• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : البيع (1437-1438هـ) .
              • الموضوع : 104- القسم التاسع: حق اعدام الحق في علته المحدثة وبحث عن حق الناس في طباعة النقد .

104- القسم التاسع: حق اعدام الحق في علته المحدثة وبحث عن حق الناس في طباعة النقد

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
(104)
الحكم العاشر للحقوق: حق إعدام الحق
 
والمقصود في مرحلة علته المحدثة، أي منع تشريعه من أصله, وبهذا يفترق عن حق الإسقاط فإنه في مرحلة العلة المبقية، وعلى أي فقد يراد به حق منع تشريعه.
 
الإشكال بأنه تشريع
 
وقد يقال: بأنه مما لا وجه له إذ لا يمتلك حق التشريع إلا الله تعالى، ومن فُوض إليه وهو الرسول وآله (عليهم السلام) في الجملة، فلا يعقل تشريع إلغاء حقٍ اعطاه الله تعالى؛ ألا ترى أنه لا يصح إلغاء حق الرجل في الطلاق من رأس؟ أو حقه في الحيازة، أو التجارة، أو الزراعة، أو الرعي، أو الدراسة، أو العمل، أو شبهها؟ وقد سبق انه غير حق الأخذ به أو تركه، فيصح هذا الأخير ولا يصح إلغاؤه من أصله بأن يشرِّع عدم ثبوت حق له في المذكورات أصلاً حدوثاً.
 
الجواب: التشريع في الحقوق الشرعية دون العرفية
 
ولكن يمكن توجيهه بأن وزانه وزان إيجاد الحق، فإذا أمكن إيجاده أمكن إعدامه كحق التأليف وبراءة الاختراع والتأمين.
والتحقيق: ان الحقوق على قسمين: شرعيه وعرفيه، والأولى أمرها إلغاءً وبقاءً بيد الشارع كأمرها حدوثاً، والمذكورات سابقا منها لذا لم يصح للبشر إلغاؤها، وأما الثانية فرفعها أو دفعها كوضعها بيدهم، ومنها حق التأليف والاختراع والتأمين.
ولذا أمكن للعُرف إلغاء هذه الحقوق كما جاز لهم وضعها؛ اذ كما وضعوها لحكمةٍ كالتشجيع على الاختراع والتأليف إذ بحصوله على حقوق الطبع وبراءة الاختراع مثلاً يضمن لنفسه موردَ دخلٍ ثابت، كذلك يمكن لهم إلغاؤها لحكمة كما لو أدى ذلك للاحتكار أو لتقليص مساحة العلم مما يضر بتقدم البلاد أو شبه ذلك، بل يمكن جعلها وإلغاؤها لا لحكمة إذ الاعتباري أمره بيد المعتبر ولا يناط ذلك بالحكمة، وتقيّده([1]) بها لفرض كونه حكيما أعم من عدم صلاحيته وعدم شمول قدرته ونفوذ اعتباره فتدبر.
وعليه: فلا يمكن للناس إلغاء ولاية الأب أو الجد أو حق الأبوة أو حق الحيازة أو حق الطلاق أو حق ولاية الفقيه على القول بها.
 
رؤوس الأقوال في ولاية الفقيه
 
فرع في ولاية الفقيه العامة أقوال:
الأول: عدمها، وهو المشهور.
 الثاني: ثبوتها مطلقا للجامع للشرائط.
الثالث: ثبوتها بشرط رضا الناس([2])، وهو ما ذهب إليه السيد الوالد (قدس سره).
 
فهل يصح للناس إلغاؤها؟
 
 فعلى الثاني لا يحق للناس إلغاؤها أما على الثالث فإذا لم يرضوا لم يكن الشارع جاعلا لها، فليس من إلغاء الناس لها ولا حتى من إسقاطهم إياها؛ لوضوح الفرق بين الحق في ايجاد أو إعدام حقٍ وبين تغيير الموضوع أو التسبيب إلى عدم تحقق قيده أو شرطه فلا يتحقق لأنه بجعل الشارع، فأمر ذلك إليه لا إليهم؛ فهو كالسفر للقصر إذ يتحقق به موضوع حكم آخر فليس مما أمره بيدهم بل بيد الشارع على ما قرره.
تنبيه: الدفع غير الإلغاء كما ظهر مما مضى، إذ يراد به إعدام الحكم بإعدام موضوعه كإزالة حرمة الربا في بيع البيض، بتغيير العرف له من كونه مكيلا أو موزونا إلى كونه معدودا، وأما الإلغاء فيراد به ما كان ابتداءً.
 
إشارة لمبحث عن حق طبع النقود لغير الدولة
 
ولنمثل لحق الإلغاء والجعل مما يوكل إلى العرف بمثال لطيف وهام وهو: حق طبع النقد فان للعقلاء ان يمنحوا جهة خاصة، كالدولة والبنك المركزي، حق طبع العملة الورقية بضوابط معينة ومنها: أن تكون متناسبة مع الغطاء والخلفية التي تستند العملة إليه، ككمية الذهب، أو حتى النفط واحتياطيّه، بل وحتى عدد الأيدي العاملة في البلاد, وكما يصح لهم([3]) منح الحق للدولة يصح لهم سلبه عنها لطغيانها أو عدم نزاهتها أو غير ذلك.
وهنا نقول: أن العنوان الأولي يقتضي أن يكون لكل جماعة أو شركة أو عشيرة أو حزب الحق في طبع سندات أو حوالات أو حتى نقود خاصة بها مادام الأطراف راضين بذلك ومادام لهم غطاء وخلفيه بقدر الاعتبار الممنوح للعملة، فتكون معتبرة في دوائرهم الخاصة لا على مستوى البلاد كلها، بل نقول: انه يمكن القول باعتبارها على مستوى البلاد إذا اعتبرته الأكثرية كذلك.
 
الجواب عن شبهة الهرج والمرج
 
لا يقال: انه يلزم الهرج والمرج؟
إذ يقال: كلا مادام ضمن ضوابط وباتفاق الأكثرية وبقدر الغطاء، فيكون حاله كحال الدول التي يتعامل فيها الناس بعملتين أو أكثر في عرض الآخر([4]).
بل نقول: أن منح الحق لجهات أخرى غير الدولة في طبع العملة، بضوابطها، أمر راجح، إذ يكسر احتكار الحكومة للسلطة، ومن أهم أنواع السلطة هذه السلطة، وتمركز السلطة خطير موجب للفساد، إذ (إِنَّ الإِنسَانَ لَيَطْغَى * أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى)([5]) ولعل مما يقرب ذلك إلى الذهن، من جهةٍ، عملة البيتكوين المستحدثة([6])، وبسط القول في ذلك يستدعي مقالاً آخر.
 
صحة نقل حق الخيار والقصاص بنظر اليزدي
تتمة كلام اليزدي
 
وقال المحقق اليزدي: (ومنها: ما يصح نقله وإسقاطه وينتقل بالموت أيضاً كحق الخيار، وحق القصاص، وحق الرهانة، وحق التحجير، وحق الشرط ونحو ذلك)([7]).
أقول في حق الخيار – وكما سبق - أقوال:
 منها: ما ألتزمه الشيخ وتبعه النائيني وغيره، من أنه كحق الشفعة لا يصح نقله.
ومنها: ما ألتزم به الوالد من التفصيل، وإنه تابع لكيفية جعلهما الخيار.
ومنها: رأي اليزدي من صحة نقله مطلقا، لكن لعله ينبغي أن يرجع للتفصيل للبناء عليه ارتكازاً فتأمل.
وأما حق القصاص فقد قال عنه المحقق اليزدي بعد ذلك (وأمَّا في مثل حق القصاص وحق السلام وحق الزيارة وحق المضاجعة ونحو ذلك فلأنها وإن كانت سلطنة على الشخص إلّا أنَّ المملوك والمسلّط عليه فيها أولاً هو السلام والزيارة وازهاق النفس والمضاجعة ونحو ذلك فلا مانع من تمليكها، وكذا في كل حق متعلّق بشخص، غاية الأمر أن الشخص مقوّم للحق ولا بأس به؛ إذ في الدين أيضاً كذلك؛ إذ الكلي الذي في الذمة لا يكون ملكاً ومالاً إلّا بقيد تعلّقه بذمة شخص، وإلّا فمع قطع النظر عن تعلّقه بذمة الغير لا يكون ملكاً ومالاً كما هو واضح)([8]). وسيأتي ما ينقح ذلك بإذن اللهٍ
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
.......................................
 
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): "تَعَلَّمُوا الْعِلْمَ فَإِنَّ تَعَلُّمَهُ حَسَنَةٌ وَمُدَارَسَتَهُ تَسْبِيحٌ، وَالْبَحْثَ عَنْهُ جِهَادٌ، وَتَعْلِيمَهُ مَنْ لَا يَعْلَمُهُ صَدَقَةٌ، وَبَذْلَهُ لِأَهْلِهِ قُرْبَةٌ لِأَنَّهُ مَعَالِمُ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ وَسَالِكٌ بِطَالِبِهِ سُبُلَ الْجَنَّةِ وَمُونِسٌ فِي الْوَحْدَةِ، وَصَاحِبٌ فِي الْغُرْبَةِ وَدَلِيلٌ عَلَى السَّرَّاءِ وَسِلَاحٌ عَلَى الْأَعْدَاءِ وَزَيْنُ الْأَخِلَّاءِ، يَرْفَعُ اللَّهُ بِهِ أَقْوَاماً، يَجْعَلُهُمْ فِي الْخَيْرِ أَئِمَّةً يُقْتَدَى بِهِمْ، تُرْمَقُ أَعْمَالُهُمْ وَتُقْتَبَسُ آثَارُهُمْ، وَتَرْغَبُ الْمَلَائِكَةُ فِي خَلَّتِهِمْ لِأَنَّ الْعِلْمَ حَيَاةُ الْقُلُوبِ وَنُورُ الْأَبْصَارِ مِنَ الْعَمَى‏"
تحف العقول عن آل الرسول (صلى الله عليه وآله): ص28.
=====================
 
 

  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=2211
  • تاريخ إضافة الموضوع : السبت 1 ذو الحجة 1437هـ
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 02 / 23