. 

واما التفسير الثاني ففيه ان (غير الاستحقاق عن طريق الأعواض) ليس بباطل على إطلاقه، وذلك كما في الهبة غير المعوضة والوقف عليه والنذر له، وعلى أي فانه تفسير بالمصداق أيضاً. 

ومنها قوله تعالى: ( وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)([4]) والظاهر ان المراد انه باطل في ذاته أو في آثاره أو فيهما معاً والباطل في ذاته هو الفاسد وفي آثاره هو غير المثمر وهما من إطلاقات الباطل. 

ومنها قوله تعالى: ( وَيُجَادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ)([5]) والظاهر ان المراد به: بغير المطابق للواقع، والحجج الباطلة مصاديق، والباء للاستعانة أو السببية. 

ومنها قوله تعالى: ( رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً)([6]) والظاهر ان المراد به: أي بلا غاية ولا هدف. 

وقال الطوسي (بل خلقته دليلاً على وحدانيتك وعلى صدق ما أتت به أنبياؤك، لأنهم يأتون بما يعجز عنه جميع الخلق. وقوله: (سبحانك) معناه براءة لك من السوء وتنزيها لك من أن تكون خلقتهما باطلا... 

وقوله: (فقنا عذاب النار) أي فقد صدقنا رسلك بأن لك جنة ونارا فقنا عذاب النار، ووجه اتصال قوله (فقنا عذاب النار) بما قبله قيل فيه قولان: 

أحدهما- كأنه قال: (ما خلقت هذا باطلا) بل تعريضا للثواب بدلاً من العقاب (فقنا عذاب النار) بلطفك الذي نتمسك معه بطاعتك. 

الثاني – اتصال الدعاء الذي هو طاعة لله بالاعتراف الذي هو طاعة له. 

وفي الآية دلالة على ان الكفر والضلال وجميع القبائح ليست خلقا لله، لأن هذه الأشياء كلها باطلة بلا خلاف، وقد نفى الله تعالى بحكايته عن أولي الألباب الذين رضي أقوالهم بأنه لا باطل فيما خلقه، فيجب بذلك القطع على ان القبائح كلها من فعل غيره، وأنه لا يجوز إضافتها إليه تعالى). 

أقول: الفرق اننا فسرنا الآية بمقام الثبوت وقد فسرها الشيخ الطوسي بمقام الإثبات والظاهر ما فسرناه أو الأعم منهما([7]) بل الإثبات متفرع عن الثبوت، نعم ظاهر ذيل كلامه التعميم لمقام الثبوت أيضاً. فتدبر 

ومنها قوله تعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالأَذَى)([8]) أي لا تجعلوها باطلة أي فاسدة أو بلا ثواب. 

وفسرها الشيخ الطوسي بان نفس الأعمال تكون باطلة إذا اوقعت على خلاف الوجه الذي يستحق به الثواب، قال: (إذا رفع المنان صدقته وقرن بها المن فقد أوقعها على وجه لا طريق له إلى استدراكه وتلافيه لوقوعه على الوجه الذي لا يستحق عليه الثواب فان وجوه الأفعال تابعة للحدوث، فإذا فاتت فلا طريق إلى تلافيها)([9]) وقال: أي لا يعود عليهم بنفع ولا يدفع ضرراً، والظاهر انه فسّر الباطل بالشق الثاني مما ذكرناه([10]) فهو تفسير بالمصداق أو بالأخص. فتأمل 

فائدة: استظهر الشيخ الطوسي: ان المراد البطلان حدوثاً لا بقاءاً قال (وليس فيها ما يدل على أن الثواب الثابت المستقر يزول بالمن فيما بعد ولا بالرياء الذي يحصل فيما يتجدد فليس في الآية ما يدل على ما قالوه) لكن الظاهر ان الآية أعم منهما([11])، نعم ظاهر الشطر الثاني من الآية (كَالَّذِي يُنفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ)([12]) هو الحدوث. 

ومنها قوله تعالى: (مَا جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ)([13]) أي يجعله بلا أثر أو يزيله. 

ومنها قوله تعالى: ( لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ)([14]) 

وذكر الشيخ الطوسي فيه احتمالات خمسة قال: (أحدها – انه لا تعلق به الشبهة من طريق المشاكلة، ولا الحقيقة من جهة المناقضة وهو الحق المخلص والذي لا يليق به الدنس. 

والثاني – قال قتادة والسدي: معناه لا يقدر الشيطان أن ينقص منه حقا ولا يزيد فيه باطلا. 

الثالث – ان معناه لا يأتي بشيء يوجب بطلانه مما وجد قبله ولا معه ولا مما يوجد بعده. وقال الضحاك: لا يأتيه كتاب من بين يديه يبطله ولا من خلفه أي ولا حديث من بعده يكذبه. 

الرابع – قال ابن عباس: معناه لا يأتيه الباطل من أول تنزيله ولا من آخره. 

والخامس – ان معناه لا يأتيه الباطل في اخباره عما تقدم ولا من خلفه ولا عما تأخر) ولعل ظاهر الثاني تفسير الباطل بمعنى الشيطان نفسه وهو مجاز، وأبعد منه المعنى الثالث، ولعل المعنى الخامس بلحاظ نفي كونه يَبلى على مر العصور. 

والحاصل: ان الباطل استعمل في كل موطن بمعنى من المعاني والمستظهر انها مصاديق أو أصناف للمعنى الموضوع له، وليست موضوعاً لها بوضع على حده، ولا مجازاً. 

عصارة مناقشتنا مع الشيخ 

وحينئذٍ نقول: ان الأوسط في قياس الشيخ السابق الذكر لم يتكرر إذ (الباطل) في الصغرى يراد به الجامع، أولا دليل – على الأقل – على إرادة الأخص منه وهو خصوص الحرام، وفي الكبرى يراد به أخص معاني الباطل وهو الحرام فلا ينتج القياس (كل لهو حرام). 

وسيأتي لذلك مزيد توضيح بإذن الله، كما سيأتي تنظيره بقياس مماثل وهو (كل من لم يشكر النعمة فهو كافر) وهذا مفاد الآية (لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ) (وكل كافر نجس أو تبين منه زوجته بالارتداد) فانه لا ينتج (كل من لم يشكر النعمة نجس أو تبين منه زوجته بالارتداد)! وذلك لعدم تكرر الحد الأوسط واقعاً، وإن تكرر ظاهراً. وللحديث صلة. وصلى الله على محمد واله الطاهرين 

 

([1]) يقال (دمغه) إذا شج رأسه شجةً تبلغ الدماغ فلا يحيا بعدها، وعليه: فبدمغه تعني: فيهلكه أو يزيله أو يفينه. 

 

([2]) الأنبياء: 18. 

 

([3]) النساء: 29. 

 

([4]) الاعراف: 139. 

 

([5]) الكهف: 56. 

 

([6]) آل عمران: 191. 

 

([7]) أي الثبوت والإثبات. 

 

([8]) البقرة: 264. 

 

([9]) التبيان ج2 ص336. 

 

([10]) الشق الأول: الباطل في ذاته الشق الثاني: الباطل في آثاره. 

 

([11]) أي لا توجدوها باطلة، هذا حدوثاً ولا تبطلوها بعد ذلك وان وجدت صحيحة تامة بالمنّ اللاحق والأذى. 

 

([12]) البقرة: 264. 

 

([13]) يونس: 81. 

 

([14]) فصلت: 41.


  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=1400
  • تاريخ إضافة الموضوع : الأحد 5 ربيع الأول 1436هـ
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 02 / 23