• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : الفوائد والبحوث .
              • الموضوع : 78- بحث ادبي صرفي: الفرق بين المصدر واسم المصدر، وطرق جديدة للتمييز بينهما .

78- بحث ادبي صرفي: الفرق بين المصدر واسم المصدر، وطرق جديدة للتمييز بينهما

الفرق بين المصدر واسم المصدر، وطرق جديدة للتمييز بينهما[1]

ذكر علماء الادب في الفرق بين المصدر واسمه فرقاً معنوياً وآخرَ لفظياً:

 
الفرق المعنوي بينهما
إن المصدر ما دل على الحدث والفعل – المتدرج- بالمباشرة، كما في الاغتسال فانه يدل على الحدث والفعل نفسه، أي: إن الوجود اللفظي أضحى مرآة للوجود العيني، فيكون عالم الإثبات عاكساً مباشراً لعالم الثبوت، والاغتسال هو المعبر عنه بالغَسل بالفتح.
واما اسم المصدر: فيدل على العالم العيني بطريقة غير مباشرة وبوساطة المصدر؛ إذ لابد من استحضار المصدر ليدل اسمه من خلاله على الحالة والهيئة الحاصلة، وعليه: فاستحضار الاغتسال مقدمة وطريق من اجل تصور الغسل وصدقه، واسم المصدر هو الغُسل بالضم.
إذن: الحدث المتدرج مستبطَن عند إطلاق اسم المصدر واستعماله.
 
الفرق اللفظي بينهما
واما الفرق اللفظي بين اسم المصدر والمصدر فهو: إن اسم المصدر هو ما نقصت حروفه عن حروف أصله وفعله لفظاً وتقديراً، من غير تعويض[2]، فمثلاً عطاء هو اسم مصدر من إعطاء؛ لان الهمزة قد حذفت مع ان تصريفه الطبيعي هو أعطى يعطي إعطاءً، فإعطاء مصدر كما في قوله تعالى  (فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى)[3]، وعطاء اسم مصدر كقوله تعالى: (هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ)[4] ، وفي قبال ذلك: قاتل يقاتل قتالاً، فان قتال مصدر وفيه نقص، لكن الحرف الناقص مضمّن ومقدر فيه؛ إذ التقدير هو (قيتال) حذفت الياء للتخفيف[5]، ولذلك فان قتالاً مصدر، وليس باسم مصدر، واما عطاء فانه اسم مصدر؛ إذ الحذف فيه لفظي وتقديري.
وأما القيد الثالث (من غير تعويض) كما في وعد يعد عدة، فان المصدر (عدة) وان كان قد نقص منه الواو إلا انه عوّض بالتاء فهو مصدر.
ولكن هذا الضابط ليس بتام عندنا؛ لورود بعض النقوض عليه، والمهم هو الضابط المعنوي؛ إذ هو المحكم.
 
طرق مبتكرة ثلاث للتمييز بين المصدر واسمه
لم يذكر الصرفيون للتفريق بين الاسم ومصدره أكثر من الضابط المعنوي واللفظي، ولكن ذلك في مقامنا ونظائره – وهي كثيرة – لا يفي بالمطلوب، ولذا كان لابد من ابتكار طرق أخرى إكمالاً للضوابط في المقام.
ونذكر هنا ضوابط وطرقاً ثلاثاً، وهي اما أن تكون دليلاً فيما لو كانت على نحو الكبرى الكلية، واما ان تكون مؤيدة، إن كانت على النحو الغالبي – مما يحتاج إلى مزيد تتبع وتثبُّت –:
 
الطريق الأول: الرجوع إلى المشابهات
فان المشابهات للكلمة قد تكون ظاهرةً في كونها اسم مصدر او مصدراً، فيكشف بذلك النقاب عن الكلمة المشكوكة، ففي لفظة (صلاح) يمكن أن نرجع إلى مشابهاتها، ومنها: لفظة (كمال)، فإنها عندما تطلق فالظاهر ان المراد منها اسم المصدر، فلو قيل: (كمال فلان مطلوب)، فليس المقصود هو الحدث الجزئي المتدرج، وإنما المقصود: هو النتيجة النهائية وكونه كاملاً؛ إذ الظاهر من الكمال هو الصفة والحالة، وليس الحدث لمتدرج، وكذلك الحال في (الجمال) فظاهره الصفة أيضاً[6] ، و(الصلاح) قد يستظهر من خلال معلومية الحال في مشابهاتها، انه كذلك، وان الظاهر من صلاح النفس هو: الصفة لا الحدث المتدرج، وكذلك الظاهر من صلاح ذات البين فتأمل[7].
 
الطريق الثاني: الرجوع إلى المضادات
فان من الضد قد يعرف حال الضد، وضد الصلاح هو الفساد، فلو استظهرنا ظهور الفساد في الحدث، او في النتيجة النهائية فقد نكتشف من حاله حال ضده.
ولنتوقف عند قوله تعالى: (وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ)[8] فقد يقال: ان ظاهره هو أن النهي عن المصدر والحدث نفسه، لا الهيئة ونتيجة الحدث، وقد ذكر بعض المفسرين في تفسير الآية: (أي لا تطلب العمل في الأرض بالمعاصي) [9]، والظاهر انه بنى على انه المصدر.
وقد يجاب: بان ظهور الآية في المعنى المصدري حصل من خلال المتعلِّق (لا تبغ)؛ فانه قد يقال: بان ظاهره عرفاً ذلك، على انه صالح لأن يراد به المعنى الاسم المصدري، لكن المطلوب في المقام هو تنقيح ظهور مفردة (الفساد) بما هي هي، لا بلحاظ المتعلق؛ لان مضادها وهو (الصلاح) لم يقع متعلَّقاً لشيء.
وقد يقال: بان مثل (مكافحة الفساد) يصلح لان يكون المراد به الحدث أو النتيجة والأثر معاً، بل الظاهر إن كلا المعنيين مراد؛ إذ هو أعم من مكافحته حين حدوثه ومن مكافحته بعد حدوثه، وفي الآية الشريفة (وَلا تَبْغِ الْفَسَادَ) قد يقال: بان المراد أعم من المعنى المصدري والاسم المصدري؛ وذلك اما بدعوى وجود جامع بين المعنى المصدري والاسم المصدري، او للذهاب الى جواز استعمال اللفظ في أكثر من معنى كما حققناه في محله، وعليه: فلو احتمل الوجهان في الضد (وهو الفساد) لكان الصلاح محتملاً لذلك أيضاً، فتأمل.
وقد يتأمل فيما ذكر؛ إذ الكلام في ظهور اللفظ (كصلاح وفساد) بما هو هو، والأمثلة كالآية الشريفة محتفة بقرائن خارجية أو داخلية[10]، ومما يؤكد ذلك قولنا: (الرشوة مبغوضة) و (الرشوة معاقب عليها)، فان الفرق كبير بين المثالين؛ فان المراد من المثال الثاني هو المعنى المصدري والفعل والحدث الجزئي فانه هو الذي يعاقب عليه، اما (الرشوة مبغوضة) فالمراد اسم المصدر[11] أو المراد الأعم.
 
الطريق الثالث: تحويل الكلمة إلى اسم فاعل او جعلها متعلَّقة لـ (ذو – ذات)
ونكتفي بالإشارة لهذا الطريق: فانه لو ترددنا في كون الكلمة مصدراً أو اسم مصدر فان من وجوه اكتشاف ذلك: أن نقوم بتحويلها إلى اسم الفاعل، أو نجعلها متعلَّقة لـ (ذو، ذا، ذات)، فان صح أن يكون متعلَّق الأخير فهو اسم مصدر؛ وذلك لظهور تعلق لفظة ذات أو ذا بالصفة، وان صح تحويله الى اسم فاعل فهو مصدر لا اسم مصدر.
 ففي الاغتسال والعطاء والتطهر نجد صحة تحويلها إلى اسم فاعل، تقول: مغتسل ومعطٍ ومتطهر فهي مصادر، ولا يقال: ذو اغتسال، وذو إعطاء، وذو تطهر، فليست أسماء مصادر.
وفي قبال ذلك نقول: ذو صلاح وذات صلاح، وذو كمال وذات كمال، وذو غُسل وذات غُسل بضم فاء الفعل، ولا يقال: ذو غَسل بفتحها فانه مصدر وهذا يدل على اسم المصدرية. وفيما نحن فيه اي قوله عليه السلام: (صلاح ذات البين) فالظاهر انه يصح ان تقع لفظة صلاح متعلقاً لـ(ذو او ذات) فنقول: مثلا (هم ذووا صلاحٍ فيما بينهم) او (هم ذووا صلاح[12] ذات بينهم) فتأمل[13].
------------------------------------------------------------------------------ 
 

 


  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=2206
  • تاريخ إضافة الموضوع : 28 ذي القعدة 1437هـ
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 16