• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : المكاسب المحرمة (1434-1435هـ) .
              • الموضوع : 176- اجتماع الكذب بلا قرينة مع المبالغة ـ كلام الوالد 1ـ المبالغة قد تكون في ( الجهة ) اضافة للكم والكيف 2ـ البحث اعم من القول والاشارة والكتابة ـ المقياس القرينة والظهور لا الارادة والقصد ـ كلام الشيخ في نسبية التحسين والتقبيح .

176- اجتماع الكذب بلا قرينة مع المبالغة ـ كلام الوالد 1ـ المبالغة قد تكون في ( الجهة ) اضافة للكم والكيف 2ـ البحث اعم من القول والاشارة والكتابة ـ المقياس القرينة والظهور لا الارادة والقصد ـ كلام الشيخ في نسبية التحسين والتقبيح

 بسم الله الرحمن الرحيم 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم 
 
كان البحث حول المبالغة وانها كذب او لا؟ ذكرنا انه ينبغي التفصيل بان المبالغة مع قرينتها ليست بكذب، وإلا فهي كذلك، هذا ما قد اوضحناه سابقا مع مكمل سياتي في هذا التحقيق . 
 
متمم: لا منافاة بين عنواني الكذب والمبالغة 
 
ونذكر هنا متمماً لدفع وهم وهو : 
 
انه قد تتوهم المنافاة بين صدق عنوان المبالغة وبين صدق عنوان الكذب اذا لم تكن هناك قرينة في المقام فيقال: اذا لم يُقم القرينة فهو كذب وليس بمبالغة، 
 
اذن: الاشكال انه مع عدم القرينة ومع عدم المطابقة للواقع فانه كذب ولا يصدق عليه انه مبالغة 
 
بالإضافة الى وضوح صدق اطلاق المبالغة على المورد بالحمل الشايع الصناعي، انه اذا قال شخص مثلا ذهبت الى مكة خمسين مرة ولكنه لم يذهب إلا عشرين مرة و لم يقم قرينة على انه يريد الكثرة لا العدد بحدِّه فهذا الخبر كاذب ومبالغ فيه، اما انه كاذب فلان الفرض انه غير مطابق للواقع، واما انه مبالغة فلان الفرض زيادته على الواقع إذ انه قد حج عشرين حجة لا خمسين. 
 
بعبارة أخرى: انه مبالغة بالحمل الشايع الصناعي لمجاوزة الاثبات واقع الثبوت في ذلك. 
 
كلام السيد الوالد: اضافتان مهمتان 
 
وللسيد الوالد إضافتان مهمتان في المقام: 
 
1- المبالغة تشمل الجهة ايضا 
 
اما الاضافة الاولى فهي ان المبالغة لا تختص بالكم او الكيف فقط، وانما تشمل الجهة ايضا، أي: هنالك مبالغة جهوية، ومثاله لو ان شخصا قال لشيء ممكن انه محال فهذه مبالغة من حيث الجهة، كمن يقال له ان العلم قد تتطور فاخترع العلماء سيارة تطير فيقول ان هذا شيء محال، والوالد يدرج هذا النوع من الكلام ضمن المبالغة الصادقة دون الكذب (أقول: لكن بقيد وجود القرينة). 
 
وذلك لأنه لا يقصد من المحالية المذكورة المحالية الفلسفية والامتناع العقلي، وانما المقصود هو المحال العرفي، وهذا على القاعدة (إلا في اناطته الأمر بالقصد، ونرى انه ينبغي ان يناط بالقرينة وعرفية التعبير عن الممكن المستبعد بالمحال – كما سيجيء). 
 
وعبارة السيد الوالد في المكاسب المحرمة ([1]) هي: 
 
" سواء اكانت المبالغة من ناحية الكم ام الكيف ام الجهة كقوله للممكن ضروري او محال اذ المراد من ذلك غير المعنى اللغوي للفظ فالمراد من الكلام المقصود لا الملفوظ " ومراده ان الضرورة المذكورة هي الضرورة العرفية لا المنطقية او الفلسفية وان مصب الارادة هو ما قصده لا ما لفظه والمدار هو القصد لا اللفظ([2]) 
 
وهذا الفرع الذي ذكره السيد الوالد مورد ابتلاء، فان المبالغة جارية في الجهة أيضا، وهو تام ان كان قصده المبالغة بإفادة تنزيل هذا مكان ذاك وأقام قرينة عليه – كما مضى وسيأتي. 
 
ثم ان ذلك تام في المحاورات العرفية دون العلمية فانه قد يتكلم فيلسوفان او اصوليان او متكلمان في بحث علمي فانه ههنا لا مجال للمبالغة الجهوية([3])، فلو استخدم احدهم ذلك فانه يؤاخذ ولا يقبل منه([4]) ولذا نجد ان العلماء يتوخون الدقة في عباراتهم وفي كتبهم العلمية والاصولية وانهم يشكل عليهم لو لم يتوخوها ولا يقبل اعتذار احدهم بانه عبر تعبيراً مجازياً أو عرفياً إلا لو أقام القرينة. 
 
2- المبالغة شاملة للدائرة الاوسع من القول كالكتابة والاشارة وغيرها 
 
واما الاضافة الثانية التي ذكرها السيد الوالد فانه يقول: (وليس الاستثناء في اصله خاصا بالقول، بل يشمل الاشارة والفعل والكتابة مثل الاستعطاء...) 
 
وحاصل مراده: ان كون الكذب حراما واستثناء المبالغة لا يختص فقط بالقول بل يعم الاشارة والفعل والكتابة فلو قيل لاحدهم كيف هو زيد أو كيف علمه؟ فأشار للبحر قاصدا انه كالبحر في علمه – وكان زيد عالماً - فهذه مبالغة مقبولة صادقة اذا لم تتجاوز ما ذكرناه من الحدّ العرفي. 
 
واما في مثل الاستعطاء فهو كمن يريد ان يفيدنا باستعطائه انه لا يملك شيئا، فنفس الكلام جار . 
 
والجامع: ان دائرة الكذب والصدق لا تختص بإحدى العوالم، بل تشمل مختلف العوالم، أي: الوجود اللفظي والكتبي والذهني، فان أي تخالف لإحدى العوالم مع عالم الثبوت والواقع فهو كذبُ حكايةٍ او كذب حاكٍ - على القسمين المذكورين –. 
 
السيد الوالد: المدار على (المراد) 
 
ويقول السيد الوالد: (واذا تحقق موضوعهما([5]) فليسا بكذب لان المراد الكثرة لا الخصوصية ..) 
 
فهو قدس سره إذن يرى ان موضوع المبالغة والاغراق لو تحقق فهو ليس بكذب([6]), ويعلّله بان المدار هو على الارادة والقصد (لأن المراد....) 
 
التأمل: المدار هو على الظهور والقرينة لا الارادة والقصد 
 
والظاهر ان ما ذكره قدس سره من تعليل ليس بتام ؛ فان الكذب والصدق لا يدوران مدار المراد والإرادة حتى يعلل انه ليس بكذب بان المراد هو الكثرة لا الخصوصية، بل ان المدار هو على القرينة فالظهور الثانوي فان اقامها وانعقد الظهور فالمورد صادق والا فكذب . 
 
وهذا الاشكال يرد كذلك على السيد الخوئي؛ اذ انه وقع في نفس الاشكال حيث يقول في مصباح الفقاهة([7]): (والوجه في خروج المبالغة باقسامها عن الكذب هو ان المتكلم انما قصد الاخبار عن لب الواقع فقط، إلا انه بالغ في كيفية الاداء فتخرج عن الكذب موضوعا)، وكلامه قدس سره هنا أيضاً صريح في ان المدار على القصد، والكلام هو الكلام فان المقياس هو الظهور الثانوي ووجود القرينة لا ان المتكلم قصد كذا أو لم يقصد([8]). 
 
اذن: خروج المبالغة بأقسامها عن الكذب هو بوجود القرينة وانقلاب الظهور الاولي الى ثانوي، لا بالقصد والإرادة 
 
تتمة كلام السيد الوالد: تخالف المقصود والملفوظ 
 
وقال السيد الوالد: (ومنه يعلم انه لو اراد الملفوظ ولم يكن فهو كذب، او المقصود وكان فهو صدق فهو خارج موضوعا لا حكما) 
 
وتوضيح كلامه و مقصوده بمثال (كثير الرماد)، فلو قال زيد لبكر انك كثير الرماد التي تستخدم عادة كناية عن الكرم فلو اراد الملفوظ – أي معنى اللفظ بنفسه - ولم يكن رماد بيته كثيرا فهو كاذب وان كان كريما. 
 
ثم قال (او المقصود...) ومراده انه لو اراد كونه كريما وكان كذلك فهو صدق وإن لم يكن في بيته رماد أصلاً وعليه: فالمقياس عنده مصب الارادة والقصد، . 
 
ولكن قد ذكرنا التأمل على ذلك وان المدار على القرينة والظهور الثانوي وإلا فالظهور الأولي محكّم. 
 
كلام الشيخ الانصاري: نسبية المعرفة 
 
وهنا كلام هام للشيخ الانصاري حيث يقول: (وربما تدخل المبالغة في الكذب اذا كانت في غير محلها كما لو مدح انسانا قبيح المنظر وشبّه وجهه بالقمر، إلا اذا بني على كونه كذلك في نظر المادح فان الانظار تختلف في التحسين والتقبيح كالذوائق في المطعومات) انتهى. 
 
والشيخ في ظاهر كلامه يشير الى النسبية فقد اناط التحسين والتقبيح بالأنظار، وهذا مشكل، ولدينا على ذلك تفصيل كما لكلامه توجيه يأتي ان شاء الله تعالى وللكلام تتمة. 
 
وصلى الله على محمد واله الطاهرين 
 
 
([1]) المكاسب المحرمة مج 2 ص 37 
 
([2]) ولنا تعليق على هذا الكلام يأتي ان شاء الله 
 
([3]) بل ولا الكمية أو الكيفية فيما كانت ذات مدخلية في الدقة العلمية. 
 
([4]) إلا لو أقام قرينة على خروجه عن دائرة المصطلحات الدقيقة إلى دائرة التعابير العرفية. 
 
([5]) أي المبالغة والإغراق. 
 
([6]) وفرق المبالغة عن الاغراق ان المبالغة هي بالحدود المعروفة واما الاغراق فهو الإغراق في المبالغة والزيادة فيها ولكن هذا الاغراق له حدود ايضا 
 
([7]) مصباح الفقاهة ص 602 
 
([8]) وإرجاع البعض في مكان آخر الى القرينة تناقض ظاهرا وان امكن ضم احد الكلامين الى الاخر. فتأمل

  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=198
  • تاريخ إضافة الموضوع : الاثنين 25 ربيع الاول 1435هـ
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 02 / 23