• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : البيع (1437-1438هـ) .
              • الموضوع : 110- تتمة البحث حول امكان تعلق القدرة بالاعدام المضافة .

110- تتمة البحث حول امكان تعلق القدرة بالاعدام المضافة

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
(110)
أقسام القدرة الأربعة
سبق ان القدرة على ثلاثة أقسام: (الأول: القدرة على الفعل والترك.
الثاني: القدرة على فعل وفعل آخر.
الثالث: القدرة على فعل وعلى تغييره والتصرف فيه)([1]).
وقد يضاف لها قسم آخر وهو:
الرابع: القدرة على الفعل بذاته وإن لم يكن قادراً على الترك ولا على فعل آخر قسيم له ولا على التغيير فهو – لو تمّ – قسيم للثلاثة، وذلك كما لو كان يتحرك ياختياره إلى جهة كالأمام مثلاً لكنه لم يكن قادراً على الحركة بأي اتجاه آخر لوجود جدار أو حواجز مثلاً، ولا على الإسراع أكثر لكونها غاية سرعته، ولا على الإبطاء أو الوقوف والسكون لوجود قوة قاهرة خلفه، كدبّابة أو سيارة مسرعة خلفه ملتصقة به مباشرةً بحيث لو أبطأ ثانية لدفعته هي إلى الأمام قسراً فهو قادر فقط على الحركة إلى الإمام بسرعة ثابتة، وكونه قادراً لفرض صدور هذه الحركة عن تحريكه للعضلات وإرادته لا غير. وفيه تأمل([2]).
 
الجواب: القدرة لا تتعلق إلا بفعلٍ وفعل
 
ولكن قد يرد على هذا التقسيم الثلاثي أو الرباعي بأن القدرة لا تتعلق إلا بفعل وفعل([3]) ومرجع القدرة على التغيير([4]) إليه، وأما الترك فلا يعقل تعلق القدرة به باعتباره أحد القسيمين فلا يصح النوع الأول أبداً، وعليه: فلسنا قادرين إلا على وجوديّ ووجوديّ وفعل وفعل لا على وجودٍ وتركٍ، اللهم إلا إذا كان الترك في ضمن فعل آخر على أنه تعبير مجازي إذ ليس الترك شيئاً حتى يكون في ضمن فعل آخر إن أريد بالترك عدم الفعل واما إن أريد به إرادة الترك أو النفي فهو وجودي على أن الترك أو النفي لو أريد به العدم لما أمكن تعلق الإرادة به أبداً.
 
القدرة لا تتعلق بالترك والعدم، والبرهان
 
وبعبارة أخرى: الترك إن أريد به الضد العام، المبحوث في مبحث اقتضاء الأمر بالشيء النهي عن ضده، وأريد به العدم المطلق فلا يعقل تعلق القدرة أو غيرها به، وإن أريد به الضد الخاص أي الترك المتحقق في ضمن فعل آخر كان مجازاً فان المقدور عليه هو ذلك الفعل الآخر والترك منتزع منه منسوباً للأول، بل هو اعتبار لاحق له منسوباً إلى ضده الوجودي الأول.
وذلك هو بسط ما قاله السيد الوالد من (لا يقال: الاعدام لا تُعلَّل ولا يُعلَّل بها ولا تكون صفة ولا موصوفاً فكيف تتعلق القدرة بالعدم؟)([5])
أما برهانه فواضح: إذ العدم لا شيء محض فكيف تتعلق به القدرة أو يقع علة أو معلولاً أو صفة أو موصوفاً؟
 
رد دعوى (العدم المضاف له حظ من الوجود)
 
وأما ما قيل من ان العدم المضاف له حظ من الوجود، ففيه بعدَ أنَّ المراد من الحظ ليس إلا المرتبة أو الدرجة من الوجود: انه قد يراد بأن له حظاً من الوجود في الذهن وقد يراد الحظ في الخارج:
فإن أريد الثاني، ففيه: لزوم التناقض إذ إذا فرض عدماً (وإن وصف بكونه مضافاً) فكيف تكون له رتبة من الوجود في الخارج؟ ولو كان له حظُّ وجودٍ خارجاً لكان موجوداً لا معدوماً ولا عدماً فان الحظ يراد به مرتبة أو درجة من الوجود إذ لا معنى متعقل آخر له.
وإن أريد الأول، ففيه: أنه حيث وجد في الذهن فهو موجود فيه وليس معدوماً، نعم هو صورة للعدم أو اسم له لا غير، وبعبارة أدق هو وجود بالحمل الشائع الصناعي وإن كان عدماً بالحمل الذاتي الأولي، على أن العدم المطلق كذلك أيضاً فليس ذلك([6]) لو أريد به هذا المعنى([7]) خاصاً بالعدم المضاف.
بعبارة أخرى: وصف العدم بالمضاف مجازي أو باطل، فانه إن كانت الإضافة وجودية استحال اتصاف العدم بها إلا أن يكون وجوداً هذا خلف، وإن كانت عدمية فالموصوف والصفة كلاهما عدمي فأين حظ العدم من الوجود؟
 
تسامح العرف في التعليل بالأَعدام، والوجه الصحيح فيه
 
وأما وصف العرف للاعدام وتعليلهم بها فكله مسامحي عرفي غير صحيح واقعاً ودقة؛ فلو قال مثلاً: (لم أذهب إلى المدرسة لأن الحافلة لم تأتِ لتوصلنا) فهذا تعبير عرفي متداول لكن مرجعه واقعاً إلى انه بقي في البيت لأن علة بقائه في البيت استمرت، نعم ينتزع من هذا الأمر الوجودي أمر عدمي بل ألوف بل ملايين الأمور العدمية بل ما لا يتناهى([8]) منها، ألا ترى أنه إذا بقي زيد في الدار انتزع منه انه ليس في تلك الدار وتلك وتلك وهكذا؟ وأنه ليس في ذاك البلد وذاك وذاك وهكذا؟ وأنه ليس في المريخ ولا زحل ولا عطارد وهكذا.
 
ملايين الاعدام المحيطة بكل فعل أو وجود!
 
والحاصل: ان كل فعل أو كونٍ وجوديٍّ تحيط به، والتعبير بالإحاطة مجازي، ملايين الاعدام وليست لدى التدقيق إلا الاعتبارات، أي ليست حتى انتزاعية، والواقع هو وجود زيد في هذه الدقيقة في هذا المكان بهذه الكيفية، ثم أن القوة المتخيلة لها أن تنتزع من ذلك ملايين الاعدام المضافة وليست إلا ذهنية فحسب والتي، وكما سبق، هي بالحمل الشائع الصناعي وجودات ذهنية وليست إلا بالحمل الذاتي الأولي عدماً، وهذا كله مع ان الآثار كلها هي آثار الحمل الشائع لا الحمل الذاتي فتدبر.
 
السرّ: شيطنة القوة المتخيلة
 
والسر في ذلك أن ذهن الإنسان، والمراد به هنا المتخيلة والمتوهمة، يقلب الكثير من الحقائق أو يصورها بوجه آخر أو يرى لها صفات مناقضة لها؛ ألا ترى الذهن، أي القوة المتخيلة، عاجزاً عن إدراك موجودٍ لا في الزمان بل يراه فيه جزماً، إذ كيف لا يمرّ الزمان عليه وهو موجود في الآن الأول فالثاني فالثالث؟ لكن العقل هو الذي يخطِّئ الذهن والمتخيلة فيحكم بتجرد المجرد عن الزمان وإلا فان المتخيلة لا ترتضيه، وكذلك المكان فان المتخيلة عاجزة عن، بل ترفض، تخيل موجود هنا لكنه في نفس الوقت ليس فيه!، غاية الأمر تقول انه فيه وفي غيره أيضاً لكنه إذاً هو فيه فلا تتخيل (وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ)([9]) بدون كونه في مكان، لكن المتعقِّلة تحكم باستحالة كونه في المكان وإن كان مَعَنَا فيه لكون (فيه) ظرفاً وهو جل اسمه لا محدود فكيف يكون فيه؟
 
منشأ شبهة عدم تناهي الكون
 
ومِن عجز الذهن، أي المتخيلة، تحديداً نشأت شبهة عدم تناهي الكون إذ قال جمع بأن الكون المادي لا متناهي بالفعل (خلافاً لقوله تعالى: (وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْيدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ)([10]) وخلافاً للعلم الحديث الجازم بتوسع الكون بالانفجارات) مستدلين بانه لو فرض متناهياً له نهاية فلو وقف شخص على حافّته ورمى حجراً فهل يطير الحجر في اللامكان؟ أو في المكان؟ فإن قيل بالثاني كان خارج الكون مكاناً أيضاً فلم يكن متناهياً وإن قيل بالأول لزم وجود المكاني في اللامكان وهو محال؟
إلا أن هذا كله شبهة القوة المتخيلة في مقابل البديهة العقلية والضرورة العلمية.
ومن ذلك كله نعرف السر في تعليل الناس الاعدام بالاعدام (كـ: ما ذهبت للمدرسة لأن الباص لم يأتِ) وإصرارهم على صحته مع أن الموجود في الخارج فقط وفقط هو الوجود والوجود والفعل والفعل الآخر وانه منه تنتزع، بل تعتبر، الاعدام المضافة ويعلل بها.
 
حقيقة السكون
 
لا يقال: السكون عدم الحركة ولا نشك أننا نتصف به؟.
إذ يقال: بل هو الوجود الثاني في المكان الأول، فهذا هو البقاء الذي ينتزع منه عنوان السكون
ولذلك كله قال السيد الوالد: (ربما قيل: في الجواب بأن الاعدام الخاصة لها حظ من الوجود وربما نوقض بما نراه في العرف من القول بأنه لم يدرس لأنه لم يكن له استاد وما أشبه ذلك، لكن في كلا الجوابين ما لا يخفى، لبداهة أن العدم ليس بشيء وما ليس له حظ من الوجود لا يكون مؤثراً أو متأثراً، وكون العدم الخاص له حظ من الوجود إنما هو في الذهن لا في الخارج، بل العدم المطلق كذلك أيضاً، كما صوره شارح التجريد، والنقض مسامحي إذ في الحقيقة بقي التلميذ جاهلاً لبقاء علة جهله)([11]) ولنكتفِ من هذا البحث بهذا المقدار والله الموفق.
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
.................................................
 
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) "لِلْجَنَّةِ بَابٌ يُقَالُ لَهُ بَابُ الْمُجَاهِدِينَ يَمْضُونَ إِلَيْهِ فَإِذَا هُوَ مَفْتُوحٌ وَهُمْ مُتَقَلِّدُونَ بِسُيُوفِهِمْ وَالْجَمْعُ فِي الْمَوْقِفِ وَالْمَلَائِكَةُ تُرَحِّبُ بِهِمْ ثُمَّ قَالَ فَمَنْ تَرَكَ الْجِهَادَ أَلْبَسَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ذُلًّا وَفَقْراً فِي مَعِيشَتِهِ وَمَحْقاً فِي دِينِهِ  إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَغْنَى أُمَّتِي بِسَنَابِكِ خَيْلِهَا وَمَرَاكِزِ رِمَاحِهَا".
الكافي (ط – الإسلامية) ج4 ص2.
====================
 
 

  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=2276
  • تاريخ إضافة الموضوع : السبت 20 محرم 1438هـ
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 02 / 23