بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
(101)
الحكم السابع للحقوق: حق تغيير الحق
بأن يغير حقه إلى حق آخر له لا إلى غيره، عكس النقل إذ ينقل فيه حقه لآخرَ.
وهو ينقسم إلى قسمين:
ما لا يمكن تغييره شرعاً وهو الغالب في الحقوق إن لم تكن كلها كذلك إذ لا يمكن تغيير حق خيار الحيوان أو العيب مثلاً إلى حق خيار الغبن أو خيار المجلس مثلاً أو تغيير حق القصاص إلى حق قطع أحد أطرافه أو سجنه مثلاً أو إلى حق التعزير – أي تعزير الولي للقاتل -.
بل إن (الملك) أيضاً لا يمكن تغييره إلى (حق الاختصاص) مثلاً وإن أمكن إسقاطه بالإعراض عنه كما صرح به العديد من الأعلام.
وما يمكن، وهو في القوانين الدنيا الحديثة متوفر كحق تبديله حقه في السكن إلى حق استثماره له وفق شروط وضوابط ([1]), وأما في الشريعة فقد يمثل له بحق الحاكم الشرعي في تغيير القصاص إلى التعزير لدى المصلحة، وفيه: أنه حق جعله له الشارع إبتداءً عند الضرورة وليس من تغيير حق لحق أي ليس أمره إبتداءً له بل له الأخذ به وعدمه فتأمل.
وقد يمثّل له بما قيل من أن البعض أفتى به من حق الولي في تبديل القصاص الى قطع بعض أطرافه، فتأمل.
لا يقال: أن منه حق الولي في تغيير القصاص إلى عفو؟
إذ يقال: هما حقّان في عرض الآخر جعلهما الشارع له وليس مما بيده هو إبتداء التحويل والتغيير.
الحكم الثامن للحقوق: حق التغيير في الحق
ويمكن تصويره في الشرط فانّه به يغيّر حقه بتوسعةٍ أو تضييقٍ أو نوع تحوير وتحوّل، كما لو اشترطت عليه حين العقد أو في ضمن عقد ملزم بأن لا يطلقها إلا في بعض الحالات أو الأزمنة، أو أن تكون وكيله عنه في طلاقها بلا عزل أو بدون اشتراطه.
ولكن قد يقال: بانه إسقاط لحقه في بعض الصور أو نقل له وليس تغييراً، وسيأتي ما ينفع المقام عند ذكر الضابطة بان الله
ولعله لا يوجد مثال لهذا القسم غير تغيير الشرط، نعم يمكن تصويره أيضاً بتغيير الحق بتغيير موضوعه أو بعض قيوده. فتأمل.
من نماذج الحقوق الشرعية غير المعهودة:
سبق أن هناك حقوقا معاصرة غير مقبولة شرعاً أو غير معهودة لدى بعض المتشرعة وإن صحت شرعاً وسيأتي غيرها بإذن الله تعالى، ولنفتح ههنا باباً آخر لبعض الحقوق الشرعية غير المعهودة عرفا أو حتى غير المقبولة لديهم:
حق الحاضر لدى قسمة الإرث
فمنها: حق الحاضر لدى القسمة قال تعالى: (وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُوْلُوا الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلاً مَعْرُوفاً)([2]) وقد اختلفت في هذا الحق الروايات كما اختلفت الأقوال في الآية فقيل إنها منسوخة بآية الإرث والمشهور على عدم النسخ، كما اختلف في الحكم فقيل بعد الالتزام بعدم النسخ بالوجوب، لكن المشهور ولعله المجمع عليه الندب ([3]). فراجع تفسير التبيان وغيره.
وأما الروايات فقد صرح بعضها بأنها منسوخة بينما صرح بعضها الآخر بعدم النسخ فراجع تفسير الصافي وغيره، وجمع البعض دلالياً، لقرائن مختلفة، بأن مراد المصرحة بانها منسوخة النسخ للوجوب، ومراد النافية النسخ للاستحباب والحاصل: أن وجوبها نُسِخَ دون استحبابها، وتحقيق الحال في ذلك موكول إلى بابه، إلا أن موطن الشاهد هو ان هذا الحق يجري فيه مجمل البحث أيضاً: وأنه هل لأولي القربى من الطبقة اللاحقة للإرث ولليتامى والمساكين اسقاط هذا الحق؟ أو نقله؟ إلى غير ذلك من الأحكام الثمانية الماضية.
تتمة كلام المحقق اليزدي: حق الاستمتاع بالزوجة
ولنرجع الى كلام المحقق اليزدي إذ مثّل للحق غير القابل للنقل ولا الإسقاط أو الأنتقال بحق الاستمتاع بالزوجة ونضيف إلى ما مضى ذكره بان حق الحاكم الشرعي في منع البعض لأجل أمر أهم، من الاستمتاع بزوجته ليس – وكما سبق - اسقاطا كما توهم بل هو منع اخذ به وقد مضى فرقهما، والفرق بين الإسقاط ومنع الأخذ المؤقت أن الاسقاط إسقاط للحق نفسه في علته المبقية فلا يعود إلا بدليل أو حكم جديد أما المنع المؤقت فاستثناء فيرجع بعد الوقت إلى حالته السابقة مشمولاً لأدلته العامة.
كما ان الزوج لو نشز فقد يقال: بأن للزوجة حينئذٍ حرمانه من حق الاستمتاع بها، وفيه أولاً: بأنه لا يحق لها ذلك وإن حقَّ له العكس لو نشزت هي، لقوله تعالى: (وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ)([4]) غاية الأمر أن ترفع أمرها للحاكم فيخيره بين العود عن النشوز بالإنفاق عليها مجدداً أو الكف عن إيذائها وبين الطلاق، على انه لو قيل بثبوت حق الامتناع لها مقابل نشوزه فانه من منع الأخذ لا الإسقاط، فتأمل
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
........................................
قال الإمام الكاظم (عليه السلام): "الْمُؤْمِنُ مِثْلُ كَفَّتَيِ الْمِيزَانِ كُلَّمَا زِيدَ فِي إِيمَانِهِ زِيدَ فِي بَلَائِهِ"
تحف العقول عن آل الرسول (صلى الله عليه وآله): ص408.
====================
|