• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : الاجتهاد والتقليد(1435-1436هـ) .
              • الموضوع : 522- الاستدلال بالروايات على تعيّن تقليد الاعلم 1ـ عهد الامام لمالك الاشتر ( ثم اختر للحكم بين الناس افضل رعيتك ... ) ــ اشكالات خمسة على الاستدلال بالرواية والاجوبة 1ـ ( الافضل ) المراد به النفسي لا العلمي والجواب . .

522- الاستدلال بالروايات على تعيّن تقليد الاعلم 1ـ عهد الامام لمالك الاشتر ( ثم اختر للحكم بين الناس افضل رعيتك ... ) ــ اشكالات خمسة على الاستدلال بالرواية والاجوبة 1ـ ( الافضل ) المراد به النفسي لا العلمي والجواب .

 

بسم الله الرحمن الرحيم
 
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة الأبدية على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
 
تقليد الأعلم
 
(46)
 
الاستدلال على تعيّن تقليد الأعلم بالروايات
 
وقد استدل على تعيّن تقليد الأعلم بروايات عديدة فيها الصحاح والمعتبرات وغيرها، على ان بعضها قد يقال بانه متواتر تواتراً إجمالياً إن لم يكن مضمونياً كما سيأتي. والروايات عديدة نشير إلى أهمها:
 
عهد الإمام ( عليه السلام ) لمالك الأشتر
 
الرواية الأولى: ما ورد في عهد الإمام أمير المؤمنين ( عليه السلام ) لمالك الاشتر (ثُمَّ اخْتَرْ لِلْحُكْمِ بَيْنَ النَّاسِ أَفْضَلَ رَعِيَّتِكَ فِي نَفْسِكَ مِمَّنْ لَا تَضِيقُ بِهِ الْأُمُورُ وَلَا تُمَحِّكُهُ([1]) الْخُصُومُ وَلَا يَتَمَادَى فِي الزَّلَّةِ وَلَا يَحْصَرُ([2]) مِنَ الْفَيْ‏ءِ إِلَى الْحَقِّ إِذَا عَرَفَهُ وَلَا تُشْرِفُ نَفْسُهُ عَلَى طَمَعٍ وَلَا يَكْتَفِي بِأَدْنَى فَهْمٍ دُونَ أَقْصَاهُ وَأَوْقَفَهُمْ فِي الشُّبُهَاتِ وَآخَذَهُمْ بِالْحُجَجِ وَأَقَلَّهُمْ تَبَرُّماً بِمُرَاجَعَةِ الْخَصْمِ وَأَصْبَرَهُمْ عَلَى تَكَشُّفِ الْأُمُورِ وَأَصْرَمَهُمْ عِنْدَ اتِّضَاحِ الْحُكْمِ مِمَّنْ لَا يَزْدَهِيهِ إِطْرَاءٌ وَلَا يَسْتَمِيلُهُ إِغْرَاءٌ وَأُولَئِكَ قَلِيلٌ ثُمَّ أَكْثِرْ تَعَاهُدَ قَضَائِه‏)([3])
 
وللشيخ الطوسي إلى هذا العهد طريق صحيح، إضافة إلى قوة مضامين نهج البلاغة بشكل عام وهذا العهد بشكل خاص بحيث تورث وثوقاً نوعياً أقوى من الوثوق الحاصل من كثير من أخبار الثقات، إضافة إلى اعتماد كثير من أعلام الطائفة على النهج قديماً وحديثاً، وسيأتي الحديث عن ذلك لاحقاً بإذن الله تعالى.
 
وموضع الاستدلال فقرتان في العهد:
 
أ- قوله ( عليه السلام ) (ثُمَّ اخْتَرْ لِلْحُكْمِ بَيْنَ النَّاسِ أَفْضَلَ رَعِيَّتِكَ فِي نَفْسِكَ)
 
ب- قوله ( عليه السلام ) (وَ لَا يَكْتَفِي بِأَدْنَى فَهْمٍ دُونَ أَقْصَاهُ)([4])
 
وجه الاستدلال: أعمية الحكم من الفتوى أو تنقيح المناط
 
اما الفقرة الأولى فوجه الاستدلال بها أحد أمرين:
 
الأول: دعوى ان المراد بالحكم الأعم من القضاء والإفتاء أي – كما قيل – المعنى اللغوي الشامل لهما كما في قوله تعالى: (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ...)([5]) فان المراد به الأعم من الفتوى.
 
ويمكن توجيهه بان الحكم يعني المنع وقد يراد به البتّ في الأمر، وفي القضاء نوع منع وبت كما في الفتوى نوع منع وبت، والفرق ان مصب القضاء القضايا الشخصية الخارجية ومصب الفتوى القضايا الحقيقية.
 
قال في النور الساطع (وثانياً: أن المراد بالحكم في الرواية ليس ما هو مصطلح عند الفقهاء أعني القضاء، بل الظاهر أن المراد به المعنى اللغوي المتناول للفتوى مثل قوله تعالى في غير موضع: (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ) الآية؛ بدليل عدم ثبوت الحقيقة الشرعية)([6]). وكلامه وإن كان في المقبولة([7]) لكن الكلام عام شامل للعهد إذ انه عن معنى (الحكم) وقد ورد في الروايتين.
 
الثاني: تعميم الحكم، بعد تسليم اختصاصه بالقضاء، لباب الفتوى والتقليد بتنقيح المناط وسيأتي البحث عن هذين الوجهين لاحقاً بإذن الله تعالى.
 
الإشكالات على الاستدلال
 
وقد أشكل على الاستدلال بهذه الفقرة – أو يمكن ان يشكل عليها - بوجوه:
 
1- انها غير معمول بها في موردها
 
الوجه الأول: انها غير معمول بها في موردها، إذ لم يفت المشهور بتعيّن تعيين الأعلم للقضاء فكيف يقال به في غير موردها؟
 
2- المراد بالحكم هنا فصل الخصومة
 
الوجه الثاني: ان المراد بالحكم هنا هو فصل الخصومة والقضاء لا الفتوى، حتى لو سلمنا أعمية الحكم من الفتوى وذلك لقرينية ذيل الرواية، إذ جاء فيها (ثُمَّ أَكْثِرْ تَعَاهُدَ قَضَائِه) بل وبقرينية ما ورد في ثناياها كـ(وَلَا تُمَحِّكُهُ الْخُصُومُ) و(وَأَقَلَّهُمْ تَبَرُّماً بِمُرَاجَعَةِ الْخَصْمِ) و(وَأَصْرَمَهُمْ عِنْدَ اتِّضَاحِ الْحُكْمِ) فانها ظاهرة إن لم تكن صريحة في الحكم بمعنى القضاء.([8])
 
3- المراد بالأفضلية الإضافية لا الحقيقية
 
الوجه الثالث: ان المراد بالافضلية الافضلية الإضافية لا الحقيقية والمطلوب إثبات تعين تقليد الأفضل الأعلم بقول مطلق – بناء على الأعمية أو على التسرية من باب القضاء لباب الفتوى، وذلك لصريح قوله ( عليه السلام ) (أَفْضَلَ رَعِيَّتِكَ) مع انه لو وجب تعيين الأفضل (وكذا تقليده) لوجب القول: (أفضل رعايا بلاد الإسلام أو أفضل رعاياي أي رعايا الإمام الشامل لرعية مصر والكوفة وغيرها).
 
وذلك لوضوح إمكان ان يستقدم مالك قاضياً من الكوفة أو المدينة أو مكة وهي التي بها مظان وجوه الأعلم عكس مصر التي أسلمت بعدها بفترة ولم يكن الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) والأئمة ( عليهم السلام ) بين ظهرانيهم بحيث ينهلون من نمير علومهم ويشاهدون سيرتهم ويشهدون تقريرهم، فكان المفروض ان يقال – بعبارة أشمل - (أفضل الرعايا أو رعاياي أو رعايا بلاد الإسلام فان تعذر أو تعسر فالأقرب فالأقرب فان تعذر فأفضل رعيتك).
 
قال في بيان الفقه (وثانياً: المدّعى تقليد الاعلم على الاطلاق، وهذا العهد يدلّ على الاعلم ـ على الفرض ـ من رعية مالك لا مطلقاً)([9]) وقال في التنقيح (وهذا على فرض العمل به في مورده ، أجنبي عن اعتبار الأعلمية في محل الكلام لأنه إنما دلّ على اعتبار الأفضلية الاضافية في باب القضاء وأن القاضي يعتبر أن يكون أفضل بالإضافة إلى رعية الوالي المعيّن له ، ولا يعتبر فيه الأفضلية المطلقة . وهذا أيضاً يختص بباب القضاء ولا يأتي في باب الافتاء، لأن المعتبر فيه هو الأعلمية المطلقة على ما اتضح مما بيّناه في الجواب عن الاستدلال بالمقبولة المتقدمة)([10]).
 
4- لو تعيّن الأعلم لتعين تصدي مالك الاشتر
 
 الوجه الرابع: ما ذكره أيضاً في بيان الفقه (وأمّا الايراد عليه أوّلاً: بأنّه لو كان مراجعة الاعلم واجبة لوجب أن يتصدّى نفس مالك للقضاء لانّه هو أعلم، أو بأن يقال له بدل « أفضل رعيتك »: « الافضل منك ومن سائر رعيتك »)([11]).
 
أقول: ولازم هذين الوجهين هو حمل (اختر...) على الاستحباب لو لم يكن لهما وجه آخر – وسيأتي -.
 
قال في النور الساطع (ظهور سوقها مساق الاستحباب وإلا لكان اللازم تولي مالك الأشتر للقضاء؛ لأنه الأفضل، ولكان اللازم أن يُختار للقضاء شخص واحد يرجع له الناس في كل البلدان، لا أنه يختار لكل بلد شخص واحد)([12]).
 
5- المراد بالأفضل الأفضل دينياً ونفسياً لا علمياً
 
الوجه الخامس: ما ذكره السيد العم (دام ظله) بقوله (نعم، ربما يورد على العهد ـ دلالة ـ بأنّ تذييل ذلك في كلامه (عليه السلام): « أفضل رعيتك في نفسك ممّن لا تضيق به الاُمور، ولا تمحكه الخصوم، ولا يتمادى في الزلّة، ولا يحصر من الفيء إلى الحقّ إذا عرفه، ولا تشرف نفسه على طمع، ولا يكتفي بأدنى فهم دون أقصاه، وأوقفهم في الشبهات، وآخذهم بالحجج، وأقلّهم تبرّماً بمراجعة الخصم، وأصبرهم على تكشّف الاُمور، وأصرمهم عند اتّضاح الحكم، ممّن لا يزدهيه إطراء، ولا يستميله إغراء... »
 
يصرف الافضل إلى الفضل الديني والنفسي، دون العلمي. وهو إيراد في محلّه ظاهراً.
 
ولعلّه لذلك قال الشيخ الانصاري (قدس سره) بعد نقله هذه الفقرة من العهد: « وفيه تأمّل »)([13]) وقد يعضد بان (أفضل) لا يطلق عادة على (الأعلم) أو (الأفقه) وإن صح عرفاً ودقةً وبالحمل الشائع.
 
الأجوبة:
 
أقول: لكن بعض هذه الوجوه مناقش فيه بوجه أو أكثر:
 
القرائن تفيد شمول الأفضل للأعلم
 
أما الوجه الخامس: فلوجود قرائن مقالية في الرواية تفيد أعمية الأفضلية من الأفضلية العلمية والنفسية وان فُرض تسليم انصراف الأفضل إلى غير الأعلم([14])، وذلك لصريح قوله ( عليه السلام ) (وَلَا يَكْتَفِي بِأَدْنَى فَهْمٍ دُونَ أَقْصَاهُ) فان كل ذلك جاء تفسيراً في كلامه ( عليه السلام ) لـ(أَفْضَلَ رَعِيَّتِكَ) إذ قال ( عليه السلام ) (مِمَّنْ لَا تَضِيقُ بِهِ الْأُمُورُ...) فانها بيان لأفضل الرعية، ويؤيده قوله ( عليه السلام ) (وَآخَذَهُمْ بِالْحُجَجِ) ان لم يدل عليه. فتأمل وسيأتي ما يكمل ذلك ويوضحه.
 
ومن الواضح ان الاكتفاء بادنى الفهم له ضدان([15]): الاكتفاء بأوسط الفهم، والالتزام باقصاه ولو اقتصر الإمام ( عليه السلام ) على (وَلَا يَكْتَفِي بِأَدْنَى فَهْمٍ) لشمل الضدين معاً لكنه حيث صرح بـ(دُونَ أَقْصَاهُ) أفاد تعين اختيار من يلتزم بأقصى الفهم([16]).
 
فائدة منهجية: الابتداء بأواخر القرآن والروايات والأدلة
 
لقد بدأ الأصوليون والفقهاء الاستدلال على تعين تقليد الأعلم بمقبولة عمر بن حنظلة ثم برواية داوود بن الحصين وموسى بن اكيل ثم وصلوا إلى العهد وغيره.
 
والأولى بحسب النظر القاصر الابتداء بالعهد لكون الرواية صحيحة أولاً ولجهة عامة منهجية ثانياً: وهي:
 
ان الأرجح بالنظر القاصر في تفسير القرآن الكريم وفي الاستدلال به وفي الروايات المستدل بها – ان كانت كلها على درجة واحدة أو متقاربة من الاعتبار – وكذا في سائر الأدلة، البدأ – في الجملة - من الأواخر لا الأوائل؛ وذلك لجهتين:
 
الأولى: إثراء البحث في (الأواخر) فان المفسر عادة يبدأ بنشاط وقوة وفراغ بال وسعة وقت فيشبع البحث في أوائل التفسير ويثريه ويغنيه ثم – في الكثير منهم لا الكل كما لا يخفى – يقل إثراء المباحث في أواخر التفسير أما لانه يكون قد طرح النكات العلمية في الأجزاء السابقة أو لأجل كِبَرٍ وشيخوخة أو عجز ومرض أو تكاثر المزاحمات والموانع بمرور الزمن، ويظهر ذلك بوضوح لمن يراجع الأجزاء الأخيرة من التفاسير فانه لا يجد في الكثير منها ما ينبغي من الاستيعاب والاستقصاء، وكذلك حال الاستدلال بالآيات الكريمة في المباحث الأصولية أو الفقهية أو الكلامية، في الجملة كما لا يخفى.
 
وكذلك الحال في الروايات([17]) إذ عادة تصب التحقيقات الخاصة والمشتركة على الروايات الأولى، وعند وصول النوبة للروايات الأخيرة تحال التحقيقات المشتركة إلى الأوائل وقد لا تعطى الأواخر حقها من التحقيقات والتدقيقات الخاصة بها أيضاً مع ان الباحث كثيراً ما يراجع  (الأواخر) كعهد الاشتر مثلاً وحده فلا يجد فيه ضالته من البحث والتحقيق، نعم لا شك انه يمكنه الرجوع إلى الأوائل إلا انه قد يعسر ذلك على البعض أو قد لا يستوعب وجه الربط أو قد يكون البحث – ثبوتاً – غير مستوفي – كما سبق. والله الموفق
 
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
 
=======================================
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=1598
  • تاريخ إضافة الموضوع : السبت 7 جمادي الاخر 1436هــ
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 02 / 23