بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
النميمة
(28)
سبق ان تحقيق صحة الاستدلال بأدلة الغيبة على حرمة النميمة مطلقاً أو في الجملة يتوقف على تحقيق الحال فيهما معاً: اما الغيبة فبيان حالها، بما ينفع لاحقاً في تحقيق نسبتها مع النميمة، يتم في ضمن بيان أمور:
تعريفان من الرسول ( صلى الله عليه وآله ) والإمام ( عليه السلام ) للغيبة
الأول: انه قد ورد تعريفان – هما عمدة التعاريف – من الرسول ( صلى الله عليه وآله ) والإمام الصادق ( عليه السلام ) للغيبة فقد قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ((ذِكْرُكَ أَخَاكَ بِمَا يَكْرَهُه...)) ([1])
وقال الإمام الصادق ( عليه السلام ): ((الْغِيبَةُ أَنْ تَقُولَ فِي أَخِيكَ مَا سَتَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ وَ أَمَّا الْأَمْرُ الظَّاهِرُ فِيهِ مِثْلُ الْحِدَّةِ وَ الْعَجَلَةِ فَلَا وَ الْبُهْتَانُ أَنْ تَقُولَ فِيهِ مَا لَيْسَ فِيه)) ([2])
المراد بالموصول في (ما يكرهه)
الثاني: ان الظاهر من الموصول في (بما يكرهه) أي بفعل أو صفة فيه يكره نقلها وذكرها، وليس المراد الكلام الذي يكرهه مع قطع النظر عن متعلقه ومادته وما وصفه به.
المراد ما يكره ظهوره
الثالث: ان الظاهر من (يكرهه) هو ما يكره ظهوره واظهاره سواء كره وجوده أم أحبه ([3]) وليس ما يكره وجوده وإن لم يكره ظهوره، كما حققه الشيخ في المكاسب.
(ستره الله عليه) إضافي
الرابع: ان (ما ستره الله عليه) الظاهر انه إضافي فلو كان مستوراً بالنسبة لشخص فان ذكر ذلك العيب له غيبة وإن كان منكشفاً لدى شخص آخر وكذلك لو كان منكشفاً لجمع أو لقوم دون آخرين؛ وذلك لأن (الستر) من الصفات الحقيقية المتقومة بالشيء المستور وبالمستور عنه معاً إضافة إلى الساتر؛ إذ انه ([4]) يستر شيئاً عن شخصٍ، فقد تقوَّم بالمستور عنه فقد يكون مستوراً عن هذا دون ذاك فينطبق التعريف على هذا ان نقل له، دون ذاك.
المراد ستر الأصل أو الصفة
الخامس: ان الظاهر ان المراد بـ(ستره) الأعم من ستر أصله أو ستر وصفه، فلو اخطأ الخطيب على المنبر خطأ نحوياً مثلاً ولم يلتفت إليه البعض فان وصف الخطأ عنهم مستور وإن كان الكلام نفسه منكشفاً لهم، فعلى حسب هذا الحديث ([5]) فان ذكر ذلك الخطأ لغير الملتفت إليه غيبة.
اشتراط ان يكون نقصاً
السادس: ان المنصرف من التعريفين هو ان يكون المذكور نقصاً فانه المنصرف من (ما يكرهه) و(ما ستره الله عليه) لا ما كان مدحاً له وكَرِهَ ذِكره أو كان مستوراً فانه لا يُعبَّر عن الصفة المحمودة بـ(ستره الله عليه) كما ان كراهة ذكره خلاف الطبع الأولي وإن كان قد يكره ذكر فضائله تواضعاً فلو قيل بشمول (ما يكرهه) لفظاً فانه منصرف عنه ظاهراً، نعم لو أدّى إلى إيذائه كان محرماً من هذه الجهة لا جهة الغيبة.
عدم اشتراط الانتقاص
السابع: ان الظاهر عدم اشتراط الانتقاص وقصده في الغيبة، لصدق التعريفين على من ذكر نقصاً في غيره قد ستره الله عليه وكان يكره ذكره، وان كان المغتاب – اسم فاعل – ليس في مقام الانتقاص.
دفع التنافي بين (ما يكرهه) و(ستره الله عليه)
الثامن: انه قد يتوهم التنافي بين التعريفين بدعوى ان (بما يكرهه) مطلق أي سواءً ستره الله عليه أو لا فينافي بشموله صورة عدم الستر ذلك التعريف الآخر الذي خصص الغيبة بما ستره الله عليه.
وبالعكس فان (ما ستره الله عليه) مطلق أي سواء كره نقله أم لا فينافي بشموله صورة عدم كراهته نقله ذلك التعريف الآخر الصريح في ان ما كره نقله فهو غيبة.
لكن الحق عدم التنافي بوجه إذ كل من التعريفين صريح في منطوقه فيقيد إطلاق الآخر، وتكون النتيجة ان الغيبة هي ما كان مجمع الصفتين معاً فما ستره الله عليه وكره كشفه فهو غيبة، فان ستره الله عليه ولم يكره كشفه أو العكس فليس غيبة وان حرم من جهة أخرى كما إذا كان إيذاء للمؤمن أو تعييراً له أو شبه ذلك، وسيأتي وجهان آخران لعدم التنافي فانتظر.
تنبيه: ظاهر (بما يكرهه) هو الشخص لا النوع بل دلالة ((ذِكْرُكَ أَخَاكَ بِمَا يَكْرَهُه...)) عليه ([6]) بالنص نعم لو بني للمجهول كـ(ذِكر ما يُكره) لاحتمل فيه إرادة ما يكرهه النوع، على ان الأصل في الأفعال الشخصية لا النوعية كما قالوا بذلك في (لا ضرر) و(لا حرج) فتدبر
وصلى الله على محمد واله الطاهرين
============================
|