بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة الأبدية على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
التبعيض في التقليد
(42)
الإشكال بان المقام ليس صغرى كبرى التفكيك بين الاحكام الظاهرية
لكن قد يورد على دعوى ان المقام (التبعيض في التقليد في الارتباطيات) صغرى كبرى التفكيك بين الاحكام الظاهرية، بانه ليس منها إذ التفكيك في الارتباطيات هو باحد وجهين: اما بان يفكك بين حكم الجزء والكل بان يقال ببطلان الجزء وعدم بطلان الكل، لكنه لم يقل به احد ولم يقل به أي من الفقيهين المختلفين في الرأي إذ كل منهما يرى بطلان الجزء فبطلان الكل بالتبع.
واما بان يفكك بين الجزئين الارتباطيين بان يقال بان بطلان احدهما لا يسري إلى الجزء الآخر، وهذا مما لم يقل به احد أيضاً.
الجواب: التفكيك بين الصحة والبطلان
ولكن قد يجاب: بان التفكيك في المقام بوجه آخر وهو التفكيك بين حكمي الصحة والبطلان بتسرية حكم الصحة من الجزء إلى الكل دون البطلان.
توضيحه: ان التفكيك يتصور بان يقال: انه حيث كان ترك الجزء الأول غير مبطل بنظر الأول كانت الصلاة صحيحة بنظره من هذه الجهة كما ان ترك الجزء الثاني حيث كان غير مبطل بنظر الثاني كانت الصلاة صحيحة بنظره من هذه الجهة، فيلتزم بتبعية صحة الكل لصحة الجزئين حسب النظرين([1])، ويفرق بذلك بين الصحة والبطلان – رغم ان كليهما حكم الله الواقعي أو الظاهري – فيقال: لكن ترك هذا الجزء الأول بنظر الفقيه الثاني وإن كان ينبغي ان يكون مبطلاً للكل لكن الشارع لا يعتبره مبطلاً إذ يراه مطابقاً لحجة أخرى هي نظر الفقيه الأول، وعكسه جارٍ في ترك الجزء الثاني بنظر الفقيه الأول.
والحاصل: ان للشارع، حسب مبنى التفكيك بين الأحكام الظاهرية، ان يفكك بين الضدين، وهما الصحة والبطلان، فيعتبر صحة الصلاة تابعة لصحة احد الجزئين بنظر احد الفقيهين وان عارضه الفقيه الآخر ولا يرى بطلانها تبعاً لبطلان احد الجزئين بنظر احد الفقيهين وبطلان الجزء الآخر بنظر الآخر.
فالمقام إذن صغرى كبرى التفكيك، لكن يبقى الدليل في عالم الإثبات على ذلك وسيأتي عدمه.
دعوى الفارق بين الارتباطيين وبين حكم المتعاملين
كما قد يورد على تلك الدعوى([2]) وما سبقها من الشواهد([3])، بان قياس ما نحن فيه بالمسألة الخامسة والخمسين من العروة مع الفارق فان الكلام في تلك المسألة عن حكم الشخصين بالنسبة إلى أمرٍ واحد والكلام هنا عن حكم الشخص الواحد بالنسبة إلى الأمر الواحد:
اما هناك: فان الكلام عن حكم كل من البائع وحكم المشتري فيما إذا أجريا العقد بالفارسية أو كان معاطاة مثلاً، لكن الفقيه الأول يرى صحة العقد وتحقق ركنيه ومقوّميه معاً إذ يرى صحته بالفارسية والمعاطاة فيرى صحته من جانب الفاعل والقابل فلم يفكك هذا الفقيه في الحكم الواحد كما ان الفقيه الآخر لم يفكك أيضاً إذ قال بالبطلان إذ الكل منعدم بانعدام أحد ركنيه.
واما هنا: فالكلام عن صحة الصلاة الواحدة من الشخص الواحد إذا كانت فاقدة لأحد الجزئين حسب رأي فقيه وللجزء الآخر حسب رأي فقيه آخر.
الجواب أولاً: الفرق غير فارق
لكن فيه: ان هذا الفرق غير فارق: إذ الكلام في تفكيك الشارع – وهو العمدة – وليس تفكيك الفقيه، والمسألتان متوافقتان من هذه الجهة إذ يقال كيف فكّك الشارع في البيع الواحد فقال بانه صحيح بالنسبة للمشتري (الذي اجتهد أو قلّد من لا يرى اشتراط العربية ويرى صحة المعاطاة) وقال بانه باطل بالنسبة للبائع الذي يرى الاشتراط مع ان البيع اما واقع ومتحقق ثبوتاً أولا فان كان متحققاً صح لهما وإلا بطل لهما معاً، كما يقال كيف فكّك الشارع – على فرضه – بين الصحة والبطلان فرأى الصحة سيَّالة دون البطلان كما مضى، ويجاب عن المسألتين بصحة التفكيك في الأحكام الظاهرية. فتدبر جيداً.
ثانياً: النقض بالنظائر
هذا إضافة إلى انه ان لم يصح النقض بالمسألة الخامسة والخمسين فانه يصح في الكثير من الفروع التي التزموا فيها بالتفكيك في حكم الشخص الواحد بالنسبة للأمر الواحد من جهتين كما سبق في مثال اللحم المشكوك فانه طاهر وحرام أو مثال الوضوء باحد الإنائين المشتبهين.
الجواب عن إشكال المسببية بان الكلّ عين الأجزاء
واما ما أشكلنا به على التنقيح من (قد يجاب بان الشك مسببي...)([4])
فقد يجاب بان الجزء ليس غير الكل بل الكل ليس إلا الأجزاء جميعاً فليس الكل معلولاً للأجزاء إذ انه عينها فكيف يكون معلولاً لها؟ وعليه: فصحة الجزء هو عين صحة الكل وكذا بطلانه وليس علة له.
والحاصل: ان العلة الفاعلية خارجة اما العلة المادية فداخلة في الشيء وهي عينه.
الرد: الكلّ بعلّته الصورية معلول للأجزاء([5])
وفيه: ان الكُلّ وإن كان عين الأجزاء لكنه الكل بما هو هو أي اللابشرطي اما الكل بلحاظ علته الصورية([6])، وبها صار الكلّ كلّاً، فانه غير الأجزاء معلول لها إذ العلة الصورية للكل معلولة لتحقق كل جزء جزء وكل جزء فانه علة معدة لحصول العلة الصورية.
والحاصل: ان العلة المادية خارجة عن العلة الصورية – والتي بها الكل كل – فهي خارجة من الكل بلحاظ هيئته المجموعية، وان كانت داخلة في الكل اللابشرطي([7]).
هذا إضافة إلى ان القول بان الكل عين الجزء مسامحة فانه عين الأجزاء لا عين كل جزء وإلا لما كان الكل كلاً والجزء جزءاً، والحاصل: ان الجزء جزء الكل وليس عينه كما ان الكل كلٌّ للجزء وليس عينه فتدبر
وعليه: فان الشك سببي ومسببي سواء في ذات الكل والجزء أم في صفتهما من الصحة والبطلان كما سبق في الإشكال على التنقيح، ويؤكده ان ذلك هو ما يقتضيه الفهم العرفي فانهم يرون ان بطلان أو صحة الجزء – الركن مطلقا وغيره ان كان عامداً – سبب لبطلان الكل وان صحة الكل معلول لصحة كل جزء جزء وان بطلان الكل معلول لبطلان أحد الأجزاء. فتدبر
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
([1]) أي صحة كل جزء حسب احد النظرين أي صحة هذا الجزء حسب النظر الأول وصحة ذاك الجزء حسب النظر الثاني.
([2]) المذكورة في صدر البحث.
([3]) في الدرس السابق.
([4]) راجع الدرس 40 (469).
([5]) أو فقل ناتج منها.
([6]) وهو الكل البشرط شيئي.
([7]) بل دخولها في الكل (المراد به المجموع من العلة المادية والصورية) يؤكد كونها غيره إذ المركب من الشيء وغيره ليس نفس الشيء نعم هو جزء للكل وعلة معدة لحصوله.
|