• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : المكاسب المحرمة (1434-1435هـ) .
              • الموضوع : 151- المناقشة 2 ـ مدخليه القصد في صدق عنوان الكذب وفي الهزل لا قصد ، وبيان الكبرى والصغرى 3ـ الانصراف .

151- المناقشة 2 ـ مدخليه القصد في صدق عنوان الكذب وفي الهزل لا قصد ، وبيان الكبرى والصغرى 3ـ الانصراف

 بسم الله الرحمن الرحيم 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم 
 
كان البحث حول ان الكذب هزلا هل هو جائز او لا؟ ذكرنا أن الأقوال والمحتملات في المسألة أربعة، وابتدأنا بالأول منها وبينا الأدلة عليه، وان الدليل الاول للحرمة المطلقة للكذب هزلا، كالكذب جدا، قوله تعالى (اجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ) فان الكذب هزلا هو قولُ زورٍ وباطل، وأما الدليل الثاني فهو إطلاق الروايات، ونحن قد أشكلنا عليه بوجه ونكمل الآن ذلك 
 
إعادة صياغة للبحث السابق مع تعميم أكثر: 
 
ونذكر البحث السابق وذلك لإعادة صياغته ونعمم الكلام أكثر فنقول : 
 
إن الاستدلال بقول النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم): (( اتَّقُوا الْكَذِبَ الصَّغِيرَ مِنْهُ وَ الْكَبِيرَ فِي كُلِّ جِدٍّ وَهَزْلٍ فَإِنَّ الرَّجُلَ إِذَا كَذَبَ فِي الصَّغِيرِ اجْتَرَى عَلَى الْكَبِيرِ)) هذه الرواية ونظائرها – كما ذكر الشيخ - لا يستبعد على ضوئها الحكم بحرمة الكذب هزلا ولكن يمكن ان يشكل على ذلك: 
 
الوجه الأول: ما ذكرناه من الإشكال على الإطلاق سابقا، ومآله الى التفصيل في حكم الكذب الهزلي والنتيجة ليست الجواز مطلقا او الحرمة المطلقة فيه وإنما التفصيل بين ما لو أقيمت القرينة عليه فليس بكذب موضوعا وليس محرما، وأما لو لم تقم القرينة على ذلك فهو كذب موضوعا ومحرم([1])، والسر في ذلك ما ذكرناه من أن الظهور الثانوي ينعقد للكلام ببركة القرينة والكلام بظهوره الثانوي غير مخالف للواقع، وان المتكلم لا يقصد من كلامه اراءة الواقع بظهوره الأولي ليكون مقسما للصدق والكذب، بل لوحظت الاستقلالية في اللفظ دون الحكاية والمرآتية([2])، وقد فصلنا ذلك فلا نطيل. 
 
الوجه الثاني: مدخلية القصد في صِدق عنوان الكذب، ولا قصد في الهزل 
 
وهناك وجه آخر للإشكال على الإطلاق المدعى في الروايات ونتيجة هذا الوجه هي اعم من حيث الاستثناء منه في الوجه الأول، ففيه – الأول - قد اقتصر في الحكم بجواز الكذب هزلا على ما لو أقيمت القرينة على ذلك، وأما على هذا الوجه فان الكذب مرتهن بالقصد([3]) فليس بكذب وإن لم يقم قرينة مادام لا قصد. 
 
مقاييس الصدق والكذب: 
 
ولكن ما هو مقياس الصدق والكذب؟ 
 
والجواب توجد أربعة مقاييس محتملة أو مقولة: 
 
1- مطابقة القول للواقع، وقد فصلنا ان ذلك يتصور بنحوين وصورتين: من المطابقة للظهور الأولي او الثانوي 
 
2- مطابقة المعتقد للواقع فلو طابق المعتقد الواقع فصدق وإلا فكذب([4]) 
 
3_ مطابقة القول والمعتقد للواقع معا فلو تخلف احدهما فليس بصدق 
 
هذه أقوال ومقاييس ثلاثة، وهي المعروفة بين القوم ولكن يمكن ان نطرح مقياساً رابعاً وهو: 
 
4- مطابقة القصد للواقع([5]) لا الاعتقاد فان الصدق والكذب مرتهنان به. 
 
انفكاك القصد عن الاعتقاد: 
 
توضيحه: ان النسبة بين القصد والاعتقاد هي من وجه؛ إذ قد يكون اعتقاد ولا قصد وقد يكون العكس, وقد يجتمعان في مورد ويظهر ذلك أكثر في (الإقرار) فان الشخص لو اقر بشيء قاصدا له لكن غير معتقد به، فهل يلزم بإقراره؟ – وهذا بحث لطيف - كما لو اقر شخص بانه مدين لآخر وكان قاصداً لذلك ولكن القاضي يعلم ان المقر شاك أو غير معتقد بذلك, فهل الملاك في الإقرار وقبوله الاعتقاد ام القصد؟ الظاهر ان المعيار والملاك هو القصد لا الاعتقاد، نعم لو علم بعدم اعتقاده فانه يندرج في بحث علم القاضي وهل له ان يعمل به أولا، لا في بحث موازين إقرار المقر وذلك إن إقرار العقلاء على أنفسهم حجة واما عكس ذلك فكما لو كان الشخص معتقدا غير قاصد كما لو كان معتقدا انه مدين بدين ولكن اقر نائما([6]) فانه مع هذا هل يُلزم بارتكازه المبرَز بلفظ لم يقصده. 
 
والخلاصة: (الإقرار) من الأدلة على انفكاك الاعتقاد عن القصد. 
 
حيث لا قصد فلا حكاية فلا كذب 
 
وفيما نحن فيه نقول : 
 
قد يقال: ان القصد في الصدق والكذب هو المعيار ذكرنا سابقا مثال ان المعلم في مقام التعليم لو قال: زيد قائم جملة اسمية وهو في مقام الشرح فلا يصح ان نقول انه كاذب؛ وذلك ان المعلم لم يقصد الحكاية واراءة الواقع وان كان اللفظ بما هو هو مرآة للواقع، فبذلك يظهر ان القصد ذو مدخلية في صدق عنوان الكذب او الصدق، والشاهد الآخر هو الغالط كما لو أراد شخص ان يقول ذهب علي الى المدرسة فقال غلطا ذهب زيد إلى المدرسة فهل يمكن ان نرميه بالكذب؟ ام نقول انه غلط في كلامه؟ وقد حللنا ذلك سابقا وميزنا بين الكذب في (الخبر) و(الإخبار) فراجع([7]) 
 
صغرى المقام: وكذلك الهازل فانه لا يقصد الحكاية عن الواقع فلا يصح وصف كلامه بالكذب. فتأمل([8]) 
 
تزاحم ظهور القصد مع ظهور اللفظ: 
 
اشرنا سابقا وأوضحنا في بحث مفصل النسبة بين الفعل من جهة وبين النية او القصد من جهة أخرى وقلنا ان النية قد تعطي وجها للفعل وبالعكس، وانه تارة يكون ظهور الفعل أقوى من ظهور القصد وتارة أخرى يكون العكس([9]) 
 
وهنا يجري نظير ذلك البحث ولكن ليس بين ظهور الفعل والنية، وإنما بين ظهور القصد وظهور اللفظ فانه كذلك تارة يغلب ظهور اللفظ ظهور القصد وأخرى يكون العكس، فلو ان شخصا أراد إيقاظ آخر لصلاة الصبح فليس له أن يوقظه بالسباب متذرعاً بان قصده هو الإيقاظ ولم يقصد مدلول اللفظ والسباب وذلك ان ظهور اللفظ (السباب) هو أقوى من ظهور القصد (أو عدمه) فان الشخص حتى لو جرد السب عن معناه فذاك حرام شرعا وليس بجائز هذا من جهة، ومن جهة أخرى قد يكون ظهور القصد أقوى من ظهور اللفظ كما هو الحال في الغيبة في نصح المستشير فان اللفظ ظاهر في الغيبة – إذ هي ذكر أخاك بما يكرهه - وهو محرم ولكن القصد مادام هو النصح فهو راجح وجائز . وكذلك في الشخص الذي يحاول ان يجري الصلح مع عدوه لكن بقصد الخداع فلابد ان يتجنب ذلك فان النية والقصد تغلب ظهور اللفظ. 
 
صغرى المقام: 
 
وفي مورد بحثنا نقول: ان القصد يغلب ظهوره ظهور اللفظ، في الكذب الهزلي (كما ان واقع القصد يغلب واقع مدلول اللفظ)([10]) فحيث ان الكلام صدر في مقام الهزل والمزاح وكان بهذا القصد فلم يكن المراد منه الحكاية وعندئذ لا ينطبق عليه عنوان الكذب ثبوتاً وان لم يقم قرينة. 
 
ويختلف هذا الوجه عن الوجه السابق حيث كان المدار هناك على قيام القرينة([11]) واما ههنا فيقال حتى لو لم يقم قرينة فحيث لا قصد لا كذب أي حيث لم يقصد الحكاية فليس بكاذب. 
 
الوجه الثالث: الانصراف 
 
والشيخ الانصاري سلك وجه ثالثا حيث قال بانصراف الأدلة عن الكذب المزاحي غير المقصود، ولكنه لم يذكر وجه الانصراف، وسنذكر بعض وجوهه لاحقاً بإذن الله. 
 
وعبارته: ( وأما نفس الهزل وهو الكلام الفاقد للقصد الى تحقق مدلوله فلا يبعد انه غير محرم مع نصب القرينة على إرادة الهزل كما صرح به البعض ولعله لانصراف الكذب الى الخبر المقصود ) انتهى 
 
وعليه: فان الخبر غير المقصود لا تشمله الأدلة للانصراف وللكلام تتمة وصلى الله على محمد واله الطاهرين 
 
 
([1]) وعليه فان النتيجة تعتمد على التفصيل في الإدخال والإخراج الموضوعي للكذب الهزلي في الكذب 
 
([2]) وستأتي منا مناقشة لذلك. 
 
([3]) وهذا مقياس جديد وبحسب تتبعي الناقص لم نجد من علماء البلاغة والأصول من طرحه سلباً أو إيجاباً فتدبر 
 
([4]) وقد استشهدوا بذلك بقوله تعالى: (إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ) والجواب مذكور في محله. 
 
([5]) مع مطابقة القول للواقع أو دونه. 
 
([6]) أو ساهيا أو غالطا بان أحرز انه أراد قول أمر آخر فغلط وقال ما قال. 
 
([7]) حيث استنتجنا هنالك ان الخبر قد يكون كذبا ولكن الإخبار لا يكون كذلك. 
 
([8]) سيأتي وجهه. 
 
([9]) حيث مثلنا بعدة أمثلة منها الانحناء أمام السلطان الجائر فانه لو انحنى لا بقصد ذلك وإنما بقصد السجود لله تعالى مثلاً فان عمله حرام لان ظهور الفعل أقوى من ظهور القصد وكذا لو انحنى أمام الصنم أمام الناس فانه وإن كان بقصد التعرف على تضاريسه، إلا انه حرام لاقوائية ظهور الفعل من القصد. واما عكسه فكما في قوله تعالى: (...إِلاَّ مُتَحَرِّفاً لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلَى فِئَةٍ...) فان القصد هنا ظهوره اقوى من الفعل ولذا أجاز ذلك فتأمل 
 
([10]) هذه الإضافة جديرة بالتدبر إذ نقلنا بها البحث عن عالم الإثبات والظهورات إلى عالم الثبوت. 
 
([11]) لا يقال: ان القرينة المقامية موجودة فيعود هذا الوجه الى الوجه السابق؟ وبتعبير آخر: ان القصد لابد له من مبرز وهو القرينة سواء كانت لفظية او مقامية؟ ولكن جوابه إن الكلام تارة هو في عالم الثبوت وأخرى في الإثبات وكلامنا في الوجه الثاني هو في عالم الثبوت و هو كون عمل الشخص في نفسه حراما أولا او لا بغض النظر عن عالم الإثبات تشخيص الآخرين له خارجا والقرينة هي من عالم الإثبات واما القصد فهو من عالم الثبوت وعليه مدار الصدق والكذب على ما بيناه.

 


  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=173
  • تاريخ إضافة الموضوع : الاحد 20 محرم 1435هـ
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 02 / 23