• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : الاجتهاد والتقليد(1435-1436هـ) .
              • الموضوع : 460- 2ـ ان وظيفة المعصوم التقنين او ابلاغ القوانين بنحو القضية الحقيقية ، وهذا كلاحقه مرتهن بالاتصال والامضاء 3ـ ان وظيفة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر ـ الاشكال بان سيرة المتشرعة لعل منشأها فتوى الفقهاء ـ جوابان .

460- 2ـ ان وظيفة المعصوم التقنين او ابلاغ القوانين بنحو القضية الحقيقية ، وهذا كلاحقه مرتهن بالاتصال والامضاء 3ـ ان وظيفة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر ـ الاشكال بان سيرة المتشرعة لعل منشأها فتوى الفقهاء ـ جوابان

 بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة الأبدية على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
التبعيض في التقليد
(31)
مناشئ حجية سيرة المتشرعة:
2- التشريع أو الابلاغ من وظائف المعصوم ( عليه السلام )
الثاني: ان رسالة المعصوم ( عليه السلام ) ووظيفته هي التشريع أي إنشاء الأحكام أو إبلاغها وإن شئت فقل التقنين أو نقل إنشائها – أي القوانين - عن الباري تعالى وإيصالها كما ان وظيفته الإرشاد – بأي نحوٍ كان - إلى الحجج عليها أو جعلها ان احتاجت إلى الجعل.
وتدل على ذلك الآيات والروايات الكثيرة ومنها قوله تعالى: (أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاتِ رَبِّي)([1]) وهي كافة الواجبات والمحرمات و(فَذَكِّرْ) وهو شامل للتذكير بأصول الدين وفروعه وأحكامه كلها وهي آيات عديدة. ومنها (فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ)([2])([3]) و(فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ)([4]) و(فَلِذَلِكَ فَادْعُ)([5]) أي إلى الدين الذي شرعه الله تعالى([6]) و(ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ)([7]) وسبيل الله أعم من العقيدة والشريعة و(وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً)([8]) مما يعني ان الأحكام تتنجز ببعثة الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وما ذلك إلا لبيانه لها إذ لا يصح ان تتنجز دون بيان ووصول، و(وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ([9])) فالعلة لإرسال الرسل هي لأن يُطاعوا، ولا يعقل ان يطاعوا إلا بعد ان يأمروا أو ينهوا ويبلغوا رسالات الله وأحكامه وغيرها من الآيات الكثيرة الدالة مطابقة أو إلتزاماً أو بدلالة الاقتضاء أو بدلالة التنبيه والإيماء أو الإشارة على ان ذلك هو وظيفة الرسول والإمام بل هو احد أهم وظائفه إن لم يكن الأهم.
وحيث ان المنشَآت أو المبيَّنات عمدتها هي الأحكام بنحو القضايا الحقيقية التي ينصبّ الحكم فيها على الموضوع بما هو هو أو بشروطه بما هي هي، من غير مدخلية لزمن الحضور والغيبة فيها إلا فيما علم استثناؤه([10]) وهو قليل بل نادر، فلو لم ينشئ أو يبلّغنا حكماً أو حجة على خلاف مقتضى سيرة المتشرعة وان كانت غير متصلة بل لاحقة، دلّ ذلك - أي صِرف عدم التقنين أو الإبلاغ - على الجواز أو الصحة من غير توقف على اتصال السيرة بزمنه لفرض ان متعلَّق تشريعاته هو الأحكام الحقيقية والحجج عليها وانها غير مرتهنة بالزمان، ولفرض احاطتهم (عليهم السلام) بالأزمنة اللاحقة ولفرض خاتمية الإسلام ولمسلمية مضمون ((مَا مِنْ شَيْ‏ءٍ يُقَرِّبُكُمْ‏ مِنَ‏ الْجَنَّةِ وَيُبَاعِدُكُمْ‏ مِنَ النَّارِ إِلَّا وَقَدْ أَمَرْتُكُمْ بِهِ، وَمَا مِنْ شَيْ‏ءٍ يُقَرِّبُكُمْ مِنَ النَّارِ وَيُبَاعِدُكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ إِلَّا وَقَدْ نَهَيْتُكُمْ عَنْهُ))([11])
والحاصل: ان مقامهم ( عليه السلام ) – وهو مقام التشريع لكل الأحكام التي يحتاج إليها البشر والحجج عليها إلى يوم الظهور المبارك – دليل على ان ما سكتوا عنه فهي جائز صحيح([12]) وإلا لما سكتوا عنه مع الابتلاء به بل ومع كونه بحيث سوف تنعقد عليه سيرة المتشرعة بأجمعهم، فنفس كونهم في مقام تقنين أو إبلاغ كافة الأحكام والحجج عليها، دليل على صحة ما انعقدت عليه السيرة من غير حاجة إلى إمضاء فانه لاحقٌ رتبة، ولا الكشف عنه بعدم الردع إذ هذا المقام سابق عليه أيضاً. فتأمل
وبعبارة أخرى: كيف لم يبلغنا الشارع ما يكون رادعاً عن انعقاد السيرة بحيث يكون بيِّناً لدى البحث عنه؟
والمقام من هذا القبيل فان التبعيض في التقليد بين العلماء هو سيرة المتشرعة خاصة في زمن المعصومين (عليهم السلام) ومن لم يعمل فلمانع خارجي كفتوى مقلَّده بعدم الجواز أو لمرجحات أخرى يجدها المقلِّد في مرجعه لا ترتبط في المتساويين، باقربية إيصال الالتزام بقول المجتهد مطلقاً، في الإيصال للواقع من التبعيض بينهما، إلا انه لو خلي وطبعه وعُرِض عليه التبعيض لوجده مقتضى القاعدة بل لوجد خلافه مستنكراً أو بلا وجه، لكن هذا إرجاع للسيرة إلى بناء العقلاء أو إلى دعوى نكتتها الارتكازية. فتأمل
3- النهي عن المنكر من وظائفه ( عليه السلام )
الثالث: ان من وظيفة النبي والإمام ( عليه السلام ) الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإرشاد الجاهل وتنبيه الغافل، ولا شك في ان جريان سيرة كافة المتشرعة في زمن ما على المنكر (حكماً أو حجة) منكر بل من أظهر المنكرات، سلمنا([13]) لكنهم لو كانت سيرتهم على خلاف الحق فانهم من مصاديق الجاهل والغافل فوجب إرشادهم فيجب على الإمام النهي عن المنكر وإرشاد الجاهل وحيث لم يأمر ولم يرشد دلّ ذلك على الصحة والجواز أو الحجية.
والحاصل: ان نفس عدم النهي والإرشاد دليل على مشروعية السيرة من غير حاجة إلى إمضاء ولا اتصال لكن ذلك متوقف على مقدمات هي:
1- إحاطة المعصوم ( عليه السلام ) بالمستقبل، ولا ريب فيها.
2- وجوب النهي عن المنكر المستقبلي، والظاهر انه لا فرق في بناء العقلاء بين المنكر الحالي والمستقبلي في وجوب الردع عنه للعالم به القادر على الردع ولو القولي المحتمِل للتأثير، كما ان الظاهر شمول إطلاقات أدلة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لذلك بل عموماتها، إضافة إلى برهان اللطف ودليل الغرض.
بل نقول ان النهي عن المنكر المستقبلي أو إرشاد الغافل عنه مستقبلاً إليه، وظيفة المؤمن العادي أيضاً، أرأيت انه لو علم أو احتمل المكلف – ولنفرضه بكراً – ان زيداً سيقتل عمراً بعد وفاته – أي وفاة بكر – انه لا يجب عليه ان ينهى عن ذلك ان كان عالماً بانه منكر أو ان يرشده إلى كونه منكراً ان كان غافلاً؟ وألا ترى ان الحياة والممات لا مدخلية لهما في وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أبداً تبعاً لقاعدة تبعية الأحكام لمصالح ومفاسد في المتعلقات وان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هما من أهم وسائل تحقيق ذلك؟
والظاهر عدم غير اختصاص ذلك بالأمور الخطيرة فحسب ويؤكده ارتكاز العقلاء بل وسيرتهم على ان من قدر ان ينهى عن منكر أو يردع عنه فانه يجب عليه سواءاً أبقي حياً إلى حين زمن سعي الآخر لاجتراح المنكر أم لا.
ويدل على ذلك قوله تعالى: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمْ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) على تفصيل وأخذ ورد في الآية([14]) وفي هذا المبنى، يوكل لمحله.
الإشكال باحتمال كون الفتاوى هي المنشأ لسيرة المتشرعة
لا يقال: كما قاله الفقيه الهمداني في مصباح الفقيه ان منشأ سيرة المتشرعة قد يكون فتوى الفقهاء (أقول: وليس ما ذكر من الكشف عن رأي المعصوم ( عليه السلام ) أو دلالة مقامه على ذلك وفتوى الفقهاء ليست بحجة إلا على مبنى حجية الشهرة الفتوائية أو الإجماع المنقول المحصل)، وقد مثّل له المحقق الهمداني بفتوى الفقهاء بنجاسة الكافر وبفتوى الفقهاء بتقديم الجانب الأيمن على الأيسر في الغسل؛ فان السيرة المنعقدة على تجنب الكافر وتقديم الجانب الأيمن منشؤها فتواهم. قال في مصباح الفقيه([15]) (فالقول بعدم الترتيب بين الجانبين قوي جداً لكن مخالفة المشهور مشكلة خصوصاً مع استمرار سيرة المتشرعة عليه بل ربما يستدل بها لهم ولكنه ضعيف لاحتمال حدوث السيرة ونشأها من فتاوى الأصحاب إذ لا وثوق بان أصحاب الأئمة عليهم السلام لم يكونوا يبتدؤون بالشق الأيسر إلا بعد الفراغ من مجموع الأيمن حتى باطن الرجلين وعلى تقدير العلم بذلك لا يستكشف منه في مثل المقام الوجوب لكفاية مجرد الرجحان في مثل هذه الأشياء التي لا تحتاج إلى كلفة زائدة في استقرار السيرة عليها نظير غسل اليدين امام الوضوء وكيف كان فالاحتياط مما لا ينبغي تركه).
إجابتان
إذ يقال: انه لو تم ذلك هنالك – ولا يتم على تفصيل – فانه لا يتم في مسألة التبعيض في التقليد وذلك لوضوح ان منشأ سيرة المتشرعة على التبعيض في التقليد – على فرضها – إنما هو جريان سيرة العقلاء في كافة أمورهم على ذلك فسيرتهم – أي المتشرعة - على ذلك لكونهم من جملة العقلاء، وقد سبق حجية سيرة العقلاء دون ريب. هذا أولاً
ثانياً: سلمنا، لكن نقول بحجية السيرة المتشرعية وان نشأت من فتاوى الفقهاء؛ لما سبق من برهان اللطف ودليل الغرض وغيرهما([16]).
لا يقال: قد تنعكس السيرة؟
إذ يقال: لا نجد مورداً لذلك بان تكون السيرة قد انعقدت من عامة المتشرعة على خلاف السيرة السابقة من عامة المتشرعة، هذا أولاً. ثم انه على فرض ذلك فانه لا يضر بحجية السيرة ما دام لم تقم سيرة على خلافها أو دليل قطعي إذ حالها كحال سائر الحجج كخبر الثقة والظواهر وغيرها.
والسر ان حجيتها ليست ذاتياً لها كي لا يمكن انفكاكها عنها وكي يكون الانفكاك ناقضاً بل هي مقتضية تامة الاقتضاء للحجية بمعنى لزوم الاتباع، كالعام، فيمكن ان تقوم حجة أقوى على خلافها. والله العالم، وللحديث صلة  
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
 
([1]) الاعراف: 62
([2]) الغاشية: 21.
([3]) قال في الصافي (إنما انت مذكر لهم بنعم الله تعالى عندهم وبما يجب عليهم في مقابلها من الشكر والعبادة).
([4]) ق: 45.
([5]) الشورى: 15.
([6]) ومنه ولاية أمير المؤمنين ( عليه السلام ) كما في الرواية عن الإمام الصادق ( عليه السلام ).
([7]) النحل: 125.
([8]) الإسراء: 15.
([9]) النساء: 64.
([10]) كصلاة الجمعة والجهاد الابتدائي على القول بعدم وجوبهما زمن الغيبة.
([11]) الكافي (ط – دار الحديث) ج3 ص188.
([12]) إضافة إلى مثل (كل شيء مطلق حتى يرد فيه نهي).
([13]) بدعوى مدخلية العلم والالتفات في صدق عنوان المنكر. فتأمل
([14]) ذكرنا جوانب منه في كتاب (المجتمع المدني في منظومة الفكر الإسلامي).
([15]) مصباح الفقيه ج1 ق1 ط قديم ص246.
([16]) ككونها أقوى في إيراث الظن النوعي من الكثير من الحجج كالبينة وخبر الثقة والاقرار وغيرها.

  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=1422
  • تاريخ إضافة الموضوع : الاحد 29 محرم 1436هـ
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 02 / 23