بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
النَجش
(مدح السلعة أو الزيادة في ثمنها ليزيد غيره)
(2)
الجواب عن دعوى اسقاط الاقدام لحرمة الاضرار
سبقت دعوى عدم حرمة الضرر أي الاضرار لأنه أقدم عليه فلا يحرم النجش من هذا الباب (لأن المشتري إنما أقدم على الضرر بإرادته واختياره وان كان الدافع له على الإقدام هو الناجش)([1])
ولكن يرد عليها: ان الملاك صدق الضرر والاضرار عرفاً وهو صادق على الناجش حتماً فيشمله إطلاق (لا ضرر ولا ضرار في الإسلام) وإطلاق الآيات الدالة على حرمة الإضرار بالغير، ولا دليل على ان إقدام الشخص على الضرر مسقط لحرمة إضرار الغير به.
الأقوال في (لا ضرر) وشمولها للناجش
وتحقيق ذلك: ان المحتملات في لا ضرر والأقوال عديدة، والمستظهر ان الإقدام على الضرر لا يخرج إضرار الغير له عن كونه مشمولاً للاضرر فلا يصح القول انه لو كان حراماً فقد ارتفعت حرمته بالإقدام بدعوى انه مستثنى من لا ضرر.
وأهم الأقوال هي:
1- ان لا ضرر نفي أريد به النهي، فلا ضرر أي لا تضر أي لا يجوز الضرر أي الإضرار فهو كقوله تعالى: (فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ...)([2]) وهذا هو ما اختاره بل أصر عليه شيخ الشريعة الاصفهاني وهو الظاهر من صاحب الجواهر([3]).
وعليه: فانه لا يجوز عمل الناجش لأنه إضرار بالغير، ودعوى رفع الحرمة عن الناجش نظراً لإقدام المشتري على الضرر، بلا دليل إلا ما سيأتي مع جوابه.
2- ان لا ضرر باق على حقيقته من النفي لكن مصبّه هو أمر مقدر([4]) فلا ضرر يعني: لا ضرر جائزاً أو مشروعاً.
وعليه: فان عمل الناجش حيث كان مضراً بالمشتري كان غير جائز ولا مشروع.
3- انه نفي الحكم بلسان نفي الموضوع مثل لا ربا بين الوالد والولد كما ذهب إليه الدربندي في الخزائن والآخوند الخراساني، فالمراد ان الموضوع الضرري لم يجعل في الإسلام أي حكمه ووجوبه([5])، والنجش موضوع ضرري فلم يجعل حكمه وجوازه في الشريعة، ومآله إلى عدم جعل الحكم الضرري لكن بهذا اللسان..
4- ان المراد به نفي الحكم الناشئ منه الضرر، وهو ما ذهب إليه الشيخ، وتجويز الشارع للنجش حكم ينشأ منه الضرر على المشتري.
دعوى استثناء الإقدام على الضرر في الأمور المالية
لا يقال: لكن هذه القاعدة (أي لا ضرر) مستثناة في صورة الإقدام على الضرر في الشؤون المالية؛ ألا ترى انه لو أقدم على بيع بضاعته بأقل من قيمتها بكثير أو أقدم على الشراء بأغلى من السعر بكثير مما عد ضرراً عليه عرفاً، جاز ولم يقل أحد بحرمته، وكذلك الهبة والصلح بأقل من المستحق بل وكذا الإبراء بل وكذا الضيافة فانها بأجمعها إضرار لكنها جائزة غير مشمولة للا ضرر، والنجش صغرى كبرى الأمور المالية وقد أقدم المشتري بنفسه رغم علمه.
الجواب: وجوه الاستثناء الأربعة لا تشمل الناجش
إذ يقال: أولاً: ان استثناء الإقدام على الأمور المالية من مشموليته لقاعدة لا ضرر قد علّله من الفقهاء كلٌّ بعلة، والعلل بأجمعها لا تجري في النجش، ومن العلل:
أ- لأن لا ضرر وارد مورد الامتنان ولا امتنان في عدم تجويز ما أقدم عليه الشخص بنفسه فانها رغبته، ومع قطع النظر عن نقاشنا في المبنى إذ الظاهر ان الامتنان حكمة لا علة ومع قطع النظر عن نقاشنا في الصغرى إذ قد ندعي ان الامتنان واقعاً وثبوتاً في عدم تجويز إقدامه، نقول: بناء على هذا المبنى فان (لا ضرر الامتناني) لا يشمل الناجش فانه خلاف الامتنان على المشتري، ولا يسوّغه الامتنان على الناجش أو البائع. فتأمل
وبعبارة أخرى: ان تجويز إقدام الشخص بنفسه على الاضرار بحاله أمر وتجويز اضرار آخر به أمر آخر، والامتنان يقتضي تجويز الأول وتحريم الثاني، فتدبر جيداً.
ب – ان وجه ذلك قاعدة السلطنة وحكومتها على لا ضرر([6]) وهذا أيضاً جار في إقدام الشخص على الإضرار بنفسه، لا الاضرار بغيره كما يفعله الناجش.
ج- ما ذكره الشيخ من (لأن الضرر حصل بفعل الشخص لا بحكم الشارع) ومع قطع النظر عن النقاش في ذلك، فانه عليه يختص بإقدام الشخص نفسه على ضرر نفسه لا إضرار الغير به والناجش مضر بغيره.
اللهم إلا ان يدعى التلازم بين جواز إضرار الشخص بنفسه وجواز إضرار الغير به مادام احدهما مقدمة للآخر أو متلازمين، وفيه ما لا يخفى. وهنالك وجه رابع وتتمة لهذا المبحث في الدرس القادم بإذن الله تعالى.
ولنبين المبحث بعبارة أخرى مبسطة، فنقول:
وبعبارة أخرى: ان الاضرار بالغير حرام ولا ترتفع حرمته على الضار (اسم فاعل) بإقدام الغير (المتضرر) عليه، ألا ترى انه لو طلب المريض من الطبيب أو غيره دواء مضراً له – بدرجة الحرمة، كما لو سبب قطع عضو أو إذهاب قوة أو ما أشبه – فانه لا يجوز للطبيب ذلك ولا يكون إقدام المريض على الضرر مسقطاً لحرمة إضرار الطبيب به، وألا ترى انه لا يجوز ان يفعل ذلك بنفسه وأن رضي به؛ فان الرضى والإقدام لا يرفعان الضرر (أي الحكم بحرمته) وهذا واضح فيما كان الضرر بنفسه – أي الفعل الضرري – هو ما أقدم عليه الشخص أو الغير فان إقدامه عليه غير مجوّز له، وكذلك الحال فيما لو أقدم على فعل تحقق به موضوع الضرر فان لا ضرر أيضاً يشمله فلا يتحول إلى مباح بصِرف إقدامه عليه. ولا يبقى على وجوبه بعد ان تحقق موضوع الضرر، لو كان واجباً قبله.
وبعبارة أخرى: لا فرق بين تحقق موضوع الضرر بعوامل خارجة عن اختيار المكلف أو تحققه بسوء اختياره ألا ترى انه لو أقدم بسوء اختياره على أكل ما يُمرِضه بحيث يكون الصوم عندئذٍ مضراً به فانه يرتفع وجوب الصوم أو يحرم([7]) ببركة لا ضرر، ولا مجال لتوهم انه حيث أقدم على الضرر بنفسه فلا يكون مشمولاً للا ضرر فالصوم الضري مرفوع([8]) بلا ضرر وان أقدم عليه بسوء اختياره أي ان الصوم الضرري حرام وان أقدم على ما يسبّبه – أي الضرر –باختياره وكذلك لو أجنب نفسه متعمداً مع علمه بان استعمال الماء يضره فانه يسقط بهذا الضرر الناتج عن اختياره – الغسل ببركة لا ضرر. وللحديث صلة وتتمة فانتظر.
وصلى الله على محمد واله الطاهرين
([1]) مصباح الفقاهة ج1 ص660.
([2]) البقرة: 197.
([3]) جواهر الكلام ج37 ص15.
([4]) صفةً أو حالاً.
([5]) في مثل الوضوء إذا كان ضاراً.
([6]) اللهم إلا لو دخل الاضرار بأمواله في عنون الإسراف، فيخرج عن البحث إذ الكلام عن لا ضرر ومستثنياته مع قطع النظر عن انطباق العناوين الأخرى.
([7]) على الخلاف في ان لا ضرر رخصة أو عزيمة، والظاهر انه لا ريب انه في الدرجات الشديدة من المرض عزيمة فلا يجوز الصوم.
([8]) أي مرفوع حكمه وهو الوجوب. |