بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
(112)
الحكم التكليفي إلزامي وترخيصي والوضعي لزومي وجوازي
وقد قسم السيد الخوئي (قدس سره) الحق، الذي اعتبره عين الحكم، إلى أربعة أقسام:
1- الحكم التكليفي الإلزامي. 2- الحكم التكليفي الترخيصي.
3- الحكم الوضعي الجوازي. 4- الحكم الوضعي اللزومي.
قال: (فالصحيح أنّ الحقّ لا يغاير الحكم بل هو حكم شرعي اختياره بيد من له الحقّ إسقاطاً وإبقاءً . والحاصل أنّ الحقّ بالنسبة إلى من له الحقّ حكم تكليفي إلزامي أو ترخيصي أو وضعي جوازي أو لزومي) ([1]).
ويمكن التمثيل للأربعة بما يستفاد من كلامه لاحقاً ([2]):
فالأول: جواز قتل الكافر المعدود من الأحكام، والجواز المراد به هنا المعنى الأعم والمقصود به الوجوب والا كان تكليفياً ترخيصياً.
والثاني: جواز قتل الجاني قصاصاً المعدود من الحقوق.
والثالث: جواز الرجوع في البيع الخياري، فان له إسقاطه.
والرابع: جواز الرجوع في الهبة، فانه ليس له إسقاطه، وأما إن كان للرحم أو تصرف فيه المهدى له بما يغير صورته النوعية أو اتلفه فانه لا يجوز ([3]) له الرجوع.
الأدلة على عينية الحق للحكم: 1- لا فرق بين الجواز الحكمي والحقي
ثم انه قد استدل على عينية الحق للحكم بقوله:
1- (ويشهد لما ذكرناه من أنّ الحقّ هو الحكم بعينه أنّا لا نرى فرقاً بين جواز قتل الجاني قصاصاً المعدود من الحقوق وبين جواز قتل الكافر المعدود من الأحكام سوى أنّ الأوّل قابل للاسقاط دون الثاني، هذا في الحكم التكليفي. وكذا لا نرى فرقاً بين جواز الرجوع في البيع الخياري المعبّر عنه بالحقّ وبين جواز الرجوع في الهبة المعبّر عنه بالحكم سوى قبول الاسقاط وعدمه وهذا في الحكم الوضعي. فليس في موارد ثبوت الحقّ سوى الحكم الشرعي القائم بالمكلّف المتعلّق بفعله، غاية الأمر أنّه قابل للاسقاط دون سائر الأحكام الشرعية) ([4]).
وقد نقل عنه في العقد النضيد استدلاله بدليلين آخرين ([5]):
2- كلاهما اعتباري فهما واحد
2- إن الحق والحكم متقومان بالاعتبار فكلاهما حقيقة اعتبارية ولا فرق بين الاعتباريات بالذات فهي اعتبارات متحدة تختلف أحكامها ([6]).
3- كلاهما ثابت، فهما واحد
3- (إنّ مفهوم الحقّ هو الثبوت، وهذا المفهوم صادقٌ على الحكم والحقّ الاصطلاحيين، وعليه فالحكم حقٌّ والحقّ حكم) ([7]).
مناقشة الوجهين الأخيرين
أقول: أما الوجه الثاني والثالث فضعفهما ظاهر جلي:
أما الثاني: فلأن كون الحق اعتبارياً والحكم اعتبارياً لا يستلزم عينية أحدهما للآخر؛ بداهة أن الزوجية اعتبارية والملكية اعتبارية والرقية اعتبارية والولاية والوصاية في الوقف اعتبارية فهل كل منها عين الآخر؟
وقال في العقد النضيد (ويرد عليه: أنّ قوام الملك أيضاً بالاعتبار، فإذا كان التقوّم بالاعتبار دليلاً على الوحدة، فلا معنى لجعل المِلك في قِبالهما) ([8]).
وبعبارة أشمل: الاعتبار جامع اعتباري للحق والحكم فلا يقتضي عينيتهما بل حتى لو كان جنساً، أي بمنزلته، فإن وجود الجنس لا يقتضي اتحاد النوعين كما لا يخفى.
وأما الوجه الثالث، فلأن اتصاف شيئين بصفةٍ أعم من وحدتهما إذ ما أكثر ما تكون الصفة عرضاً مفارقاً بل حتى لو كانت عرضاً لازماً بل حتى لو كانت ذاتياً أعم كالجنس كما سبق.
وبعبارة أخرى: الاتصاف بالثبوت أعم من كون المتصفين به أمراً واحداً بداهة أن كل موجود حقيقي أو اعتباري يتصف به، ولذا قال في النضيد: (ويرد عليه: أن الحق بمعنى الثبوت، صادقٌ على الأعيان الخارجية، وهذا يعني صدق الحقّ بهذا المعنى على كل ما هو ثابت في دار الوجود، مع أنّه لا يمكن الالتزام بعدم الاختلاف في الخارجيّات وفي الحقّ والحكم) ([9]).
وأما استدلاله بالوجدان بقوله: (ويشهد له...) فيرد عليه وجود الفارق بين جاز الرجوع في البيع الخياري وجواز الرجوع في الهبة، وبوجوده بين جواز قتل الجاني قصاصاً وجواز قتل الكافر، وسيأتي غداً بإذن الله تعالى.
تنبيه: لا يخفى أن الدقيق أن يقال: (جواز قتل الكافر الحربي أو المهاجم أو: الكافر غير الذمي وغير المعاهد ([10])) أو شبه ذلك، لوضوح انه لا يجوز قتل مطلق الكافر إذ منه الذمي ومنه المعاهد (وقد أضاف السيدان الوالد والعم – المحايد - )وانه لا يقتل ولا تجري عليه سائر أحكام المحارب.
لا بد في المقارنة من وحدة الجهة في القسمين
إيقاظ: مقارنته (قدس سره) بين جواز القتل قصاصاً وبين جواز قتل الكافر، ليست مما ينبغي إذ يراد بالجواز في الثاني المعنى الأعم فان قتله واجب ومن الواضح اختلاف الجواز عن الوجوب (حقاً كان أو حكماً أو بالاختلاف) إنما الذي أوقعه في الوهم تعبير الجواز مع الغفلة عن أن هذا الجواز (في مثل الحربي) بمعنى الوجوب وذاك بمعنى الإباحة فعقد المقارنة بينهما غير صحيح، وكان الأولى العثور على جواز حكمي بالمعنى الأخص ثم القول بأننا لا نرى فرقاً بينه وبين جواز قتل الجاني قصاصاً المعدود حقاً، نعم لو أراد من جواز قتل الكافر الجواز بالمعنى الأخص أي الإباحة صحت المقارنة، لكن الكلام في الصغرى حينئذٍ فتأمل.
لا يقال: الجواز لأن الوجوب تخييري (للتخيير بين القتل والأسر والمن والإسلام)
إذ يقال: مع قطع النظر عن البحث صغرى ([11]) أن مثل ذلك متحقق في كل حق أو واجب تخييري، وقد يكون أمر بلحاظ أصله حكماً وبلحاظ التخيير بين أنواعه حقاً، ولعله يأتي مزيد إيضاح.
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
..................................................
قال الإمام علي (عليه السلام) في ذم الدنيا: "أَوَّلُهَا عَنَاءٌ وَآخِرُهَا فَنَاءٌ فِي حَلَالِهَا حِسَابٌ وَفِي حَرَامِهَا عِقَابٌ، مَنْ صَحَّ فِيهَا أَمِنَ وَمَنْ مَرِضَ فِيهَا نَدِمَ، مَنِ اسْتَغْنَى فِيهَا فُتِنَ وَمَنِ افْتَقَرَ فِيهَا حَزِنَ، مَنْ سَاعَاهَا فَاتَتْهُ وَمَنْ قَعَدَ عَنْهَا أَتَتْهُ، وَمَنْ نَظَرَ إِلَيْهَا أَعْمَتْهُ وَمَنْ نَظَرَ بِهَا بَصَّرَتْهُ" تحف العقول عن آل الرسول (صلى الله عليه وآله): ص202.
===================
|