• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : المكاسب المحرمة (1434-1435هـ) .
              • الموضوع : 193- فرعان : 1ــ عدم منوطية التورية بإرادة غير الظاهر 2ــ اشتراط صدقها بوجود العلاقة المصححة وإلا فهي كذب ـــ مناقشة ( فقه الصادق ) ــ الأدلة على جواز التورية حتى لو قيل بانها كذب: 1ــ ( الآيات ) كلام الطوسي في ( الخلاف ) .

193- فرعان : 1ــ عدم منوطية التورية بإرادة غير الظاهر 2ــ اشتراط صدقها بوجود العلاقة المصححة وإلا فهي كذب ـــ مناقشة ( فقه الصادق ) ــ الأدلة على جواز التورية حتى لو قيل بانها كذب: 1ــ ( الآيات ) كلام الطوسي في ( الخلاف )

 بسم الله الرحمن الرحيم 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم 
 
كان البحث حول التورية , وقد فرغنا من تعريفها واقسامها , وذكرنا ان معظم اقسامها ليست بكذب : الأقسام الثلاثة الاولى ليست بكذب, واما القسم الرابع فهو ينقسم بدوره الى ثلاثة اقسام فرعيه الاول والثاني منها ليس بكذب , واما الثالث فهو الكذب , هذا ما مضى. 
 
( فقه الصادق( عليه السلام ) ) : فرعان وشرطان 
 
ان عدداً من الاعلام ومنهم السيد الروحاني واخرون طرحوا فرعين, وسوف نعتمد على عباره السيد الروحاني في ذلك[1] . حيث يذكر في فقه الصادق( عليه السلام ) انه في صدق لتورية يعتبر امران : 
 
الفرع الاول: اشتراط عدم ظهور اللفظ في المراد ، في صدق التورية 
 
ان لا يكون الظاهر مقصودا وقد خفي على السامع لغبائه او لجهة اخرى , ومعه لو كان الظاهر مقصودا وقد خفي على السامع لجهة من الجهات فان هذه ليست بتورية , فلو كان السامع قد تشتت ذهنه فلم يفهم ظاهر كلام المتكلم , فلا يقال ان المتكلم قد ورى وعبارته : 
 
"يعتبر في صدق التورية امران اخران , احدهما ان يكون اللفظ بحسب المتفاهم العرفي العادي – وهذه هو الظهور النوعي- ظاهرا في غير ما اراده المتكلم فلو كان ظاهراً فيه لكن المخاطب لقصور فهمه لم يلتفت اليه لم يكن ذلك من التورية " انتهى, الذي ذكره هو قسم من الاقسام الأربعة التي مضت فإننا قد قسمنا التورية الى اربعة اقسام ومنها ما لو ستر الظاهر بالظاهر. 
 
المناقشة: بل هو من التورية لو قصدها 
 
لكن الظاهر ان هذا القسم هو من التورية ايضا ؛ اذ التورية تعني ستر شيء بشيء , وان تريد ما وراء الشيء وإن كان وراءه عنده – عند السامع- , فاذا كنت ملتفتا بانك لو قصدت ظاهر الكلام لسُتِر به مرادك فانك قد وريت , 
 
وبتعبير اخر: التورية ظاهرة في القصدية , والفعل الماضي هو (ورّى) وفيه لا فرق بين ان تكون جهة الستر مربوطة بالفاعل او مربوطة بالقابل كما لو كان قاصراً ذهنيا , فستر المتكلم (المقصود بظاهر اللفظ) بظاهر اللفظ ( فتدبر) , فان الستر ينطبق عليه ولا يشترط في الستر ان يكون سترا لدى النوع, وكأن السيد الروحاني يرى الستر هو نوعياً لا شخصياً , 
 
والحاصل: ان الستر والتورية على قسمين نوعية وشخصية , فلو اراد المتكلم خلاف ظاهر اللفظ فهذه تورية نوعية , واما لو اراد ظاهر اللفظ وهو يعلم ان السامع غافل ولا التفات لديه لهذا الظاهر فيكون المراد مستترا لخصوصه – والذي هو منكشف لدى النوع بظاهر اللفظ – فانه قد ورى وستر عن ذلك الشخص . 
 
ويتجلى هذا خاصة على مبنى السيد الروحاني 
 
فان الارادة هي المحور لديه فقد ذكر في تعريف الصدق والكذب وقال :"... وبذلك يظهر ان الكذب هو عدم مطابقه مراد المتكلم للواقع" , 
 
وفي صورتنا المذكورة في التورية نتساءل : هل ان المراد طابق الواقع او لا؟ والجواب : نعم . فهو صدق ، ثم نسأل : وهل ستره عنه قاصداً ستره عنه لعلمه بقصوره؟ والجواب نعم ، فهي تورية اذاً. فتأمل. 
 
- نعم على ما تبنيناه يوجد كلام ؛ لأننا قد ربطنا الصدق والكذب بظاهر اللفظ وقد حيّدنا الارادة - 
 
الا انه يمكن ان يفصل في المقام بما فصلناه سابقا من التفريق بين كذب الحكاية و بين كذب الحاكي , 
 
ولكن يرد عليه انه في مفردة التورية والستر والاخفاء لا يوجد مجال لكذب الحكاية ؛ اذ الاخفاء قائم بالـمُخفِي . فتأمل 
 
الفرع الثاني : اشتراط وجود علاقه مصححه في صدق التورية والا فهي كذب 
 
واما الامر الثاني الذي ذكره ( دام ظله )فهو انه يشترط امر شرط اخر في التورية وهو يشترط ان تكون هناك علاقة مصححة بين الظاهر والواقع المراد - والذي هو خلاف الظاهر - والا فالمورد سيكون كذبا وليس بتورية[2] , 
 
ويوضحه: ان شخصا لو رأى فيلاً فقال رأيت اسدا ومقصوده من الاسد الفيل فان السيد الروحاني يعتبر المورد كذبا لعدم وجود العلاقة المصححة بين الاسد والفيل، او لعدم قصدها, 
 
وكذلك لو قال : رأيت جدارا و مقصوده انه رأى نهراً مثلاً فالكلام نفس الكلام , واما المثال الذي يذكره السيد فهو: لو قال شخص اعطيت خمسين درهما ومقصودة درهما واحدا فإنه لا توجد علاقه مصححة فيكون المورد كذبا فهو حرام ؛ اذ شرط التورية وهو العلاقة المصححة ليس موجودا[3] . 
 
وعبارته: "وثانيهما ان تكون إرادة ذلك المعنى[4] من ذلك اللفظ صحيحة بان كان بينهما علاقة فلو كان استعماله فيه غير صحيح لما كان من التورية، مثلا : لو قال اعطيت زيدا خمسين درهما وقد اراد به درهما واحدا وقد اعطاه في الواقع درهما كان ذلك من الكذب لا من التورية " انتهى 
 
المناقشة : التورية منوطة بالارادة او بالقرينة لا بالعلاقة المصححة 
 
لكن الظاهر عدم تمامية ذلك وانها أي التورية صادقه حتى لو يكن بين اللفظ والمعنى المراد أية علاقه وترابط مصحح , وذلك على كلى المبنيين أي مبنى السيد تبعاً للشيخ ومبنى المشهور : 
 
اما على مبنى السيد فلانه يعرف الكذب بعدم مطابقة مراد المتكلم للواقع , وهنا فان المتكلم حيث كان مراده من الخمسين درهما هو الواحد وقد طابق الواحد الواقعَ , فبحسب تعريفه فإن هذا الكلام سيكون صدقاً لا كذباً . 
 
واما على مبنى المشهور ( لكن بضميمة ما ذكرناه ) يتضح مما اسلفناه لأن المشهور عرفوا الصدق بمطابقة ظاهر القول للواقع والكذب بخلافه , وقد ذكرنا ان المتكلم لو اقام قرينة نوعية فسينعقد الظهور الثانوي , ولو انه اقام قرينه خفية فسينعقد الظهور الواقعي , وحينئذٍ : فمن قال: رأيت جدارا ومقصوده رأيت نهرا فان اقام قرينه نوعيه فكلامه صادق , وكذلك الحال لو اقام قرينة شخصية ؛ وذلك ان الظهور الواقعي الثبوتي قد تغير بالقرينة المتصلة وقد طابق هذا الظهور الثانوي الواقع , نعم لو يقم قرينة ابداً فكذب . 
 
والمتحصل: ان المقياس ليس هو وجود العلاقة المصححة للتورية , بل المقياس بحسب السيد هو مطابقة المراد للواقع وهو حاصل في المقام , وبحسب المشهور مطابقة الظهور الثانوي الحاصل بالقرينة للواقع وهذا ايضا حاصل .( حتى مع القرينة الخاصة على ما بنيناه) 
 
الادلة على جواز التورية : الآيات والروايات 
 
ذكرنا سابقا ان التورية ليست بكذب موضوعا , ولكن لو تنزلنا وقلنا انها كذب , فهل توجد ادلة على جوازها؟ 
 
استدل الشيخ الانصاري في مكاسبه على الجواز بالروايات المتضمنة للآيات وتبعه الاعلام على ذلك فلم تعتبر الايات دليلاً بالاستقلال, الا ان الذي كان ينبغي هو ان يبتدئ الشيخ ويستدل بالأصل الاول وهو القران الكريم ثم بعد ذلك بالروايات , وهذا ما فكرنا به وملنا اليه , ثم وجدنا بعد ذلك ان الشيخ الطوسي في كتاب الخلاف قد صنع ذلك, 
 
والفرق بين المنهجين : ان استدلال الشيخ الانصاري بالروايات التي تذكر الآيات وتوضحها وتكمل وجه الاستدلال بها ، لو خدش فيه بدعوى ضعفها سنداً او دلالة لما بقي الاستدلال بالايات او لما اتضح وجهه على الاقل, فلا تدل على المراد ايضا , واما الشيخ الطوسي فقد ذكر الآيات براسها كدليل. 
 
الشيخ الطوسي: الحيل الشرعية وجواز استعمالها في الاحكام : 
 
قال الشيخ الطوسي في مسالة الحيل الشرعية وانها هل تجري في الاحكام او لا؟[5] :"الحيل في الاحكام جائزة وبه قال جميع اهل العلم , وفي التابعين من منع الحيل بكل حال , دليلنا على جوازها قوله تعالى في قصة ابراهيم( عليه السلام ): (قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِن كَانُوا يَنطِقُونَ[6]) فأضاف كسر الاصنام الى الصنم الاكبر...) وستأتي تتمة كلامه بإذن الله تعالى. 
 
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين 
 
 
- [1] ونظير ذلك ما ذكره السيد القمي في مباني المنهاج وآخرون 
 
[2]- ففي مثال الابن عندما سئل عن وجود والده في الدار فأجاب ليس هنا قاصدا ومؤشرا لمكان خاص فالعلاقة هنا هي علاقه الكل والجزء اذ الولد بشير الى جزء الدار 
 
[3] - فحتى علاقه الجزء والكل ليست بموجوده اذ يشترط فيها التناسب ولا تناسب بين 50 درهما ودرهم واحد 
 
[4] - المضمر- أي الواقع المقصود له- 
 
[5] - وهنا نؤكد على ان مطالعة كتب الشيخ الطوسي لها اهمية كبيرة جدا لفهم عمق المسالة وجذورها وكثير من ابعادها مما لايتوفر لمن يطالع كتب المتأخرين فقط 
 
[6] - سورة الأنبياء آية رقم 63.

  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=215
  • تاريخ إضافة الموضوع : السبت 29 ربيع الثاني 1435هـ
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 02 / 23