بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة الأبدية على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
التبعيض في التقليد
(39)
سبق ان الآخوند الخراساني حمل الروايات الدالة على الترجيح، على الاستحباب([1]) خلافاً لظاهرها، فيصح – على ذلك – تعميم المرجحات إلى صورة تخالف الفتويين إذ لا إجماع على عدم حسن الترجيح بها بل الإجماع على عدم تعين الترجيح بها لدى تعارض الفتويين.
دليلا الآخوند لحمل أخبار الترجيح على الاستحباب
والذي دعا الآخوند إلى حملها على الاستحباب وجهان:
الوجه الأول: ان تقييد اطلاقات التخيير الواردة في مقام الجواب عن حكم المتعارضين بدون استفصال عن كونها متعادلين أو متفاضلين، بالروايات الدالة على الترجيح، قبيح لكونه تأخيراً للبيان عن وقت الحاجة.
الوجه الثاني: ان ذلك التقييد يستلزم حمل روايات التخيير على الفرد النادر.
قال في الكفاية (مع ان تقييد الاطلاقات الواردة في مقام الجواب عن سؤال حكم المتعارضين – بلا استفصال عن كونهما متعادلين أو متفاضلين، مع ندرة كونهما متساويين جداً – بعيداً قطعاً، بحيث لو لم يكن ظهور المقبولة في ذاك الاختصاص لوجب حملها عليه أو على ما لا ينافيها من الحمل على الاستحباب، كما فعله بعض الأصحاب)([2]).
الجواب عن الدليلين
ولكن يرد على الوجه الأول: ان بناء الروايات على المخصِّصات والمقيِّدات المنفصلة وما أكثر المطلقات والعمومات الواردة من إمامٍ والمقيدات والمخصصات الواردة من إمام آخر أو من نفس الإمام في زمن آخر، وذلك لمصالح مذكورة في محلها، فليس تأخير البيان عن وقت الحاجة قبيحاً مطلقاً إذا زاحمته مصلحة أقوى وذلك واضح لمن راجع أبواب الفقه المختلفة ورواياتها بعامها وخاصها ومطلقها ومقيدها، ومن لاحظ تدرجية نزول الأحكام وتدرجية بيانها وباب التزاحم في بيانها وحدود قابلية القابل وغير ذلك مما فصل في محله.
إضافة إلى ان هذا الإشكال لا يرد على عدد من روايات التخيير كمكاتبة الحميري ورواية علي بن مهزيار([3]) إذ انها كانت سؤالاً عن مورد خاص ومن المحتمل انتفاء المرجحات فيها وكون الروايات الواردة فيها متساوية، ومع الاحتمال لا مجال للإشكال إذ لا إحراز لتأخير البيان عن وقت الحاجة إذ السالبة بانتفاء الموضوع ولو احتمالا([4]) نعم لا يجري هذا الجواب في رواية المستدرك عن زرارة ولا في رواية الحسن بن جهم عن الإمام الرضا ( عليه السلام )([5]) فتأمل
واما الوجه الثاني: فبعد عدم وروده في بعض الروايات([6]) إذ انها تبين حكم الفرد النادر الذي ورد السؤال عنه وليس ان مطلقها يحمل الفرد النادر، ان حمل مطلقات أخبار التخيير على صورة فقد المرجحات المنصوصة لا يلزم منه ذلك؛ إذ فاقد المرجحات المنصوصة من الروايات المتخالفة ليس بالنادر، نعم لو ذهبنا إلى التعدي إلى المرجحات غير المنصوصة، كما ذهب إليه الشيخ لكنه غير منصور ولا مشهور، للزم الحمل على الفرد النادر.
والحاصل: ان المرجحات المنصوصة معدودة كمخالفة العامة وموافقة الكتاب والشهرة، وفاقدها من الأخبار المتعارضة ليس بالنادر ولا بالقليل.. ومزيد التفصيل والأخذ والرد في ذلك يترك لمظانه.
مناقشة ثالثة: عدم تمامية روايات التخيير، مبنىً
مناقشة مصباح الأصول للرسائل
وهذا هو ما ذهب إليه في مصباح الأصول([7]) قال( فتحصّل من جميع ما ذكرناه في المقام أنّ التخيير بين الخبرين المتعارضين عند فقد المرجّح لأحدهما ممّا لا دليل عليه)، قال ذلك بعد ذكر أخبار التخيير، والإشكال فيها واحداً واحداً، سنداً أو دلالة أو كليهما ثم قال: (بل عمل الأصحاب في الفقه على خلافه، فإنّا لم نجد مورداً أفتى فيه بالتخيير واحد منهم، فراجع)([8]).
وذلك رداً على ما ذكره الشيخ في الرسائل بقوله (ان الأخبار المستفيضة بل المتواترة قد دلت على عدم التساقط مع فقد المرجح وحينئذٍ فهل يحكم بالتخيير؟ أو العمل بما طابق الاحتياط؟ أو بالاحتياط ولو كان مخالفاً لهما كالجمع بين الظهر والجمعة مع تصادم أدلتهما وكذا بين القصر والاتمام؟ وجوه: المشهور وهو الذي عليه جمهور المجتهدين الأول؛ للاخبار المستفيضة بل المتواترة الدالة عليه)([9]).
مناقشة العم للمصباح
وأجاب السيد العم في بيان الفقه عن كلام المصباح بـ(ففيه أولاً: انه قد ثبت في الأصول ذلك. وإن روايات التخيير مضافاً إلى وجود روايات معتبرة خاصة فيها – على مبنى المشهور والمنصور في اعتبار الخبر – انها مستفيضة بلا إشكال بل متواترة إجمالاً إن لم نقل إنّها متواترة معنىً.
وثانياً: كتب الفقه مشحونة بفتوى الفقهاء بالتخيير على أثر تعارض الروايات، ومنها: صلاة الجمعة التي أفتى المشهور بالتخيير بينها وبين الظهر بسبب تعارض الروايات)([10])
مناقشتنا للاعلام الثلاثة
أقول: والظاهر الأمر الوسط بين دعوى الشيخ والمصباح والبيان؛ إذ الظاهر ان الروايات مستفيضة وليست متواترة، فان ما عثرت عليه من الروايات هي بحدود التسعة ومع عدم تمامية دلالة بعضها فان 4 منها تامة الدلالة، فليست بمتواترة لكنها مستفيضة، وتحقيقه يوكل لمظانه.
هذا من جهة، ومن جهة أخرى فان هناك موارد أفتى فيها المشهور([11]) بالتخيير نظراً لتعارض الروايات ومنها التخيير بين الظهر والجمعة، ومن الواضح ان الموجبة الجزئية نقيض للسالبة الكلية (التي ادعاها المصباح) لكن تصعب دعوى كون كتب الفقه مشحونة بأمثال ذلك (كما ادعاه بيان الفقه).
ولنشر إلى بعض المسائل التي قد يقال بكون بنائها على ذلك ونوكل التحقيق إليكم كمبحث تمريني([12])
فمنها: حكمهم بالتخيير بين ما كان بوزن ألف ومائتا رطل بالعراقي وبين ما كان بحجم 3×3×3([13]) مع وضوح عدم تطابق المقياسين نظراً لثقل المياه وخفتها. فتأمل
ومنها: حكمهم بان الرضاع المحرم اما ما انبت اللحم وشد العظم أو رضاع يوم وليلة أو رضاع عشر رضعات([14]). فتأمل
ومنها: تخالف الروايات في قضاء نوافل النهار بالليل في السفر، وقد سبقت وجوه احدى عشرة([15]) لبيان وجه اختلافها ووجه التوفيق فراجع وتأمل وللحديث صلة بإذن الله تعالى وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
([1]) أو انها صدرت في مقام تمييز الحجة عن اللاحجة.
([2]) كفاية الأصول ص444.
([3]) نقلناهما في الدرس 465.
([4]) السلب الاحتمالي لتأخير البيان عن وقت الحاجة، إذ لا يعلم وجود المرجحات لتكون حاجة للبيان ليكون عدم البيان تأخيراً للبيان عن وقت الحاجة.
([5]) راجعها في الدرس نفسه.
([6]) رواية الحميري وابن مهزيار.
([7]) مصباح الأصول ج3 ص426.
([8]) بيان الفقه ج2 ص173 عن المصباح.
([9]) الرسائل ص439.
([10]) بيان الفقه ج2 ص173.
([11]) أو جمع معتنى به من الفقهاء بذلك لذلك (أي بالتخيير استناداً إلى تعارض الاخبار).
([12]) وانه هل هذه المسائل مصداق لحكم المشهور بالتخيير تبعاً لتعارض الروايات أو لا؟ فراجع جواهر الكلام ج29 ص271 فصاعداً حول مسألة الرضاع وراجع حول الكر كتاب الطهارة ج1 مبحث الكر واما النوافل في السفر فقد فصلنا الحديث عنها في بحث فقه المعاريض فراجعه.
([13]) أو 3.5× 3.5× 3.5.
([14]) أو خمس عشرة رضعة.
([15]) واضفنا لها وجهاً ثاني عشرا استفدناه من الفقه للسيد الوالد فراجع الكتاب. |