• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : المكاسب المحرمة (1435-1436هـ) .
              • الموضوع : 343- توضيح وتحقيق الادلة الثلاثة: الانصراف، عموم التعليل، وان الظالم والمبتدع لاحرمة له .

343- توضيح وتحقيق الادلة الثلاثة: الانصراف، عموم التعليل، وان الظالم والمبتدع لاحرمة له

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
النميمة
(46)
أدلة جواز النميمة بين الظلمة وأهل البدع
سبقت الإشارة إلى بعض أدلة جواز النميمة على الظلمة وأهل البدع فلنضف لها بعض ما يؤيدها أو يكملها:
الانصراف
بدعوى مناسبة الحكم والموضوع والمتعلق.
والحكم: الحرمة، والمتعلق: النميمة، والموضوع: الحاكم الظالم وأهل البدع([1]) فان حرمة النميمة تناسب المؤمن دون الظالم والمبتدع وبدعوى ارتكازية كون الوجه في حرمة النميمة والغيبة والسباب وشبهها هو حرمة المؤمن ولا حرمة للظالم والمبتدع بحسب ارتكاز المتشرعة.
وبدعوى ان ذلك هو المستفاد من التعليل الوارد في بعض روايات النميمة كـ((فَإِنَّ النَّمَّامَ شَاهِدُ زُورٍ وَ شَرِيكُ إِبْلِيسَ فِي الْإِغْرَاءِ بَيْنَ النَّاس...‏))([2]) فان الإغراء بين الظلمة والمبتدعين كي يرتدعوا عن ظلمهم وبدعتهم بل كي لا يتوسعوا أكثر بل كي لا يتعلم منهم الناس، بل مطلقاً مطلوب حسب مرتكز المتشرعة وعلى حسب ما يراه العقلاء، فذلك الذي يوجب صرف أدلة حرمة النميمة إلى غير المبتدع وغير الظالم.
ولكن يرد على دعوى مناسبة الحكم والموضوع، انها لا تفيد إلا التأييد ولم تبلغ مرتبة توجب الاخلال بالاطلاق عرفا. فتأمل وعلى الارتكازية، ان إثبات كون حرمة المؤمن هي العلة المنحصرة – لا الحكمة أو احدى العلل – بحاجة إلى دليل وثبوت ذلك في الغيبة لا يستلزم ثبوته في النميمة.
واما الوجه الثالث فلعله بضميمة ما سيأتي في عنوان احترام المؤمن، كافٍ في المطلوب. فتأمل، والظاهر ان مجموع ما ذكر بضميمه ما سيأتي يورث الاطمئنان بالجواز.
عدم ثبوت حرمة للظلمة وأهل البدع
وقد مضى بعض الكلام، ونضيف:
ان الروايات المستفيضة دالة على عدم ثبوت حرمة للحاكم الجائر والمبتدع ويستفاد منها في حقهما جواز مطلق ما يعد في العرف هتكاً لحق الغير من غيبته أو النميمة عليه أو إهانته وازدرائه أو سبه وشتمه.
ومنها: رواية ابي البختري ((ثَلَاثَةٌ لَيْسَ لَهُمْ حُرْمَةٌ صَاحِبُ هَوًى مُبْتَدِعٌ وَ الْإِمَامُ الْجَائِرُ وَ الْفَاسِقُ الْمُعْلِنُ بِالْفِسْقِ))([3]) وهي صريحة في نفي ثبوت حرمة لهم فان النكرة (حرمة) في سياق النفي تفيد العموم، فلو استظهر ان حرمة تلك المحرمات إنما هو بلحاظ حرمة الطرف لتمّ المطلوب وإلا فلا.
وصحيحة ابن أبي يعفور ((وَالدَّلَالَةُ عَلَى ذَلِكَ كُلِّهِ أَنْ يَكُونَ سَاتِراً لِجَمِيعِ عُيُوبِهِ حَتَّى يَحْرُمَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ مَا وَرَاءَ ذَلِكَ مِنْ عَثَرَاتِهِ وَعُيُوبِه‏))([4]) فان المبتدع والظالم صغرى هذه الكبرى إذ ليس المبتدع ساتراً لعيبه، وهي البدعة وهي أعظم العيوب بل ولا الظالم.
وفيه: انه أخص من المدعى وان النسبة بين النميمة وبين تفتيش ما وراء ذلك من عثراته هي من وجه، إلا ان يستدل بالتلازم عرفاً بين التفتيش والنميمة أو انه ظاهر في كونه لها. فتأمل
ورواية هارون بن الجهم (( إِذَا جَاهَرَ الْفَاسِقُ بِفِسْقِهِ فَلَا حُرْمَةَ لَهُ وَلَا غِيبَةَ))([5]) الظاهر في أن (ولا غيبة) هي من عطف الخاص على العام، والدالة على ان تمام العلة لسلب حرمته هي تجاهره بالفسق وان تمام العلة لجواز غيبته سلب حرمته. فتأمل
ونظير الاستدلال بها الاستدلال بقوله (عليه السلام) ((مَنْ أَلْقَى جِلْبَابَ الْحَيَاءِ لَا غِيبَةَ لَهُ))([6]) فان المبتدع والظالم ملقٍ لجلباب الحياء، وفيه انه اخص من المدعى كما سبق وانه لا تلازم بين نفي حرمة غيبته لأجل إلقاء جلباب الحياء وبين نفي حرمة النميمة عليه.
وقد يؤيد ما ذكر بما قاله في جامع المقاصد في الغيبة وما قاله الشيخ أيضاً في المكاسب (أن حرمة الغيبة لأجل انتقاص المؤمن وتأذيه منه، فإذا فرض هناك مصلحة راجعة إلى المغتاب - بالكسر، أو بالفتح، أو ثالث - دل العقل أو الشرع على كونها أعظم من مصلحة احترام المؤمن بترك ذلك القول فيه، وجب كون الحكم على طبق أقوى المصلحتين، كما هو الحال في كل معصية من حقوق الله وحقوق الناس، وقد نبه عليه غير واحد.
قال في جامع المقاصد - بعد ما تقدم عنه في تعريف الغيبة -: إن ضابط الغيبة المحرمة: كل فعل يقصد([7]) به هتك عرض المؤمن أو التفكه به أو إضحاك الناس منه، وأما ما كان لغرض صحيح فلا يحرم، كنصح المستشير والتظلم وسماعه والجرح والتعديل ورد من ادعى نسبا ليس له والقدح في مقالة باطلة خصوصا في الدين)([8])
وقال السيد الوالد: (ثم هناك عناوين محرّمة أخرى لم يذكرها الشيخ قدس سره وقد ذكرنا بعضها في (الآداب والسنن)([9]) و(الواجبات والمحرمات)([10]) وغيرها، مثل الإهانة، والإستهزاء، والسخرية، والتحقير، وما أشبه، وكلها محرّمة بالنسبة إلى المؤمنين، والآيات والروايات والإجماع والعقل دلّت عليها، وبينها وبين السب والغيبة عموم من وجه، والمستثنيات هنا مثلها في تينك المسألتين، وسيأتي في مبحث المسألة الثانية بعض الكلام المرتبط بالمقام)([11]).
ووجه عدم الدلالة([12]) ان ذلك تنقيح مناط ظني من باب الغيبة إلى باب النميمة.
والظاهر ان مجموع ذلك قد يفيد الانصراف – وهو الوجه الأول – ولا يصلح دليلاً مستقلاً خاصة على مسلكنا العام من ان علل الشارع الظاهرية هي حِكَم.
عموم التعليل: (كي لا يطمعوا في الفساد في الإسلام)
فقد جاء في صحيحة داود بن سرحان ((إِذَا رَأَيْتُمْ أَهْلَ الرَّيْبِ وَالْبِدَعِ مِنْ بَعْدِي فَأَظْهِرُوا الْبَرَاءَةَ مِنْهُمْ وَأَكْثِرُوا مِنْ سَبِّهِمْ وَالْقَوْلَ فِيهِمْ وَالْوَقِيعَةَ وَبَاهِتُوهُمْ كَيْلَا يَطْمَعُوا فِي الْفَسَادِ فِي الْإِسْلَامِ وَيَحْذَرَهُمُ النَّاسُ وَلَا يَتَعَلَّمُوا مِنْ بِدَعِهِمْ يَكْتُبِ اللَّهُ لَكُمْ بِذَلِكَ الْحَسَنَاتِ وَيَرْفَعْ لَكُمْ بِهِ الدَّرَجَاتِ فِي الْآخِرَةِ ))([13])
وقد سبق بعض الكلام، ونضيف:
ان قوله (عليه السلام) (كي لا يطمعوا في الفساد في الإسلام) يكشف بالبرهان الإنّي عن أحد أمرين على سبيل البدل: اما انهم لا حرمة لهم ولم يُشرَّع تحريم سبهم والبراءة منهم والقول فيهم لذا أمر الرسول (صلى الله عليه وآله) بذلك كله([14]) وذلك يعني انه لا مقتضي لتحريم ذلك بالنسبة لهم.
واما انهم وإن وجد المقتضي للتحريم – من الحرمة أو غيرها – إلا انه زوحم بالأهم وهو كيلا يطمعوا في الفساد في الإسلام وكي يحذرهم الناس وكي لا يتعلمون من بدعهم([15])، وحيث كانت مصلحة الأهم بالغة حد المنع من النقيض حتى مع وجود مصلحة في المهم، وجب كل ذلك.
وعلى كلا التقديرين فان دلالة الرواية على العلية وعلى وجوب تلك الأمور واضحة.
بل قد يقال بان النميمة هي صغرى كبرى (القول فيهم) وتؤكده أصالة عطف المباين على المباين إذ لحقه (والوقيعة فيهم) فتأمل
الإشارة لعناوين أدلة أخرى
وقد يستدل على جواز النميمة على الحاكم الجائر بل مطلق الظالم وعلى المبتدع بآيات وروايات مختلفة نشير لها ولأحد أوجه الاستدلال بها فقط من غير جرح وتعديل موكلين ذلك إلى عقد مسألة خاصة بها إن شاء الله تعالى.
فمنها قوله تعالى: ( وَلَمَنْ انتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ) فان النميمة نوع انتصار عرفاً، وما ورد في بعض الروايات من تفسيرها بالقائم صلوات الله عليه فانه تفسير باجلى المصاديق ولا يراد به الحصر.
قال السيد الوالد في المكاسب المحرمة في بحث الغيبة (ومن المستثنيات: غيبة الظالم وإن كان متستّراً به، إجماعاً.
قال سبحانه: ( لا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنْ الْقَوْلِ إِلاَّ مَنْ ظُلِمَ) فإنها من مصاديقه كما لا يخفى، فإشكال الايرواني قدس سره بأنه ليس من مصاديقه غير ظاهر الوجه، كما ان تفسيرها في الرواية بالشتم من باب المصداق.
واستدلّ له بجملة من الآيات الاخر، مثل قوله تعالى: ( وَلَمَنْ انتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُوْلَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ)، فإن الغيبة نوع من الانتصار.
وقوله سبحانه: (وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمْ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ).
وقوله تعالى: (فَمَنْ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ...)
وقوله سبحانه: (وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ).
والإشكال بأنها أجنبية عن المقام غير ظاهر، لأن المعيار رؤية العرف في المصداق وهم يرون ان الاغتياب للظالم نوع انتصار وردّ اعتداء وجزاء سيئة يعني في قبال السيئة، بل لو قيل بعدم الدلالة فلا شك ان الملاك يشمل المقام)([16]) ويجري نظير ما ذكره جوابا على الإشكال، في النميمة.
ومنها: قول الصديقة الزهراء صلوات الله عليها: (فَأَنْقَذَهُمْ مِنَ‏ الْغَوَايَةِ وَ بَصَّرَهُمْ‏ مِنَ الْعَمَايَة)([17]) مما يمكن ان يستدل به([18]) على جواز النميمة على المبتدع والظالم لو وقعت طريقاً لتبصرة المخدوعين بالمبتدع أو الجاهلين بكونه حاكماً جائراً، من العماية وانقاذهم من الغواية، لكنه اخص من المدعى والجواز بالمعنى الأعم، عليه مقدمي للأهم والمهم.
ومنها: ما ورد من ((إِنَّ الْأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ وَ النَّهْيَ عَنِ الْمُنْكَرِ سَبِيلُ الْأَنْبِيَاءِ وَ مِنْهَاجُ الصُّلَحَاءِ فَرِيضَةٌ عَظِيمَةٌ بِهَا تُقَامُ الْفَرَائِضُ وَ تَأْمَنُ الْمَذَاهِبُ وَ تَحِلُّ الْمَكَاسِبُ وَ تُرَدُّ الْمَظَالِمُ وَ تُعْمَرُ الْأَرْضُ وَ يُنْتَصَفُ مِنَ الْأَعْدَاءِ وَ يَسْتَقِيمُ الْأَمْرُ فَأَنْكِرُوا بِقُلُوبِكُمْ وَ الْفِظُوا بِأَلْسِنَتِكُمْ وَ صُكُّوا بِهَا جِبَاهَهُم))([19]) مما بحثناه في فقه التعاون([20]) فان بالنميمة على المبتدع والجائر قد تأمن المذاهب وترد المظالم وينتصف من الأعداء ويستقيم الأمر، والحاصل ان النميمة قد تكون صغرى كبرى النهي عن المنكر دفعاً أو رفعاً.
وفيه: ان النسبة من وجه فلا تفيد إلا في الجملة حيث تطابق العنوانان.
إلى غير ذلك مما يحتاج تفصيل بحثه إلى موضع آخر.
وآخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين
وصلى الله على محمد واله الطيبين الطاهرين
=============================

  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=1737
  • تاريخ إضافة الموضوع : الاحد 12 شعبان 1436هـ
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 02 / 23