• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : الاجتهاد والتقليد(1435-1436هـ) .
              • الموضوع : 558- اجوبة اخرى 1ـ الاعلمية في الحسيات بالاحفظية وفي الحدسيات بالافهمية 2ـ بناء العقلاء على منوطية الاعلمية بالافهمية 3ـ كثرة الروايات قد توجب لغير المجتهد التحيّر 4ـ توفر المصادر وتبويب الروايات غير مستلزم للمساواة لـ: أـ الاختلاف في التبويب ب ـ اضافة ادلة اخرى 5ـ وغير ذلك .

558- اجوبة اخرى 1ـ الاعلمية في الحسيات بالاحفظية وفي الحدسيات بالافهمية 2ـ بناء العقلاء على منوطية الاعلمية بالافهمية 3ـ كثرة الروايات قد توجب لغير المجتهد التحيّر 4ـ توفر المصادر وتبويب الروايات غير مستلزم للمساواة لـ: أـ الاختلاف في التبويب ب ـ اضافة ادلة اخرى 5ـ وغير ذلك

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة الأبدية على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
تقليد الأعلم
(82)
دعوى ان الأعلم في زمن النص هو الحافظ لروايات أكثر
كما انه ترد على القول بـ: (فإنّ الاعلم والافقه في عصر الائمّة (عليهم السلام) كان يطلق على من روى وحفظ أحاديث أكثر من غيره ـ كما ربما يظهر أيضاً من إضافة الاعلم والافقه إلى دين الله، وأمر الله، وأحاديثنا ـ أمّا اليوم فليس بين الفقهاء المراجع أعلم من هذه الجهة وكلّهم متساوون في مقدار الاحاطة بالاخبار والاثار، لانّ الروايات مدوّنة في كتب مطبوعة هي في متناول الجميع، ومبوّبة حسب المسائل والاحكام، وكلّ ما يراه فقيه يراه غيره، وإنّما الافقه والاعلم في هذا العصر يقال للذي تمرّن في ردّ الفروع إلى الاُصول أكثر، أو كان أكثر ذكاءً وفهماً ـ على ما يأتي من الخلاف والكلام فيه إن شاء الله تعالى ـ وبين المفهومين عموم من وجه، ولا أقل من الاجمال)([1]) الوجوه التالية:
الأجوبة:
الفرق بين الأعلم في الحسيات والأعلم في الحدسيات
أولاً: ان الأعلم إنما يكون بالرواية والحفظ الأكثر في الحسيات فقط، إذ لا تحتاج الحسيات – ومنها المسموعات – إلى إعمال نظر وفكر واستدلال ولا تتوقف على الاستنباط، بل الناس جميعاً فيها سواء لو تساوت قدرة حواسهم الخمسة، وقد يكون المقلد أقوى في بعض حواسه من المجتهد فلو كان ملاك التقليد فرضا بالحواس والحفظ – والمقام من صغرياتها لأنه سمع روايات أكثر أو قرأ فحفظ أو من دون حفظ – لوجب على المجتهد تقليد العامي إذا سمع أو قرأ روايات أكثر وحفظها، ولذا نجد ان ملاك الرواية حيث كان الوثاقة في النقل بعد سلامة الحواس المشار إليها في الجملة بكونه ضابطاً، كان قول الرواي – أي روايته – حجة على المجتهد وان رواها العامي المحض.
اما في الحدسيات فلا ريب ان الأعلم لا يكون بالحفظ الأكثر، بل بالفهم الأجود أو الأدق أو شبه ذلك([2]) على الخلاف، وقد سبق بيان هذا الوجه بعبارة أخرى في الدرس السابق، بل لعله من البديهيات؛ فان الطبيب الأعلم ليس من حفظ أقوال أطباء أكثر بل ليس حتى من حفظ أسماء أمراض أو أسماء أدوية أكثر أو حفظ نسخاً أكثر من غير ان يتميز بملكة الاجتهاد والقدرة على تمييز الموضوع وتطبيق الكبريات (العلاجات المختلفة) على الصغريات المتنوعة المتشتتة.
بناء العقلاء على منوطية الأعلمية بأجودية الفهم و...
ثانياً: ان بناء العقلاء في الأعلم فيما توقف على الملكة على منوطيته بالأقدر على الاستنباط والأجود فهماً للمدارك ولتطبيقها على المصاديق، وليس على الأكثر حفظاً، ودونك بناؤهم في مختلف الأبواب من علم الكلام إلى الأصول إلى الطب إلى الهندسة إلى غير ذلك.
نعم ما لا يتوقف على الملكة كغالب مسائل علم الجغرافيا والحساب فان الأعلم فيه هو الأكثر حفظاً، هذا كله إن لم نقل بحكم العقل بذلك.
أكثرية الرواية والحفظ قد تضاد معرفة الحكم الشرعي
ثالثاً: أكثرية الرواية والحفظ للأحاديث من غير امتلاك قدرة التمييز بين الحجة واللاحجة منها أو ترجيح الأرجح من الحجتين أو من غير امتلاك قدرة معرفة وجه الجمع بين الروايات وشبه ذلك، تضادُّ – في الجملة – معرفة الحكم الشرعي والوصول إلى الحكم الصادر منهم عليهم الصلاة والسلام، وبعبارة أخرى: قد تكون الاحفظية وبالاً على صاحبها عكس الأفهمية التي قال (عليه السلام) فيها: ((أَنْتُمْ أَفْقَهُ النَّاسِ إِذَا عَرَفْتُمْ مَعَانِيَ كَلَامِنَا))([3]) اما الأحفظ غير الفَهِم فانه كما قال (عليه السلام): ((لَا نَعُدُّ الرَّجُلَ مِنْ شِيعَتِنَا فَقِيهاً حَتَّى يُلْحَنَ لَهُ فَيَعْرِفَ اللَّحْن‏))([4]) وهو ممن قال عنه (عليه السلام): ((رُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ إِلَى مَنْ هُوَ أَفْقَه‏))([5]) بل هو مشمول لقوله (عليه السلام) ((رُبَّ عَالِمٍ قَدْ قَتَلَهُ جَهْلُهُ وَ عِلْمُهُ مَعَهُ [لَمْ يَنْفَعْهُ‏] لَا يَنْفَعُه‏))([6])
ويكفي مثالاً على ذلك (العدالة) فقد وردت فيها روايات كثيرة جمع السيد العم منها أربعين رواية في (بيان الفقه)([7]) ومن الواضح ان تحقيق النسبة بين بعضها والبعض الآخر وبينها وبين العدالة وانها من وجه أو العموم والخصوص المطلق، بل فهم اختلافها ووجه أو وجوهه وانها فيمَ اختلفت، يتوقف على الفهم والقدرة على الاستنباط إن لم يتوقف على الافهمية والاقدرية، ومع عدمه يزداد الحافظ تحيراً، فمثلاً في صحيحة عبد الله بن أبي يعفور([8]) ((أَنْ تَعْرِفُوهُ بِالسِّتْرِ وَ الْعَفَاف))([9]) فما هي نسبة بين العفاف والعدالة؟ إذ قد يقال بان العفاف أعم منها مطلقاً، ثم ماذا يعني الستر؟ وهل المراد به – على تقدير كون المراد من المصدر المفعول – الستر عن أهل بيته؟ أو عن أصدقائه اللصيقين به؟ أو عن أهل محلته؟ أو عن أهل بلدته؟ إلى غير ذلك.
دعوى: توفر المصادر وتبويب الروايات ملاك التساوي
كما يرد على قوله (وكلّهم متساوون في مقدار الاحاطة بالاخبار والاثار؛ لانّ الروايات مدوّنة في كتب مطبوعة هي متناول الجميع، ومبوّبة حسب المسائل والاحكام، وكلّ ما يراه فقيه يراه غيره)([10])
الأجوبة: لا تلازم
أولاً: ان التساوي في مقدار الإحاطة لا يلازم التساوي في الأعلمية، ولا الأكثرية في الإحاطة تلازم الأعلمية، وإلا للزم الالتزام بان من يمتلك الوسائل وجامع أحاديث الشيعة أعلم مطلقاً ممن يمتلك الوسائل فقط، وان من يمتلكهما دون البحار مفضول مطلقاً بالنسبة لمن يمتلك الثلاثة لوجود روايات في البحار ليست فيهما مما تصلح دليلاً أو مؤيداً أو قرينة صارفة أو شبه ذلك.
وللزم الالتزام بان الشيخ الانصاري لو امتلك الوسائل والجواهر فقط هو مفضول بالنسبة للمجتهد الناشئ الذي امتلكها ومصادر أخرى كالمستدرك والجامع مثلاً، مع انه واضح العدم.
وللزم القول بان الفقيه الذي يحفظ أحاديث أكثر في زمننا أعلم ممن يحفظ أقل وإن كان أقوى ملكة وأجود استنباطاً وأقدر على رد الفروع للأصول، وهل يعقل ان يقول أحد بان مثل أبو علي بن سينا لو امتلك مصادر طبية أقل فانه مفضول بالنسبة لطالب مبتدأ في الطب يمتلك مصادر أكثر؟
الاختلاف في القدرة على الاجتهاد في التبويب
ثانياً: ان كون الروايات مبوبة، لا يستلزم تساوي العاميين أو الفقيهين، إذ المجتهد أو الأعلم قادر – وأقدر – على إعادة تبويب الأحاديث دون العامي أو غير الأعلم فان تبويبها اجتهادي وليس برواية أو آية ولعل الفقيه أو الأفقه يرى ان إدراج هذه الرواية في هذا الباب أو عدم إدراج تلك فيه، من خطأ من قام بتبويب الروايات.
وقد مضى التمثيل لذلك بمقبولة عمر بن حنظلة إذ صنّفها الحر العاملي في الوسائل في باب وجوه الجمع بين الأحاديث المختلفة، وأدرج ذلك كله في الباب التاسع من كتاب القضاء صفات القاضي، وصنّفها السيد البروجردي في باب ما يعالج به تعارض الروايات من الجمع والترجيح وغيرهما – الباب (6) ج(1) المقدمات وأصول الفقه، بينما استدل بها([11]) بعض الأعلام – كما سبق – على تعارض الفتويين – مع ان هذه أبواب ثلاثة – فيما نرى ان صدرها في الترجيح بصفات القاضي – وإن كان مرجع بعضها مآلاً للافقهية في الرواية – وان ما بعدها هو في التمييز بين الحجة واللاحجة من الروايتين وإلا فالارجح منهما – كما سبق.
الأعلم بمقدوره استنباط أدلة أكثر
ثالثاً: ان كونهم متساوين في مقدار الإحاطة بالأخبار غير تام أيضاً، وذلك لأن الآيات والروايات المذكورة في المجاميع الحديثية وإن كانت محصورة إلا ان المجتهد – فكيف بالأعلم – قد يضيف لأدلة المسألة رواية موجودة في باب آخر أو آية أخرى غفل أرباب المجاميع عن دلالتها على المسألة سواء ارتأى دلالتها بدلالة الاقتضاء أم التنبيه والإشارة أم غير ذلك.
وكمثال على ذلك: ان المعروف ان آيات الأحكام هي ستمائة آية، بينما أبلغها السيد الوالد في موسوعة الفقه إلى ألف آية – بين دليل ومؤيد وقرينة وشبه ذلك -.
فرق الأعلم في الزمنين
والتحقيق: ان الأعلم في زمن الأئمة (عليهم السلام) كان هو الأكثر إحاطة بالروايات مع أجودية الفهم، إلا ان الاستنباط كان مبسطاً أكثر وكان الوصول للحكم أسهل، اما الأعلم في هذا الزمان فضابطه هو هو إلا ان الاستنباط أصعب للبعد عن زمن النص ولهذا تفصيل يوكل إلى مظانه.
وبذلك انتهينا من الأدلة التي استدل بها على تعيّن تقليد الأعلم وقد ضمنّاها بعض الأدلة الدالة على عدم تعينه والتي استظهرنا انها تفيد فقط الترجيح بالأعلمية، كبناء العقلاء كما مضى تفصيله، فلنعطف عنان الكلام إلى الأدلة التي استدل بها على التخيير بينه وبين الأعلم وعمدتها بعد بناء العقلاء، الاطلاقات.
من الأدلة على عدم تعيّن تقليد الأعلم: الإطلاقات
قال السيد العم في بيان الفقه: (الدليل الاوّل لعدم وجوب تقليد الاعلم مطلقاً، الاطلاقات:
أمّا الدليل الاوّل: فهو عمومات واطلاقات الايات والروايات الدالّة على الرجوع إلى «الفقهاء»([12]) و «العلماء»([13])، و «كل مسنّ في حبّنا»، و «أهل الذكر»([14])، ونحوها، فاطلاقها وترك الاستفصال فيها دليل التخيير بين أفرادها: العالم والاعلم. ومع الشكّ في إرادة الاطلاق في أمثال ذلك فالاصل الاطلاق كما حقّق في محلّه) ([15]).
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
======================

 


  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=1732
  • تاريخ إضافة الموضوع : السبت 11 شعبان 1436هـ
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 02 / 23