• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : المكاسب المحرمة (1434-1435هـ) .
              • الموضوع : 140- مناقشة قاعدة الملازمة 1ـ انها لا تعمّ كافة معاني الحسن والقبح 2ـ انها لا تعمّ كافة درجاتها 3ـ بل ولا تعم كافة درجات المصلحة والمفسدة 4ـ سلمنا لكن الكلام يبقى في الانطباق .

140- مناقشة قاعدة الملازمة 1ـ انها لا تعمّ كافة معاني الحسن والقبح 2ـ انها لا تعمّ كافة درجاتها 3ـ بل ولا تعم كافة درجات المصلحة والمفسدة 4ـ سلمنا لكن الكلام يبقى في الانطباق

بسم الله الرحمن الرحيم 
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم 
 
لازال البحث حول صحة الاستدلال بالعقل على حرمة الكذب بقول مطلق، وقلنا إن الشيخ في مكاسبه وغيره ذهب إلى أن الكذب حرام بضرورة العقول والأديان وانه يدل عليه الأدلة الأربعة، ثم نقلنا كلام الايرواني والخوئي والتبريزي وناقشناها. 
 
كبرى الملازمة : 
 
وبحثنا الآن هو في الكبرى وهي: هل إن كل ما حكم به العقل حكم به الشرع؟ وقد بيّنا ان الشيخ الانصاري في مطارح الأنظار([1]) ادعى وأكد وجود الإجماع المنقول والمحصل بسيطا ومركبا على كبرى الملازمة. 
 
هداية المسترشدين: المعروف من المذهب: الملازمة 
 
ولتأكيد كلام الشيخ الأنصاري – مبدئياً - ننقل كلام الشيخ الرازي في كتابه هداية المسترشدين([2])، فله كلام مهم حيث يقول :" ثالثا :انه إذا قيل بادراك العقل الحسن والقبح على نحو ما ثبت في الواقع، فهل يثبت بذلك حكم الشرع به كذلك فيكون ما تعلق به([3]) واجبا او محرما في الشريعة مثلاً على نحو ما أدركه العقل او لا يثبت الحكم الشرعي إلا بتوقيف الشارع وبيانه فلا وجوب و لا حرمة ولا غيرهما من الأحكام الشرعية إلا بعد وروده في الشريعة؟([4]) ولا يترتب ثواب ولا عقاب على فعل شئ و لا تركه الا بعد بيانه، فالمعروف من المذهب هو الأول([5])، بل الظاهر إطباق القائلين بالحسن والقبح عليه عدا شذوذ منهم، فإنهم يقولون بالملازمة بين حكم الشرع والعقل فكل ما حكم به العقل حكم به الشرع وبالعكس " ونكتفي في المقام بهذا المقدار من نقل كلمات الأعلام([6]) 
 
إذن: حتى الآن فقد ذكرنا ما يعضد ويقوي قاعدة الملازمة وما نقله الرازي من ان المذهب قد استقر على ذلك حتى أطبقوا الا الشاذ، وما قاله الشيخ من ان الإجماع محصلا ومنقولاً بسيطا ومركباً متحقق في المقام. 
 
مناقشة كبرى الملازمة([7]): 
 
ولكن يمكن مناقشة الكبرى المذكورة، فان دعوى الملازمة بين حكم العقل بقبح شئ وحكم الشرع بحرمته او الملازمة بين الحسن والوجوب، مخدوشة من وجوه عديدة: 
 
الوجه الأول: هناك مناشئ عشرة للقبح العقلي بعضها فقط محرم([8]) 
 
وهذا الوجه يستند الى تحقيق وتحديد نوع القبح من الأنواع العشرة التي اشرنا إليها سابقا، فانه ليس كل نوع من أنواع القبح مما لو حكم به العقل حكم الشرع على طبقه حرمةً أو وجوبا، وذلك: 
 
أ- لان من أنواع القبح والحسن النقص والكمال، فالناقص قبيح والكامل حسن، ومثاله العلم والجهل فالعلم كمال وهو حسن، والجهل بعكسه، ولكن هل حكم العقل بحسن العلم – مطلق العلم([9]) - دليل على إيجاب الشرع له؟ 
 
والجواب: كلا، فانه لا حكم للشرع بوجوب كل علم، نعم العلم مستحب غاية الأمر ان بعض أصنافه واجبة بوجه آخر([10])، 
 
ب- وكذلك الأمر في الملائمة للطبع فهل كل ما لاءم الطبع حكم الشرع بوجوبه؟ كما لو كان احدهم يتلاءم طبعه والجو المعتدل او مع الفراش الجيد أو كان الفراش الخشن او الحر او البرد مما تنفر منه نفسه وطبعه فهل يحكم العقل بحرمته؟ وكذلك الحال في إصدار الأصوات العالية – طبعا بدون إيجاب ضرر على الآخرين وإلا حرم من هذه الجهة – فهل كل هذه الموارد حرام شرعا؟ وكذلك النظر الى منظر مزعج فتنكمش نفسه فهل هذا حرام ؟ والجواب قطعا لا، 
 
ج- وكذلك الحال في عدم تطابق العوالم وقبحه، فهل كل عدم تطابق قبيح ؟كأن يرسم احدهم شجرة بما لا يطابق الواقع الخارجي عامدا، فهل هذا حرام ؟ كلا، غاية الأمر انه مرجوح أو مبغوض عقلائيا او شرعيا, 
 
د- بل نقول انه حتى في الانبغاء واللاانباء - وهو أقوى أسباب القبح أو الحسن، مما عبرنا عنه بالاقتضاء الذاتي – لا تصح دعوى الملازمة وان الكذب حرام لقبحه، والصدق واجب لاقتضائه لذاته الحسن فان الاقتضاء حاله حال بقية الموارد من عدم ثبوت الملازمة بنحو مطلق ، فلو لاحظنا الكذب فانه حرام([11])، ولكن هل الصدق دائما واجب؟ الجواب لا؛ وذلك ان الصدق والكذب ضدان لهما ثالث هو السكوت، والصدق([12]) بين واجب ومستحب فانه على نوعين: الصدق في الشهادة وغيرها من الأمور الخطيرة التي يتوقف عليها إحقاق الحق وهذا واجب، واما القسم الآخر من الصدق فلا، وذلك كمن ذهب في سفر معين فصادف في طريقه الكثير من التفاصيل المباحة، فهل عليه ان ينقل جميع التفاصيل من المباحات؟ ان هذا ليس بواجب عليه، بل له ان يسكت، الصدق والكذب ضدان ولها ثالث وهو السكوت 
 
إذن: القبح في الكذب قد اقتضى الحرمة ولكن الحسن في الصدق لم يستلزم الإيجاب، وعليه فانه حتى في الاقتضاء الذاتي هناك تفصيل ولا إطلاق في التلازم. 
 
والمتحصل :ليس كل نوع من أنواع القبح مما لو حكم العقل به حكم الشرع بحرمته وكذا الحسن والوجوب, بل إنما يحكم العقل بالرجحان الأعم من الوجوب والاستحباب، 
 
الوجه الثاني :القبح والحسن مفهوم مشككك ذو درجات بعضها محرم 
 
وأما الوجه الثاني فهو ان الحسن والقبح هما من الحقائق التشكيكية ذات المراتب المختلفة، والحسن الشديد يقتضي الإيجاب والقبح الشديد بحيث يرى العقل المنع من نقيضه يقتضي الحرمة، وهما على القاعدة, فلا تلازم بقول مطلق، بل الحق هو الانفكاك والتفصيل بين المراتب النازلة الضعيفة من ما يحسِّنه العقل ويقبِّحه من الرذائل والفضائل كالصدق او الكذب وغيرها أي إن التلازم في بعض الصور والأنواع، فهو في الجملة لا بالجملة 
 
الوجه الثالث: المصلحة او المفسدة الضعيفة لا تقتضي الإلزام 
 
بل لنا ان ننقل الكلام الى نفس المصلحة والمفسدة، باعتبارهما مناشئ الحسن والقبح بل هما المنشأ الوحيد عند السيد الخوئي والمحقق الايرواني والتبريزي وآخرين - ولكن حتى فيهما نقول: ليس كلما حكم العقل بوجود مصلحةٍ حكم الشارع بوجوبها وجرى على طبقها؛ وذلك ان المفسدة وكذا المصلحة من المفاهيم التشكيكية وهي على درجات فقد تقتضي المصلحة الاستحباب كما في صلاة الليل فانها عبادة([13]) حسنة بلا شك ولكن الحسن والمصلحة لم تستلزم الإيجاب، وكذا الحال في السواك وبقية المستحبات، وكذا الحال في ما حسّنه العقل بعنوانه كالإحسان. 
 
وكذا الحال في الجهة الأخرى وهي المفسدة والقبح فان بعض مراتب إضاعة الوقت مثلاً ليست بحرام قطعا وان كانت ذات مفسدة، 
 
والخلاصة: ان العقل لو استقل بمصلحة بالغة ملزمة او استقل بوجود مفسدة بالغة ملزمة فذلك هو المجرى لقاعدة التلازم حيث لا انفكاك 
 
الوجه الرابع :المشكلة في الانطباق والتطبيق 
 
سلمنا عدم ورود الإشكالات الثلاثة سابقا، ولكن يبقى اشكال دقيق في المقام وهو عدم معلومية انطباق الكبرى على الصغرى([14]), فانه وان كانت الكبرى الكلية مسلمة، لكن الكلام في الانطباق؛ إذ ثبوت الكبرى الكلية شيء وتمامية الانطباق شيء اخر، 
 
ويتضح ذلك جلياً بملاحظة العدل فلا شك ان العقل يحكم بحسنه الشديد وكونه ذا مصلحة بالغة هذا صغرى، ثم لنسلم الكبرى وهي ان كل ما حكم به العقل حكم به الشرع، فان الشرع يحكم بوجوب العدل لحسنه الشديد البالغ وحرمة الظلم لقبحه الشديد، 
 
ولكن من أين الانطباق على الأصناف وعناوين الموضوعات؟ فان كثيرا من الناس ينتقلون خطأً من مسلَّمية الكبرى وثبوتها الى مسلمية الانطباق كأولئك الذين يُشكِلون على الإرث وكيف تعطى الفتاة سهما ويعطى الذكر سهمين مدعين ان ذلك خلاف العقل لانه خلاف العدل فهذا الحكم بزعمهم مختص بذلك الزمان، 
 
والجواب واضح بملاحظة معادلة الانطباق فان كلي العدل ووجوبه وحسنه مما لاشك فيه، ولكن من اين ان المورد هو صغرى لتلك الكبرى الكلية؟ بل الأمر بالعكس فان هذا المدعي عندما ارتأى ان المورد صغرى لتلك الكبرى وانه عدل او ظلم، لاحظ (عامل المال) وحكم على ضوئه ولكنه غفل عن ملاحظة (عامل المسؤولية والتكليف)([15]) فتصور الحكم ظلما ولو لاحظ جميع الأبعاد لما توهم ما توهمه 
 
وعليه: فانه كثيراً ما يكون منشأ الخطأ و الخطل هو في التطبيق والانطباق فلا تجدي عندئذ قاعدة الملازمة لتنقيح حال الصغرى والمصداق، وللكلام تتمة 
 
وصلى الله على محمد واله الطاهرين 
 
 
([1]) مطارح الأنظار ج2 ص335. 
 
([2]) وهذا الكتاب هو كتاب قيم جدا ومؤلفه هو من طبقة أساتذة الشيخ الانصاري وقد توفي سنة 1248 هـ وكلامه ذكره في المجلد الثالث من كتابه ص 502-503. 
 
([3]) أي ما تعلق به حكم العقل. 
 
([4]) وهنا فان بحثنا في الملازمة ينفعنا أيضا في بحث مقاصد الشريعة فتنبه 
 
([5]) أي الملازمة. 
 
([6]) كما قال في هداية المسترشدين ص499 (في بيان استقلال العقل بإدراك حكم الفعل بحسب الواقع وأنه من الأدلة على حكم الشرع مع قطع النظر عن توقيفه وبيانه له على لسان حججه، وهو الذي ذهب إليه علماؤنا الإمامية، بل وأطبقت عليه العدلية، بل قال به أكثر العقلاء من الحكماء والبراهمة والملاحدة وكثير من الفرق المثبتة للشرائع والنافية، وقد أنكر ذلك الأشاعرة وطائفة من متأخري علمائنا الأخبارية في الجملة وبعض من يحذو حذوهم إلا أن الأشاعرة قد أنكروا ثبوت المحكوم به رأساً فلزمهم إنكار إدراك العقل له وكونه دليلاً على حكم الشرع) 
 
([7]) ولابد من التدبر لان مناقشة الكبرى الكلية قد يتوهم منها مخالفة الإجماع، فهل من مخرج؟ سيأتي 
 
([8]) أي سبب التحريم. 
 
([9]) فان كل علم حسن بقول مطلق 
 
([10]) كوجوب العلم بأصول الدين شكراً للنعم أو دفعاً للضرر ووجوب تعلم الطب ونظائره كفائياً دفعاً للضرر. 
 
([11]) على فرض قبول حرمته عقلاً باطلاقها. 
 
([12]) أي بذاته بين واجب ومستحب وإلا فقد يكون حراماً. 
 
([13]) والعقل مستقل بحسن العبادة بعنوانها، وصلاة الليل صنف ولا شك ان فيه المصلحة. 
 
([14]) ومعلومية عدمها في صور كثيرة أيضاً. 
 
([15]) وان الانفاق على الرجل حتى على هذه المرأة الوارثة، ولا شيء عليها، عموماً إلا ما خرج.

  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=162
  • تاريخ إضافة الموضوع : الثلاثاء 24 ذو القعدة 1434هـ
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 02 / 23