• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : الفوائد والبحوث .
              • الموضوع : 89- فائدة حِكَمية: أقسام المعقولات .

89- فائدة حِكَمية: أقسام المعقولات

فائدة حَكَمية: اقسام المعقولات*
إن المعقولات على أقسام ثلاثة:
 
المعقولات الأولى
1- المعقولات الأولى: وهي التي لا يعتمد الذهن في معرفتها على معقولات أخرى تسبقها، بل إنها مما يتعرف الذهن عليها مباشرة: عن طريق الحواس الظاهرة أو الباطنة بطريقة مباشرة، وعن طرق أخرى، غير الحواس بطرق مباشرة أيضاً[1].
وأيضاً: هي التي لها ما بإزاء مستقل[2] في الخارج.
وبتعبير أدق: إن المعقولات الأولى هي:
أ - الجواهر التي توجد في الخارج مستقلة، كالحجر والشجر والبشر، وهي التي (وجودها في نفسها لنفسها)[3]. فهي معقول أولي لأن لها ما بإزاء مستقل في الخارج، إضافة إلى عدم توقف معرفتها على معرفة معقول سابق رتبةً عليها.
ب - والأعراض التي يكون ظرف عروضها كظرف اتصافها في الخارج، وهي التي (وجودها في نفسها لغيرها)، وذلك كالألوان والأشكال التي نراها بأعيننا، فإننا نتعرف على اللون الأبيض والأحمر والأصفر وعلى أشكال الجبال والغيوم والأشجار مباشرة، وكذلك الطعوم والروائح والأصوات والملمس الخشن والناعم، وهذه كلها من قبيل ما له وجود بنفسه في الخارج لكن لغيره، والاتصاف بها في الخارج وكذا العروض، فإنه في الخارج أيضاً.
وبتعبير أبسط: المعقولات الأولية هي صور الأشياء الواقعية التي تحضر إلى ذهن الإنسان[4] بواسطة الحواس الظاهرة الخمسة أو بواسطة الحواس الباطنة مثل الحب والبغض والعداوة والصداقة، أو فقل هي مفاهيم كلية لها ما بإزاء مستقل في الخارج، وقد انعكست صور جزئياتها إلى الذهن عبر الحواس.
والمعقولات الأولى إنْ كانت مادية صِرفة، فان إدراكها يكون بالحواس، كما قد تدرك بطرق أخرى، وأما إنْ كانت من عالم الطاقة، فقد لا تدركها بعض أو كل الحواس[5]، وأما إنْ كانت من المجردات، فإنه يستحيل إدراك الحواس لها.
 
المعقولات الثانية البسيطة (الفلسفية)
2- المعقولات الثانية الفلسفية، وهي التي لا توجد مستقلة، بل إنها توجد بوجود منشأ انتزاعها، بعبارة أدق: هي التي ظرف اتصافها الخارج، وأما ظرف عروضها[6] فالذهن، وذلك مثل العلية والمعلولية، والوجوب والإمكان والامتناع، ومثل الفردية والزوجية وغيرها.
توضيح ذلك: إن العلية مفهوم ينتزع من الشيء، من حيث إيجاده شيئاً آخر، جوهراً كان الموجَد أو صفة أو فعلاً وحركةً[7]، فالنار علة الإحراق مثلاً، والذي نراه بأعيننا أو نحسه بحواسنا هو النار ـ وهي ذات العلة ـ أما صفة عِلّيتها فإننا لا نراها، بل ندركها بالعقل فقط، والعلية موجودة في الخارج وغير موجودة فيه:
أـ أما أنها موجودة فيه، فبوجود منشأ انتزاعها، لأن النار حقيقةً عِلّة للإحراق، وعِلَّية النار للإحراق هي علية خارجية، لا أنها أمر مفترض ذهني فقط.
ب ـ وأما أنها غير موجودة فيه، فالمراد أي بالاستقلال إذ ليست العِلّية أمراً قائماً بنفسه في الفضاء أو شيئاً واقفاً على مكان ما، بل إن وجودها بوجود منشأ انتزاعها.
ولتصور ذلك بشكل أفضل: يمكنكم التفكير في الفردية والزوجية، فإن الفردية أمر منتزع من الثلاثة والخمسة والسبعة، وهي موجودة في الخارج بوجود منشأ انتزاعها لا بوجود مستقل[8].
 
المعقولات الثالثة المركبة (المنطقية)
3- وهي التي لا موطن لها إلا الذهن، فلا وجود لها في الخارج استقلالياً ولا انتزاعياً، وذلك ككل المفاهيم المنطقية مثل الجنس، النوع، الفصل، الكلي، الجزئي، القضية، الموضوع والمحمول، المعرّف، الحجة، فإنها جميعاً صفات لمفاهيم موجودة في الذهن لا غير.
والمعقولات المنطقية هي التي ظرف اتصافها كظرف عروضها في الذهن فقط.
ويتضح ذلك بملاحظة بعض الأمثلة:
(الكلي) فإنه ما يقبل[9] الانطباق على كثيرين، أو ما لا يمتنع فرض صدقه على الكثيرين، ومن البيّن أن الموجود في الخارج هو المصاديق فقط، والمصداق هو هو وليس غيره، فكيف بانطباقه على كثيرين؟ وهل يعقل أن نقول مثلاً: زيد كلي أو في مثال آخر زيد نوع؟ وإنما نقول (الإنسان نوع) والمراد الإنسان بعد دخوله إلى منطقة الذهن، وتحوله[10] إلى مفهوم كلي، فإنه نوع كما هو كلي.
(الجزئي) فإنه المفهوم الذي يمتنع فرض صدقه على كثيرين، ومن البيّن أن الموجود في الخارج ليس إلا المصداق، أما المفهوم فلا يوجد إلا في الذهن، إذ أليس هو المفهوم[11]؟.
(الجنس) فإنه الكلي الذاتي المشترك المقُول على أنواع مختلفة بالحقيقة[12]، ومن الواضح أن الموجود في الخارج ليس إلا المصداق ذو الحقيقة الواحدة، فإنه لا يوجد في الخارج شيء يقبل الانطباق على حقائق مختلفة.
(المعرِّف) فإن المعرِّفية والمعرَّفية موطنها الذهن، ولا يوجد في الخارج إلا ذات المعرَّف.
 
والحاصل: أن صفة المعرفية أمر ذهني بحت، فعندما تقول: (الإنسان جسم نام حساس متحرك بالإرادة عاقل أو ناطق)، فإن الموجود في الخارج هو ذات الإنسان، وهو نفس النامي والحساس والمتحرك بالإرادة، أما معرفية هذه للإنسان ووصف المعرفية، فإنه لا يوجد إلا في الذهن، وكذلك قولك: (الماء مركب من أوكسيجين وهيدروجين وغيرهما)، فإن صفة معرِّفية التركيب من الأوكسيجين والهيدروجين ليست إلا في الذهن.
والحاصل: إن المعقولات الثانية، بقسميها، مما لا يعقل أن تنالها الحواس أبداً، وليس الحاكم بها والمدرك لها إلا العقل، كما أنها ليست مسرحاً للتجربة الحسية، وأما الملاحظة فقد سبق الكلام حولها، وسيأتي أيضاً.
ملاحظة: أسمينا المعقولات الثانية المنطقية بـ(المركبة)؛ لأن الاتصاف فيها في الذهن والعروض في الذهن أيضاً، فهي مركبة من اتصافٍ وعروضٍ ذهنيين، وأسمينا المعقولات الثانية الفلسفية بــ(البسيطة)؛ لأن الاتصاف فيها في الخارج، إلا أن العروض ذهني فهي بسيطة،على إشكال دقيق في إمكان التفكيك بين موطني الاتصاف والعروض، يرتفع بأن يُراد بكل منهما مرتبة معينة منهما
------------------------------------------------------------------

 


  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=2235
  • تاريخ إضافة الموضوع : 17 ذي الحجة 1437هـ
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29