• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : المكاسب المحرمة (1435-1436هـ) .
              • الموضوع : 280- مناقشتان اخريان لكون النجش اضراراً والجواب . ـ نتيجة البحث في حرمة النجش على ضوء الاستناد الى دليل الضرر .

280- مناقشتان اخريان لكون النجش اضراراً والجواب . ـ نتيجة البحث في حرمة النجش على ضوء الاستناد الى دليل الضرر

 بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
النَجش
(مدح السلعة أو الزيادة في ثمنها ليزيد غيره)
(4)
الإشكال على الاستدلال بقاعدة لا ضرر بان النجش منعُ نفعٍ
كما أُشكل على الاستدلال بقاعدة لا ضرر على حرمة النجش بان الناجش يَحرِم المنجوش عليه من النفع فقط لا انه يضره ليشمله دليل الإضرار.
قال المحقق الايرواني: (واما الإضرار فممنوع؛ فإنّ النجش يمنع من انتفاع المشترى بشرائه العين بأقلّ مما كان يشتريها لولا النجش)([1])
الجواب: الضرر مفهوم عرفي
لكن يرد عليه: ان الإضرار والضرر وأشباهها مفاهيم عرفية لا تدور مدار الشراء بأقل أو أكثر مما كان يشتريه وعدمه، والمرجع في المفهوم هو العرف، والظاهر أن العرف يرى الناجش مضراً بالمنجوش عليه ولو في بعض الصور، وتكفي الموجبة الجزئية لنقض سالبته الكلية او لنفي الحصر في كلامه([2])؛ ألا ترى صحة قول المنجوش عليه (اضرني فلان) بلا عناية؟ وصحة حمل الإضرار على الناجش وعدم صحة السلب عنه؟.
التفصيل بين الزيادة على القيمة السوقية وعدمها
ولعله لأجل ذلك فصَّل السيد الخوئي فرأى ان التسبيب لشراء المنجوش عليه بأكثر من القيمة السوقية ضرر وبأقل أو المساوي (إذا كانت القيمة المعروضة أقل من الأقل) عدم نفع.
قال في مصباح الفقاهة: (وثانياً: أن الدليل اخص من المدعي، فإن الناجش إنما يوقع المشتري في الضرر إذا كان الشراء بأزيد من القيمة السوقية، وأما إذا وقعت المعاملة على السلعة بأقل من القيمة السوقية أو بما يساويها، فإن النجش لا يوجب اضراراً للمشتري)([3])
الجواب: صدق الاضرار مرتهن بالاضافات والحالات فلا إطلاق
أقول: نفي الإضرار في الصورة الثانية أيضاً ليس على إطلاقه، فان الضرر مفهوم عرفي وهو يختلف بالوجوه والاعتبارات والإضافات والحالات فقد يصدق الإضرار بالمنجوش عليه وان اشترى – حتى بعد المناجشة – بأقل من القيمة السوقية أو بمساويها.
ويتضح ذلك بالمثال الآتي: فان الفقير الـمُعدِم لو أراد ان يشتري مدفأةً مثلاً لفصل الشتاء لوقاية أهله من شدة البرد مما لولاها لأصيبوا بالأمراض الشديدة، فبحث عن مدفأة معروضة بأقل من سعرها الطبيعي فوجد مدفأة معروضة للبيع بثمانين درهماً مع ان قيمتها السوقية مائة ولم يكن يملك إلا الثمانين فتدخل الناجش وعرض – غيرَ قاصدٍ حقيقةً الشراءَ بل لمجرد زيادة القيمة كما هو معنى النجش – شراءها بتسعين فاضطر الفقير للاستدانة مثلاً وشرائها بخمسة وتسعين فانه لا شك انه يصدق على الناجش انه أضر بالفقير وإن كان الفقير قد اشتراها بأقل من قيمتها السوقية بخمسة دراهم.
والحاصل: ان الملاك في صدق الإضرار ليس الزيادة على القيمة السوقية أو نظائرها بل هو ملاحظة مجموع نسبة السعر الـمُشترى به وحالة المشتري وظروفه ونحوِ تدّخلِ الطرف الثالث (الناجش) وشبه ذلك ولذا نجد – في عكس ذلك – انه قد يشتريه بأكثر من القيمة السوقية - لتدّخل الناجش – ولا يطلق عليه أنه أضره  وذلك لاختلاف الحالات أيضاً فقد يكون ثرياً جداً والزيادة طفيفة([4]) فلا يقال انه – أي الناجش – أضره أو قد يشتريه بالسعر الأغلى ليبيعه بالأغلى من الأغلى فلا يقال انه أضره إلى غير ذلك
والحاصل: ان الأمر يدور مدار الصدق العرفي لعنوان الاضرار وعدمه
الإشكال باختصاص حرمة النجش بصورة شراء المنجوش عليه
كما أشكل المحقق الايرواني ب (مضافاً إلى اختصاص ذلك بما إذا اشتراه، أمّا إذا لم يتحقّق الشراء فلا ضرر، إلاّ أنْ يلتزم بكشف عدم الشراء عن عدم حرمة النجش بل كان مجرّد تجرٍّ)([5]).
الجواب: بل الاضرار متحقق – في الجملة - على تقدير الترك أيضاً
أقول: يرد على إطلاق كلامه (اما إذا لم يتحقق الشراء فلا ضرر) ان الضرر لا يتوقف صدقه على الشراء ليكون عدمه مجرد كاشف عن تجري الناجش، بل قد يكون في الترك؛ ألا ترى في المثال السابق ان الفقير المعدم لو اضطر إلى الإعراض عن شراء المدفأة لتدّخل الناجش وزيادته القيمة على الثمانين، فتمرض هو أو أبناؤه، انه يقال للناجش انه أضره؟ وانه يصدق عليه بالحمل الشائع الصناعي ذلك؟ لوضوح انه لا يشترط في صدق عناوين الإضرار والإكراه والإلجاء وغيرها ان يكون مصبّها المقدمة الأخيرة من المقدمات الإعدادية بل يمكن صدقها حتى لو كان مصبها المقدمة الثانية قبل الأخيرة بل حتى العاشرة قبل الأخيرة، والملاك الصدق العرفي لا بُعد المقدمة وقربها أو كثرة المقدمات وقلتها، فتدبر جيداً.
الثمرة في اختلاف كون المُستَند في التحريم هو الروايات أو لا ضرر
1- الشمول لما إذا اشترى وعدمه
ثم ان المرجع في تحريم النجش لو كان الإضرار لكان لما ذكره ( قدس سره ) وجهٌ لولا ما أشكلنا به عليه، أما لو كان المرجع هو الروايات كما هو الصحيح وسيجيء فالظاهر إطلاقها وإفادتها حرمة النجش سواء أإشترى المنجوش عليه أم لا؛ وذلك لأن شراءه وعدمه خارج عن حقيقة النجش إذ النجش كما سبق (ان يزيد في ثمن السلعة ليزيد غيره وهو غير قاصد الشراء) وهو صادق سواء أأعرض المنجوش عليه بعد ذلك أم لا، ويؤيده الاعتبار فان النجش إخلال بالعملية الاقتصادية وتدخل في سَوْم الغير فهو إيذاء له سواء أإشترى أم لم يشتر حيث سبّب تدّخُله حرمانَه، اللهم إلا ان يدعى الانصراف. فتأمل
2- الشمول لـ(مدح السلعة) وعدمه
كما ان المستند في حرمة النجش لو كان هو (الاضرار) لما شمل([6]) التفسير الثاني من تفسيري الشيخ (مدح السلعة) إذ لا يصدق عرفاً على المادح – سواء أكان المادح هو البائع بنفسه أم كان شخصاً ثالثاً أم كان شركة إعلانات مستأجرة لذلك – انه مضر بالغير.
واما لو كان المستند الروايات وقلنا بان النجش موضوع للجامع بين المعنيين فانها تشمل التفسير الثاني إلا ان يدعى الانصراف عن بعض مصاديقها كما هو كذلك، فتأمل، وللحديث صلة
وصلى الله على محمد واله الطاهرين
 
([1]) حاشية كتاب المكاسب ج1 ص247.
([2]) السالبة: لا شيء من عدم النفع بضرر والحصر: إنما الناجش يمنع انتفاع المشتري بشرائه العين بأقل مما كان يشتريها.
([3]) مصباح الفقاهة ج1 ص660.
([4]) بل حتى لو كانت كثيرة في بعض الصور والحالات.
([5]) حاشية كتاب المكاسب ج1 ص247.
([6]) أي الحكم.

  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=1412
  • تاريخ إضافة الموضوع : الاحد 26 ربيع الاول 1436هـ
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 02 / 23