• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : الفوائد والبحوث .
              • الموضوع : 71- استقراء معاني (العرْض) في اللغة يشهد بارجاع كافة المعاني لمعنيين .

71- استقراء معاني (العرْض) في اللغة يشهد بارجاع كافة المعاني لمعنيين

ان (العرض) الذي اشتق منه التعارض الذي ذكر في مرفوعة زرارة ، مشترك لفظي بين المعنى الاسمي والوصفي، وهنا نقول: انه يدل عليه اضافة الى ما سبق: الاستقراء في كتب اللغة وتتبع كافة المعاني – وهي اكثر من عشرين– التي ذكرت في كتب اللغة للعرض فان التأمل والتدبر فيها يرشد الخبير بوضوح الى انها جميعاً مشتقة من العرض باحد المعنيين، وليس العرض مشتركاً بينها فيها  باجمعها ولا هو فيها مجاز ولا انها جميعاً بما فيها العرض بالمعنى الوصفي مشتقة من العرض بالمعنى الاسمي الذي هو خلاف الطول كما ادعاه بن فارس في معجم مقاييس اللغة.
وسيظهر من الاستقراء التالي وتعليقاتنا ان دعوى الاشتراك اللفظي بينهما ليست للأصل العملي كلما دار الامر بين الاشتراك اللفظي والمعنوي او الحقيقة والمجاز؛ اذ لا اصل عملي يرجع اليه لدى الشك بل هو استظهار مستند الى ظهور مجموع الالفاظ بمعانيها – أي المستعمل فيها – في ذلك ، بضميمة التبادر والاستهجان الماضي ذكره.
فلنذكر المعاني التي ذكرها اللغويون للعرض ، مع الاشارة الى استظهار رجوعها الى احد المعنيين:
معاني اخرى كثيرة، لـ(العرْض) وبيان مرجعها:
وقد ذكرت للعرض وبعض مشتقاته في كتب اللغة معاني او استعمالات اخرى :
منها : العَرْض : الجيش العظيم ، وخلاف النقدين من المال، والجبل، والاظهر انها معاني اسمية اشتقت من المعنى الوصفي اي انها لظهورها وجلائها سميت بالعرض وإن امكن الوجه الآخر، لان الجبل يملأ عرض السماء والجيش يسد عرض الطريق.
منها : العَرض : الوادي، وقيل جانبه، وقيل عرض كل شيء ناحيته، ويحتمل فيه الوجهان فان تسمية الوادي بالعرض يحتمل ان يكون لكونه ظاهراً ويحتمل ان لكونه معترضاً بين الجبال وقد وقع في عرضها.
منها: عُرْض النهر وعرض الحائط اي وسطه، والاظهر انه من المعنى الاسمي لأنه معترضٌ النهرَ او الحائط اي واقع في عرضه المقابل للطول، دون الوصفي وان امكن حمله على ان وجهه هو كونه الظاهر منه الا انه غير مراد والا لأُطلق على ما ارتفع منه وان لم يكن وسطه فتأمل.
العِرض: فان الظاهر انه مأخوذ من المعنى الوصفي فان عِرض الانسان هو اول ما يبدو للغير منه فان سمعه الشخص تسبقه؛ ولذا فُسّر ايضاً بـ العِرض: ما يمدح به ويذم.
منها : العَروض : الطريق الصعب، والظاهر انه من الاسمي لانه يعترض الانسان ويعارض مسيره.
ومنها : عَرَض الدنيا : ما يطمع فيه منها ، او ما نيل منها، او ما كان من مال قلّ او كثر، ويصلح للاشتقاق من المعنيين الاسمي والوصفي اذ وجهه: ما اعترض طريق الانسان للاخرة، أو ما ظهر للإنسان منها فلاحظ قوله تعالى (تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا)[1] فانه عرَضَ اما لأنه يظهر للإنسان ويتجلّى أمام ناظريه عكس الآخرة التي تخفى عادة على غير اللبيب، او لانه يعترض طريق الانسان للآخرة ويمنعه من نيلها.
ومنها : العوارض : الضواحك من الانسان، والاظهر المعنى الوصفي لظهورها فانها سميت بالضواحك لانها تكون ظاهرة للعيان عند ضحك الانسان ، وهي ثمانية اسنان ويقع في طرفي كل ناب اثنان منها ومهمتها طحن الطعام.
منها : العارض من كل شيء: ما يستقبلك، وظاهر انه لظهوره عليك لا لكونه في العرض المقابل للطول.
العارض: السحاب الذي يعترض افق السماء، وما سدّ الافق من النحل و الجراد، وظاهر انها من المعنى الاسمي.
وعارضا الانسان: صفحتا خديه.
وعارَضَ الشيء معارضةً : قابَلَه ومنه : عارضت كتابي بكتابه اي قابلته، والاظهر انه من الوصفي المتعدي اي اظهره عليه، واما عارضه في السير سار حياله وحاذاه فالاظهر انه من العرض اذ كان عرضه الى جانب عرضه.
العَرَض : ما يعرض للإنسان من الهموم والاشغال، وهذا اقرب للمعنى الاسمي اي: ما يعترضه اي يعترض طريقه وان امكن حمله على ما يظهر له ، ولكن معناه بحسب الارتكاز هو الاول.
شُبهة عارضة : معترضه في الفؤاد او ظاهرة فيه، ولكل منهما وجه وكل منهما له مورد اذ قد يُلاحظ اعتراضها افكار الانسان ومعتقداته وقد يُلاحظ ظهورها فجأة له.
وعروض الكلام : فحواه ومعناه وهذا قريب من المعنى الوصفي، واما قولهم ( هذه المسألة عروض هذه اي نظيرها ) فهذا اقرب للمعنى الاسمي اي هي في عرضها .
العروض من الابل : الصعبة المراس
المِعراض : سهم بلاريش ولانصل يصيب بعرض العود لا بحدّه، وحاله ظاهر.
العارضة : الرأي الجيد وقوة الكلام وتنقيحه، وهذا ظاهر في المعنى الوصفي .
عرّض لي بالشيء : لم يبيّنه ولعله من قبيل تسمية الشيء باسم ضده فهو من الاظهار ، ويحتمل كونه بمعنى اعطاني عرضه (الاسمي).
تعرّض : تعوّج اي في مشيته فاخذ يميناً وشمالاً لصعوبة الطريق وهو ظاهر في المعنى الاسمي.
والمعاريض: ما عُرِّض به ولم يصرح، وهذا على احدى تفسيراتها، والتورية بالشيء عن الشيء وهو مأخوذ من المعنى الاسمي لا الوصفي وان احتمل بوجه[2] وقد فصلنا الكلام حول (المعاريض) ومحتملات معانيها وذكرنا بعض مالم نذكره هنا في كتاب (المعاريض والتورية) فليراجع.
ومنها غير ذلك كالمنع قيل : منه قوله تعالى (  وَلَا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ ) سورة البقرة – 224 أي معترضاً مانعا لكم ان تبروا، وقد اوضحناه في كتاب (المعاريض والتورية).
و قد ظهر بما مضى ان بعض هذه المعاني يصح ارجاعها لكل من المعنيين الاوليين وبعضها اظهر في احداهما وبعضها ظاهر منحصر في احدهما فراجع ما سبق .
تنبيه: لا يتوهم مما ذكر ان وجه الارجاع لاحد المعنيين ليس الا وجه التجوز و علاقته، اذ الوجوه المذكورة يستظهر منها حال الواضع وانه حين وضع وضع لها بلحاظ احد الاصلين[3] فتدبر جيداً.
مناقشة ابن فارس في ارجاعه كل المعاني للمعنى الاسمي
وبذلك يظهر ان ارجاع البعض[4] كافه المعاني حتى الثاني والثالث[5] منها للمعنى الاسمي تكلّف لا دليل عليه بل لاوجه له؛ اذ لا دليل على التزام واضع اللغة، بل واضعوها[6] بوضع اللفظ لاصل واحد في كل مادة ثم التفريع عليه، عكس الهيئة التي ثبت فيها ذلك، خاصة مع لحاظ ان للمشترك اللفظي اضافة الى حسنه الذاتي وجهاً آخر وهو تعدد قبائل العرب التي كانت تستخدم الفاظاً في معاني مختلفة وقد تكون متضادة ، كالقرء ، ثم لما جُمِعت وضمّت نشأ منها الاشتراك اللفظي.
وجودُ اصلٍ ملاحَظٍ اعم من الوضع له
وبعبارة اخرى:
وجود اصل يمكن ان ترجع اليه كافة المعاني، بل ولحاظه حين الوضع، اعم من كون اللفظ موضوعاً له كجامع لها ، اذ يمكن وضعه لكل منها بوضع مستقل ، بل قد يحسن فان التنوع في الوضع جمال، اضافة الى وجود اغراض اخرى قد تقتضي الوضع بنحو الاشتراك اللفظي دون المعنوي:
ومن الاغراض: كثرة الحاجة للمعنى الجديد  الذي له اصل وان لوحظ بل وان كان حصةً منه ، فيوضع له بوضع مستقل كي لا يشمل اللفظُ إن اطلق كافةَ المعاني الفرعية ومنها هذا المعنى، بل حيث يعلم انه مشترك فيبحث عن معناه عبر القرينة المعيِّنة ، ويؤكده: الوضع التعيّني فلاحظ هذه الثمرة فيه، كما يؤكده الوضع في الاعراف الخاصة فانهم وان لاحظوا المعنى الاصلي الا انهم اصطلحوا على المعنى الجديد ووضعوا اللفظ له لا انهم استعملوه فيه استعمال الجامع في الحصة.
والحاصل : ان وجود اصل يمكن ارجاع كافة المعاني اليه لا يدل على وضع اللفظ له بما هو جامع لها حتى وان احرز لحاظه حين تعرض الواضع لـمعانيه الاخرى.
فائدة لغوية: الحكمة قد تستلزم الوضع بنحو الاشتراك اللفظي
هذا كله ، اضافة الى ان هناك حكمة اخرى قد تقتضي الوضع بنحو الاشتراك اللفظي دون المعنوي رغم توهم اسهليته وانه مقتضى القاعدة – المراد بها الغلبة – لابتناء اللغة العربية على اسلوب الاصل والتفريع ، فهي كالشجرة من عالم التكوين؛ الا ترى رجوع كافة الهيئات والصيغ (من التفاعل والاستفعال والانفعال ...الخ) الى المصدر ؟ ؛ وذلك[7] لان اللفظ لو وضع للجامع كان مشتركاً معنوياً بين حصصه فكلما اطلق عمّت الاحكام كافة الحصص، عكس ما لو وضع للحصص بنحو الاشتراك اللفظي فانه لو اطلق لما صح تعميم الحكم لكل الحصص ، بل دار الامر بين المتبائنات فوجب الفحص عن القرينة المعنية، وعلى أي فانه كثيراً ما يتعلق الغرض بذلك، ومنه نشأ الوضع التعييني في الاعراف الخاصة اضافة للتعيني فيما اذا اذ وضعت فيها للحصة بوضع تعييني – كالفقه لخصوص التفقه في الاحكام الشرعية لا لغيرها مما يشمله عنوان الفقه اللغوي الذي هو الفهم وكالكلام لعلم الكلام هذا ان لم نقل بالوضع التعيني فيها.
 ويوضح الثمرة المثال الاتي: فان (القرء) لو كان موضوعاً للجامع بين الحيض والطهر لصح التمسك باطلاق (وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ)[8] بان العدة اعم من 3 حيضات او 3 اطهار او بالاختلاف : طهران وحيض او حيضتان وطهر، لكنه حيث كان مشتركاً لفظياً بينهما لم يصح التمسك باطلاقه لتعميم الحكم اذ لا اطلاق له بل هو دائر بين المتباينات، بل وجب البحث عن القرينة المعنية للمراد.
لا اصل عملي يقتضي الاشتراك المعنوي
لا يقال:
هناك اصل عملي يقتضي الاشتراك المعنوي دون اللفظي ، لان الاشتراك اللفظي بحاجة الى مؤونة زائدة؟
اذ يقال: اضافة الى انه مثبت ، ان اللحاظين (لحاظ الجامع او لحاظ الحصتين) متباينان وليسا من الاقل والاكثر ليُنفى الاكثر الزائد بالأصل وان كان الملاحظان من الاقل والاكثر، بل ان الوضعين متباينان ايضاً فانه عند ملاحظة وضع الواضع يشك انه – ابتداءاً – وضعه للجامع او وضعه للحصة الخاصة؟ فتأمل
لا وجه لالغاء المتأخرين مباحث تعارض الاحوال من الاصول
وبذلك ظهر ان الغاء المتأخرين بحث تعارض الاحوال من الاصول ، لا وجه له وان استقر رأيهم على عدم وجود اصل يرجع اليه فانه كالغاء بحث حجية الشهرة والاجماع المنقول وقول اللغوي من الاصول بدعوى ان الرأي استقر على عدم حجيتها.
هذا. اضافة الى ان نفي وجود اصل عملي لا يستلزم نفي الاستظهار اللفظي فتأمل[9].
=============================
 

  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=1900
  • تاريخ إضافة الموضوع : 4 صفر 1437هـ
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 18