بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
(100)
الحكم([1]) السادس للحقوق: حق التصرف في متعلَّق الحق
وهو حق آخر غير حق النقل الذي ذكره المشهور والذي هو نوع من أنواع التصرف بالإزالة فقط وإعدام كل حقوقه في العين بإعدام موضوعه أي بنقله، مع ان الكلام يجب ان يجري في حكم سائر التقلبات والتصرفات في متعلق الحق مع بقائه على ملكه.
والتحقيق يقود إلى انها نوعين:
فقد يجوز لذي الحق التصرف في متعلَّق حقه وقد لا يجوز:
ما يصح فيه التقلب في متعلق الحق
ومن الأول: حق (التحجير) فانه يجوز التصرف في المحجّر والتقلب فيه بأنواع التقلبات.
ومنه: (الخيار) فان لذي الخيار، كخيار الحيوان والشرط، التصرف فيما له فيه الخيار، نعم، الناقل منه مسقط للخيار وكذا المغيّر لصورته النوعية أو الدال على الرضا به مما لا يصدر ممن هو متردد في الإمضاء والفسخ.
ما لا يصح فيه التقلب
ومن الثاني: حق (الرهانة) فانه ليس للمرتهن ذي الحق التصرف في العين المرهونة (التي تعلّق بها حقه ببيعها إن لم يسدد المديون، وهو الراهن، دينه) إلا بإذن مالكها وهو خارج عن حقيقة الرهن.
ومنه: حق (الشفعة) فليس للشفيع التصرف في الحصة المشاعة التي باعها مالكها (وهو شريكه) إلى غيره، بل له حق الأخذ بحق الشفعة فتكون ملكه أو لا فلا.
ومنه: حق (القصاص) فان الوارث له القصاص من القاتل بشروطه ومنها إذن الحاكم على حسب فتوى بعض واحتياط البعض وجوباً وقيل لا حاجة له، لكن لا يجوز له أي نوع من أنواع التصرف فيه بالاستخدام مثلاً أو الاسترقاق ([2]) أو الحبس أو غير ذلك.
من نماذج الحقوق المعاصرة: حق الانتخاب
فان لعامة الناس، في الكثير من الدول، حق انتخاب الرئيس (إما مباشرة باقتراع مباشرة أو بواسطة مجلس الأمة بان ينتخب الناس ممثلين لهم في مجلس النواب ثم ينتخب النواب رئيس الجمهورية) وهنا يقع البحث في انه حق شرعاً؟ أو هو حكم؟ أو لا هذا ولا ذاك؟
وعلى كونه حقاً ([3]) يجري فيه البحث: انه هل يصح (أو يجوز) إسقاطه أو لا؟ وهل يورث؟ وهل يجوز نقل هذا الحق بالبيع أو الصلح أو غيرهما؟ كما تجري الأحكام الأخرى التي طرحناها وهي: هل للغير، كالحاكم أو مجلس الشعب، إسقاط حق مجموعة من الناس في الانتخاب؟ أو إسقاط حقهم لفترة من الزمن؟ وهل يجب الأخذ به أم يصح تركه؟
هل الانتخاب وكالة أو إجارة أو جعالة أو...؟
كما يقع البحث في حقيقة هذا الحق وأن الانتخاب وكالة؟ أو جعالة؟ أو إجارة؟ فهل الناس يوكلون الحاكم في إدارة شؤون بلدهم؟ أو يستأجرونه لذلك؟ أو هو جعالة لقاء ثمن مثلاً، أو هو إذن؟ أو هو عقد مستأنف؟ أو هو، على خلاف ذلك كله، منصب؟
ويضعِّف الإجارة: انها لازمة من الطرفين مع ان للناس الإقالة وللرئيس من جانبه الاستقالة.
كما يضعِّف الوكالة والجعالة: ان الرئيس يحكم على كل الناس: مَن انتخبه ومن لم ينتخبه بل من لم يشارك في الانتخابات فكيف يكون وكيلاً عنهم جميعاً؟ كما يضعِّف ذلك الإجارةَ أيضاً والاذن.
ثم الوكيل والمجعول له لا سلطة له على الموكل أو الجاعل الباذل، مع ان الحاكم له، عرفاً، نوع سلطة وولاية.
فلا مناص من كونه عقداً جديداً فيقع فيه البحث عن الأحكام الستة الآنفة، أو منصباً. فتأمل، وتحقيق ذلك موكول إلى مظانه.
وقد فصّلنا جوانب منه في (شورى الفقهاء، دراسة أصولية فقهية)([4]) فراجع.
تتمة كلام المحقق اليزدي: (حق الولاية للحاكم)
كما مثّل المحقق اليزدي لما لا يصح نقله ولا إسقاطه ولا ينتقل بالموت بـ(حق الولاية للحاكم) ([5])
وتوضيحه: إنه قد يقال بأنه لا يصح للحاكم الشرعي إسقاط ولايته إذ هو منصوب من قبل الشارع فكيف يسقط ما اثبته الشارع؟ كما لا حق له في نقله لغيره إذ انه إما أن ينقله لغير جامع الشرائط فالمحل غير قابل أو لجامع الشرائط فهو حاكم بالفعل ويمتنع اجتماع المثلين!.
التفصيل ببيع بعض شؤون الولاية
ولكنَّ السيد الوالد فصّل في الأمر فقال: (ثم إن الولاية وإن لم يصح بيعها ولا إسقاطها ولا إرثها ولا الوصية بها، كما في ولاية الحاكم العادل لإنسان إذا جعلها كذلك – كما تقدم – أو ولاية الأب والجد، حيث لا تصح الأمور المذكورة فيها باستثناء الوصية على ما ذكروا، إلا أن بعض شؤونها تصح فيها بعض الأمور المذكورة إذا لم تكن مقيدة بالخلاف ولم يكن محذور خارجي، كما إذا جعله الحاكم والياً فباع الولاية على المدن الصغيرة لبعض الناس الصالحين، إذا لم يكن ذلك داخلاً في الرشوة ونحوها، وكذلك إذا وكل إنساناً ليقوم مقامه مدة غيبته في قبال مال أخذه منه، فجعل الشيخ (قدس سره) ومن تبعه الولاية مما لا يقبل النقل والإسقاط، تام بالنسبة إلى أصلها لا بعض شؤونها)([6]).
أقول: مفروض كلامه (قدس سره) في مثل ما لو كانت المصلحة في التعاقد مع الصالح الكفوء الجامع للشرائط ([7]) على إدارة بعض محافظات البلد مثلاً، وذلك في مقابل مبلغ من المال يدفعه لخزانة الدولة أو في مقابل قيام أهل محافظته بإدارته بأمور وأعمال تجاه سائر المحافظات مما لم يكونوا يقومون بها لولا ذلك ([8])، وبذلك يخرج عن كونه رشوة، نعم يشترط ان لا يؤدي إلى فتح بابِ فسادٍ كأن يُتّخذ ذريعةً لموارد أخرى لا تنطبق عليها الشروط. وسيأتي عند ذكر الضوابط حكم المسألة بإذن الله تعالى.
وقال اليزدي: (وحق الاستمتاع بالزوجة) فإنه غير قابل للأحكام الثلاثة الأولى.
أقول: لكنه يقبل الحكم الخامس وهو الأخذ والترك، وقد يقال بثبوت الحكم الرابع وهو حق الحاكم الشرعي في منع بعض الناس، كقادة الجيش مثلاً وقت احتدام المعارك وتوقف التصدي للعدو على استغلال حتى ثواني أوقاتهم، من الاستمتاع بزوجتهم فترة من الزمن، لكنه منع أخذٍ مؤقت وليس إسقاطاً.وللبحث صلة بإذن الله تعالى..
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
.........................................
قَالَ الإمام الباقر (عليه السلام): ((رَحِمَ اللَّهُ عَبْداً أَحْيَا الْعِلْمَ قَالَ قُلْتُ وَمَا إِحْيَاؤُهُ قَالَ أَنْ يُذَاكِرَ بِهِ أَهْلَ الدِّينِ وَأَهْلَ الْوَرَعِ))
الكافي ( ط الإسلامية) ج1 ص41.
=====================
|