• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : البيع (1437-1438هـ) .
              • الموضوع : 109- توجيه الوالد لكلام النائيني بان الحق كالقدرة مما لا يعقل الا بالقدرة على الطرفين ـ والجواب: اولاً: القدرة لها ثلاث مصاديق ـ القدرة على الفعل والترك او القدرة على فعل وفعل او على فعل وتغيير ـ بحث حول استحالة تعلق القدرة بالعدم حتى المضاف .

109- توجيه الوالد لكلام النائيني بان الحق كالقدرة مما لا يعقل الا بالقدرة على الطرفين ـ والجواب: اولاً: القدرة لها ثلاث مصاديق ـ القدرة على الفعل والترك او القدرة على فعل وفعل او على فعل وتغيير ـ بحث حول استحالة تعلق القدرة بالعدم حتى المضاف

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
(109)
توجيه الوالد لكلام النائيني
 
ثم أن السيد الوالد وجّه دعوى المحقق النائيني من (إن كون الشيء حقاً وغير قابل للإسقاط، لا يعقل)([1]) بأنه (لو لم يكن قابلاً للإسقاط فكيف تكون له السلطنة)([2]) ومقصوده تقوّم السلطنة بالقدرة على الطرفين وإلا لم تكن سلطنةً والحق سلطنة والسلطنة تعني القدرة أو تستبطنها إذ غير القادر ليس بسلطان.
ثم أردف الوالد ذلك بوجه فلسفي لتقويته فقال: (وربما علل ذلك بأن القدرة لا تكون إلا في طرفين فمن لا يقدر على التحرك لا يكون قادراً على السكون وبالعكس وهكذا، فإذا لم يكن في المقام حق الإسقاط لم يكن حقاً)([3]).
 
جوابنا عن إشكال النائيني
 
أقول: قبل التطرق لجوابه عن ذلك، نشير إلى جوابنا عنه بعبارة أخرى عمّا سبق وهو جواب بنائي، فبعد تسليم ان القدرة تتعلق بالطرفين نقول: ههنا أربعة أطراف تقع في ضمن ثنائيتين: الإثبات والإسقاط، والأخذ والترك، وكما أن الإثبات (أي الجعل أي جعل الحق كحق الشفعة والقصاص والخيار) ليس بأيدينا بل هو بيد الشارع فكذلك الإسقاط، ولم يدّع أحد أن الإسقاط ليس بأيدينا مع كون الإثبات بأيدينا كي يقال بانه محال إذ القدرة تتعلق بالطرفين.
أما الأخذ والترك فكلاهما بيدنا فنحن إذن قادرون على الترك لقدرتنا على الأخذ إذ يمكن أن نأخذ بخيار الشرط أو الغبن مثلاً ويمكن أن نتركه، فلنا السلطنة إذاً على الترك والسلطنة على الأخذ كما هو مقتضى معنى القدرة والسلطنة وهذا هو معنى الحق (فانه بلحاظ الأخذ والترك وهما الطرفان الأخيران وليس بلحاظ الإثبات والإسقاط وهما الطرفان الأولان).
 
جواب الوالد: القدرة على الجانبين أعم من الإبقاء والإسقاط
 
وقد أجاب السيد الوالد عن الإشكال بقوله: (وفيه أن القدرة تكون لماله جانبان ولا لزوم في أن يكونا إبقاءً وإسقاطاً بل يمكن بين إثباتين كالقادر في التحرك في هذا الطريق أو هذا وإن لم يكن قادراً على السكون، أو نفيين كالقادر على أحد التركين)([4]) ثم قال في ضمن جواب له عن إشكال آخر ما يكمل هذا الجواب بقوله: (لأنه يقال: القدرة تتعلق بالإبقاء والتغيير وكلاهما وجودي فالساكن باق والمتحرك مغيّر، وهكذا في السلبين، كما إذا قيل انه قادر على ترك التجارة وترك الزراعة حيث يدور الأمر بينهما، فإن معنى ذلك قدرته على البقاء هكذا أو هكذا، أما القدرة على الفعلين فأمره أوضح.
وبذلك ظهر أن السلطة في الحق لا بد لها من طرفين: أما الإبقاء والإسقاط أو الإبقاء والتغيير، والحق غير القابل للإسقاط من الثاني، فمثلاً حق الأبوة، ليس أمره دائراً بين الإبقاء والإسقاط – وقد ثبت انه غير قابل للإسقاط – بل بين الأخذ به وتركه، إلى غيرها من الأمثلة)([5]).
 
أنواع القدرة الثلاثة
 
وحاصل كلامه بعبارة أخرى: أن القدرة على ثلاثة أنواع ولا تنحصر في النوع الأول:
 
القدرة على الفعل والترك أو فعلٍ وفعلٍ أو فعلٍ وتغييرٍ
 
الأول: القدرة على الفعل والترك.
الثاني: القدرة على فعل وفعل آخر.
الثالث: القدرة على فعل وعلى تغييره والتصرف فيه.
والأول: مثل أن يكون قادراً على أن يتحرك أو لا يتحرك ويمشي أو لا يمشي.
والثاني: مثل أن يكون قادراً على أن يتحرك بهذا الاتجاه أو ذاك وإن لم يكن قادراً على الترك بأن كان مجبوراً أو مقسوراً على المشي غير قادر على تركه لكنه كان بمقدوره أن يمشي لليمين واليسار فانه قادر.
والثالث: أن يكون قادراً على المشي باتجاه واحد فقط مع قدرته على أنواعه من هرولة أو ركض أو خَبَب أو غير ذلك، فليس قادراً على الترك ولا على مشي آخر قسيم لهذا لكنه قادر على أصناف هذا المشي الواحد المقسور على أصله.
وهذه كلها أنواع من القدرة والاختلاف في المتعلق.
هذا كبرى وأما صغرى فالقدرة على الإسقاط والإبقاء من قبيل الأول وعدمها لا يستلزم عدم القدرة على الأخذ والترك وهما من قبيل الثاني.
 
مناقشتان لجواب الوالد
 
لكن إذا كان ذلك هو المراد([6]) ورد عليه:
أولاً: ان الإسقاط مقابل الإثبات ليس عدماً بل هو وجودي أيضاً إذ الإسقاط فعل من الأفعال نعم هو فعل جوانحي فهو كالدفع الذي هو أمر وجودي وهو أمر جوارحي.
ثانياً: سلمنا أن الإسقاط عدم وترك للإثبات والجعل، لكن الترك أيضاً عدم للأخذ فليس من قبيل النوع الثاني، فلم تكن حاجة إلى بيان أقسام القدرة مادام أن الحل يكمن في أن متعلق القدرة، كما هو صريح آخر كلامه، هو الأخذ والترك لا الإثبات والإسقاط.
والحاصل: ان تمهيد هذه المقدمة الكبروية، على أهميتها، ليس دخيلاً في لبّ جوابه([7]) وإن صح الجواب في حد ذاته.
 
بحث عن استحالة تعلق القدرة بالعدم والأجوبة
 
وقد استطرد الوالد إلى الإشارة إلى بحث مبنوي فلسفي دقيق، ويمكن ان نخرجه عن كونه استطراداً ببيان آت، فقال (لا يقال الاعدام لا تُعلَّل ولا يُعلَّل بها ولا تكون صفة ولا موصوفاً فكيف تتعلق القدرة بالعدم؟
ربما قيل: في الجواب بأن الاعدام الخاصة لها حظ من الوجود وربما نوقض بما نراه في العرف من القول بأنه لم يدرس لأنه لم يكن له استاد وما أشبه ذلك، لكن في كلا الجوابين ما لا يخفى، لبداهة أن العدم ليس بشيء وما ليس له حظ من الوجود لا يكون مؤثراً أو متأثراً، وكون العدم الخاص له حظ من الوجود إنما هو في الذهن لا في الخارج، بل العدم المطلق كذلك أيضاً، كما صوره شارح التجريد، والنقض مسامحي إذ في الحقيقة بقي التلميذ جاهلاً لبقاء علة جهله)([8])
ومرجعه([9]): الإشكال على أصل مبنى إشكال النائيني، حسب توجيهه بأن القدرة تتقوّم بالطرفين: الفعل والترك إذ سبق (وربما علل ذلك بأن القدرة لا تكون إلا في طرفين...) والإشكال هو أن أحد الطرفين هو الترك أي العدم والعدم ليس بشيء أبداً كي يقال أن القدر تتقوم بالفعل والترك أو أنها تتعلق بالفعل والترك.
فإذا سقط أصل المبنى الفلسفي سقط الإشكال في المقام إذ لا يصح أن يقال كيف تكون له السلطنة مع انه غير الإسقاط والترك، إذ ظهر استحالة السلطنة على الترك لأنه عدم، فهذا هو وجه الربط فهو يصلح – إن تمّ - جواباً ثالثاً مبنوياً.
 
تحليل معنى (القدرة على الوجود والعدم والفعل والترك)
 
وقد أجاب الوالد عن الإشكال الفلسفي في مجمل كلامه([10]) بأن القدرة ترجع في جوهرها إلى القدرة على وجودٍ ووجودٍ وفعل وفعل، والتعبير بالقدرة على الفعل والترك مجازي إذ الترك عدم محض فيستحيل أن يكون أحد متعلَّقي القدرة. وعليه فينتفي النوع الأول من أنواع القدرة الثلاثة السابقة.
وبعبارة أخرى: لا عدم مطلقاً ولا مضافاً بالمرة، في الخارج، مع أن القدرة تتعلق بالطرفين بالخارج([11]) فالتحليل الدقيق يقودنا إلى انها، لا جرم، متعلقه بأحد أمرين أو أمور وجودية على سبيل البدل وكل تعبير بالعدم أو الترك فهو مجاز مثاله إلى الوجود ولعله يأتي له مزيد إيضاح.
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
......................................
قال الإمام (عليه السلام) في مسيره إلى كربلاء: "إِنَّ هَذِهِ الدُّنْيَا قَدْ تَغَيَّرَتْ وَ تَنَكَّرَتْ وَ أَدْبَرَ مَعْرُوفُهَا فَلَمْ يَبْقَ مِنْهَا إِلَّا صُبَابَةٌ كَصُبَابَةِ الْإِنَاءِ وَخَسِيسُ عَيْشٍ كَالْمَرْعَى الْوَبِيلِ؛ أَ لَا تَرَوْنَ أَنَّ الْحَقَّ لَا يُعْمَلُ بِهِ وَأَنَّ الْبَاطِلَ لَا يُتَنَاهَى عَنْهُ؟
لِيَرْغَبَ الْمُؤْمِنُ فِي لِقَاءِ اللَّهِ مُحِقّاً فَإِنِّي لَا أَرَى الْمَوْتَ إِلَّا سَعَادَةً وَلَا الْحَيَاةَ مَعَ الظَّالِمِينَ إِلَّا بَرَماً
إِنَّ النَّاسَ عَبِيدُ الدُّنْيَا وَالدِّينُ لَعْقٌ عَلَى أَلْسِنَتِهِمْ  يَحُوطُونَهُ مَا دَرَّتْ مَعَايِشُهُمْ فَإِذَا مُحِّصُوا بِالْبَلَاءِ قَلَّ الدَّيَّانُونَ"
تحف العقول عن آل الرسول (صلى الله عليه وآله): ص245.
====================
 
 

  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=2269
  • تاريخ إضافة الموضوع : الثلاثاء 16 محرم 1438هـ
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 02 / 23