بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة الأبدية على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
تقليد الأعلم
(70)
13- حمل المقبولة على غير الاعتقاديات وغيرها عليها
وقد يجمع بين المقبولة والروايات التي تأمر بالارجاء (دفعاً للاضطرار إلى حمل المقبولة على الاستحباب أو تخصيصها بزمن الحضور أو شبه ذلك) بحمل المقبولة على العمليات أي ما يرتبط بالعمل من مسائل الفقه وحمل غيرها مما يأمر بالارجاء على الاعتقاديات، والمراد بها غير أولياتها ([1]) لوضوح ان اولياتها ([2]) ليست مما اختلفت فيها الروايات التي رواها ثقاتنا بل مطلق رواتنا ووضوح ان الاعتقاد بها واجب وليست مما يتحمل الارجاء.
شواهد وأدلة
وقد يستدل على حمل غير المقبولة من روايات الارجاء على الاعتقاديات بعدد من الروايات:
1- قرينية نفس الحكم بالسعة
منها: ما رواه في الكافي الشريف عن سماعة عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: سألته عن رجل اختلف عليه رجلان من أهل دينه في أمر كلاهما يرويه، أحدهما يأمر بأخذه والآخر ينهاه عنه كيف يصنع؟ قال: "يُرْجِئُهُ حَتَّى يَلْقَى مَنْ يُخْبِرُهُ فَهُوَ فِي سَعَةٍ حَتَّى يَلْقَاهُ" ([3])
وذلك استناداً إلى قرينية نفس الحكم بالسعة حتى يلقاه، فان شؤون العمل لا تتحمل الارجاء حتى لقاء الإمام (عليه السلام)، والارجاء غير التخيير كما هو واضح، عكس شؤون الاعتقاد في غير أولياتها فانها التي تتحمل الارجاء إذ لا يجب عقد القلب عليها، اما أولياتها فيجب تحصيلها بالدليل لا بالخبر وشبهه على المشهور بل للزوم الدور في الكثير منها ([4]).
الارجاء ظاهر في غير التخيير والسعة أعم يخصصه الارجاء
لا يقال: يراد به التخيير العملي؟
إذ يقال: التعبير عن التخيير بـ"يُرْجِئُهُ حَتَّى يَلْقَى مَنْ يُخْبِرُهُ" غير عرفي وخلاف الظاهر إذ ظاهره الارجاء والتأجيل لا التخيير واما "فَهُوَ فِي سَعَةٍ" فانه يحتمل التأجيل كما يحتمل التخيير ولا ظهور له في الأخير بحيث يزاحم ظهور (يرجئه حتى يلقاه) في التأجيل.
والحاصل: ان "يُرْجِئُهُ حَتَّى يَلْقَى مَنْ يُخْبِرُهُ" قرينة عرفاً على إرادة التأجيل والامهال من "فَهُوَ فِي سَعَةٍ" ايضاً خاصة بلحاظ فاء التفريع فتدبر.
إضافة إلى انه غير ممكن فيما دار بين المتناقضين (ككونها زوجته أو لا وكون الدار ملكاً له أو للآخر) في الحقوق فان الآثار والحقوق متضادة ([5]) نعم يمكن ان يراد به المتباينين والتخيير بينهما فيما أمكن فيه ذلك كصلاتي الظهر والجمعة، لكن سبق انه غير عرفي، سلمنا لكن (فهو في سعة حتى يلقاه) يكون على هذا أعم من الاعتقاديات والعمليات في صورة الدوران بين المتباينين الممكن فيهما التخيير فتكون خاصة بهما اما المقبولة فمطلقةٌ للأمر بالعمل فيها بالمرجحات سواءً في النقيضين أو الضدين في حقوق الله والناس فتكون هذه أخص منها فتخصصها وتكون النتيجة: الارجاء في الاعتقاديات وفي ما دار بين النقيضين مما لا يمكن الحكم فيها بالتخيير مع الرجوع فيها – عملاً لا حكماً – إلى مثل قاعدة العدل والإنصاف أو القرعة والتخيير في المتباينين اللذين يمكن الحكم بالتخيير فيهما. فتأمل
دلالة (ما علمتم انه قولنا فالزموه) على الاختصاص بالاعتقاديات
ومنها: (سؤال الراوي من الإمام (عليه السلام) عن العلم المنقول إلينا عن آبائك وأجدادك قد اختلف علينا فيه فكيف العمل به على اختلافه؟ أو الردّ إليك فيما اختلف فيه؟ فكتب (عليه السلام): " مَا عَلِمْتُمْ أَنَّهُ قَوْلُنَا فَالْزَمُوهُ وَمَا لَمْ تَعْلَمُوا فَرُدُّوهُ إِلَيْنَا" ([6])
وذلك استناداً إلى وضوح ان مدارية العلم إنما هي في العقائد إذ انها تدور مدار العلم حسب المشهور بل شبه المجمع عليه ولا يكفي فيها الظن (حتى المعتبر منه في غير العقائد كخبر الثقة وشبه ذلك) وان العمليات لا تدور مدار العلم بل الأعم من العلم والعلمي.
وبعبارة أخرى: الاجماع في الموردين يكون هو القرينة الصارفة للرواية إلى العقائد واما المقبولة فتبقى على ظهورها في العمليات.
لا يقال: يراد من (ما علمتم) الحجة وهي أعم من العلم والعلمي؟.
إذ يقال: إرادة العلمي والحجة من (علمتم) مجاز لا يصار إليه إلا بالقرينة ومع امكان ابقاء (علمتم) على ظاهره وتخصيصه بالعقائد بقرينة الاجماع وبعض الروايات لا وجه للتجوز الأول. فتأمل
والحق: ان المرجع هو العرف في فهم المراد وهل المراد بـ(علمتم) الحجة أو العلم في الاعتقاديات بمعونة الإجماع على اختصاصها بلزوم العلم فيها: ولعل الرواية مجملة من هذه الجهة إلا على وجه آت ([7]) أو إفادة ضميمة روايات الحجج، التنزيل فبها يكون التكميل وتكون حاكمة على (ما لم تعلموا) وهو عقد السلب في الرواية وهذا هو الأظهر.
مورد الارجاء في آخر المقبولة
واما المقبولة: فقد ورد في خاتمتها "إِذَا كَانَ ذَلِكَ فَأَرْجِهِ حَتَّى تَلْقَى إِمَامَكَ فَإِنَّ الْوُقُوفَ عِنْدَ الشُّبُهَاتِ خَيْرٌ مِنَ الِاقْتِحَامِ فِي الْهَلَكَاتِ" وهنا وجهان بثانيهما يندفع – بوجه جديد - إشكال التدافع بينها وبين الروايات المرجئة ابتداءً:
أ- ان المراد بما سبق (ارجئه) ولحقه هو العمليات وتكون الرواية قد انتهت إلى الارجاء وتلك الروايات ابتدأت به فيقع السؤال بلِمَ فلا بد من الجواب باحدى الأجوبة السابقة ككون المرجحات استحبابية في المقبولة لذا صح الابتداء بالارجاء كما صح الختم به أو غير ذلك من الوجوه فراجع.
ب- ان تكون الرواية انتقلت من العمليات إلى الاعتقاديات فتفيد: ان اللازم في العمليات الرجوع إلى تلك المرجحات متسلسلةً مترتبةً ثم حيث فرض ابن حنظلة تساوي الروايتين من كل الجهات السابقة، نقل الإمام (عليه السلام) الكلام إلى الاعتقاديات وانه لو تساوى الأمر فيها من كل الجهات السابقة كان الحكم هو الارجاء.
ويعتمد الاذعان بذلك على بيان نكتة دقيقة وهي انه لا يوجد في العمليات حتى مورد واحد قد اختلفت فيه روايتان ولم توجد احدى المرجحات السابقة لبداهة انه ما من أمر إلا وله موافق بالإطلاق أو العموم أو شبه ذلك في الكتاب والسنة من دليل أو أصل كأصالة الحل والإباحة وشبه ذلك، اما الاعتقاديات فيمكن ذكر فرع ولا يوجد – ظاهراً – في الكتاب ما يوافقه أو يخالفه ([8]).
وبعبارة أخرى: كان أمر الإمام (عليه السلام) دائراً بين ان ينقل الكلام – لبّاً وواقعاً – إلى الاعتقاديات (كمتعلّق) ويذكر حكمه من الارجاء لدى فقد كل المرجحات بعد إذ تعذر وجود مصداق لما فرضه الراوي من التساوي في العمليات، وبين ان يقول له الإمام (عليه السلام) مبقياً على السياق في العمليات وغير عادلٍ إلى الاعتقاديات: إن فرضك مما لا تحقق له خارجاً وحيث كان الأول أكثر نفعاً عدل إليه الإمام (عليه السلام) فتدبر وتأمل.
الإشكال بان السعة يراد بها العمليات لرواية أخرى
لا يقال: لا قرينية لقوله (فهو في سعة حتى يلقاه) على الاعتقاديات وذلك لورود نفس هذا اللفظ في العمليات كما في الرواية الآتية: الشيخ في التهذيب عن علي بن مهزيار قال: قرأت في كتاب لعبد اللّه بن محمّد إلى أبي الحسن (عليه السلام) اختلف أصحابنا في رواياتهم عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) في ركعتي الفجر في السفر فروى بعضهم صلّها في المحمل وروى بعضهم لا تصلّها إلاّ على الأرض فوقّع (عليه السلام): "موسّع عليك بأيّة عملت" ([9]). فالتوسعة أعم من التخيير العملي ومن الارجاء.
الجواب: السعة أعم، أو بلحاظ الغاية هي خاصة بالامهال
إذ يقال: بل ظاهر (فهو في سعة حتى يلقاه) بلحاظ الغاية (حتى يلقاه) وبلحاظ سبق (يرجئه) كما سبق، هو الارجاء المنسجم مع الاعتقاديات فقط ([10]) واما هذه الرواية فان قيد (بأية عملت) هو الذي أوجب صرف (موسع عليك) إلى العمليات، ولولاه لبقي (موسع عليك) أعم إلا انه في خصوص الرواية بلحاظ الغاية وسبق (يرجئه) يراد به الاخص وهو الارجاء والامهال، كما سبق.
وبعبارة أخرى: التوسعة على نوعين: التوسعة بالتخيير والتوسعة بعدم الإلزام بعقد القلب على طرف بل امهاله حتى يلقى إمامه وهي أعم منهما، والمورد لا يخصص الوارد فكيف إذا كان الوارد رواية أخرى فلو قلنا بقرينية (حتى يلقاه) في النوع الثاني من التوسعة فهو وإلا فهي أعم، ولا تصادم المقبولة بعد إذ لم يرد فيها لفظ السعة بل الارجاء فقط فهي مطابقة ([11])، بل حتى بعد حملها إذ رجحت بالمرجحات، على النوع الأول من التوسعة فرضاً لفرض ان تلك ([12]) أعم. فتأمل
ويؤكد ما ذكرناه من ظهور السعة بمشتقاتها في الأعم وبما لحق بها من الغاية في الامهال ما رواه الطبرسي في الاحتجاج عن الحارث بن المغيرة عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: إذا سمعت من أصحابك الحديث وكلّهم ثقة فموسّع عليك حتّى ترى القائم (عليه السلام) فتردّ إليه) ([13]). فتأمل وللحديث صلة
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
==========================================
|