بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
(116)
الحقوق التكوينية في دائرة العِلية، والحقوق التشريعية في دائرة الاقتضاء
وبعبارة أخرى: أنه قد يقال: إن عِلّية عنوانٍ للحق، فيما لو كان عنوان الموضوع علة لثبوت الحق له فيكون ([1]) لازماً له غير منفك عنه، إنما هي في الحقوق التكوينية أي الثابتة تكويناً لموضوع لا بتوسط جَعلٍ شرعي وإلا لما كان الموضوع علة بل مقتضياً، وذلك كما في حق الابوة والأمومة فإن الابوة يلزمها حقها فإنها علة تكوينية للحق الثابت للمتصف بها، والوجه في ذلك أن الأب واسطة الفيض كما سبق فله على الابن حق الحياة وأنه ما بواسطته الوجود وإن لم يكن ما به الوجود بحقيقته، والحق بمعنى الاستحقاق لبعض مراتب البرّ ذاتي له غير متفرع حتى على ما استقل به العقل من حسن ووجوب شكر المنعم. فتأمل
حق النبي (صلى الله عليه وآله) والإمام (عليه السلام) تكويني عِلّي
والأولى التمثيل بحق النبي والإمام (عليهم السلام) على البشرية إذ لا شك أنهم وسائط الفيض الإلهي بل لا يشك في بعض مراتب ذلك حتى أكثر أتباع الوهابية والسلفية تشدداً إذ لا أقل من كونه (صلى الله عليه وآله) واسطة فيض الغفران، قال تعالى: ( وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ)([2])
ولذا قال المحقق الاصفهاني في حاشيته على المكاسب: (إن سلطنته تعالى على خلقه حقيقية لا اعتبارية، وهي الاحاطه الفعلية الوجودية التي لا زوال لها، لاستحالة استقلال الممكن بالوجود، وكذا ولاية النبي والائمة (صلوات الله عليهم) بمعنى وساطتهم في الفيض وكونهم مجاري فيض الوجود، فإن زوالها مستحيل؛ وإلا لزم أصالة الموجود بالتبع وكون الممكن الأخس في عرض الممكن الأشرف) ([3]). هذا.
حق المطالبة في الوديعة والعارية
ويمكن التمثيل لعِلّية الموضوع للحق، فقهياً، بحق المطالبة في الوديعة والعارية، فانه حق لازم لذاتهما غير منفك عنهما ولذا وجب رد الوديعة وإن كان المودع كافراً حربياً مباح المال على الأحوط وجوبا لدى البعض ([4])، واشتراط عدم ثبوت هذا الحق له خلاف مقتضى العقد فهو باطل، نعم له أن يشترط – في ضمن عقد آخر – عدم أخذه به وعدم المطالبة وهو غير اشتراط عدم ثبوت الحق له كما سبق. فتأمل
بحث تمريني
هل يصح التمثيل للعِلّية بالعقد الجائز، كعقد الشركة والمضاربة حسبما ذهب إليه المشهور من كونها جائزة من الطرفين ([5]) فيما فصّل بعض الأعلام في المضاربة ([6]).
(116)
وهل يصح التمثيل للعِلّية بالقرض الذي قالوا بانه ليس له حق استرداده وإن حدد له مدة وإلا فله استرداده متى شاء؟.
وعلى أي فإن أي مورد لم يندرج في العِلية اندرج في دائرة الاقتضاء.
كلام صاحب العروة
أما المحقق اليزدي فقد وجّه اللزوم في الحق بوجه أوسع مما ذكره المحقق الاصفهاني قال: (لا يخفى ان طبع الحق يقتضى جواز اسقاطه ونقله؛ لأن المفروض كون صاحبه مالكاً للأمر ومسلطاً عليه؛ فالمنع إمّا تعبدي أو من جهة قصور في كيفيته بحسب الجعل، والأول واضح، والثاني كأن يكون الحق متقوِّما بشخص خاص أو عنوان خاص، كحق التولية في الوقف وحق الوصاية ونحوهما، فإنّ الواقف أو الموصي جعل الشخص الخاص - من حيث إنه خاص - مورداً للحق فلا يتعدى عنه، وكولاية الحاكم فإنها مختصة بعنوان خاص ([7]) لا يمكن التعدّي عنه إلى عنوان آخر، ومثل حق المضاجعة بالنسبة إلى غير الزوج والزوجة، وكحق الشفعة بالنسبة إلى غير الشريك وهكذا) ([8]).
وهو أولى مما صنعه الاصفهاني فلاحظ.
الوجه الثاني: النكتة في الموضوع اما علة لثبوت الحق أو مقتضية له
أن تكون النكتة في الموضوع هي العلة لثبوت الحق له، لا الموضوع نفسه كما في الوجه الأول، وقد يمثل له بحق الرهانة وحق الشفعة، فإن الموضوع في حق الشفعة هو الشريك (بشروطه ومنها أن يكون مشاعاً وأن يكونا اثنين فقط... الخ) وليس كونه شريكاً علة ثبوت حق الشفعة له كما هو واضح بل هو مقتضٍ إلا أن النكتة فيه هي التي تصلح أن تقع علة والعلة هي (تضرر الشريك) ببيع شريكه حصته المشاعة إلى الثالث الأجنبي مما يستلزم دخوله عليه – أي على الشريك الأول غير البائع – فدفعاً لتضرره ثبت له حق الشفعة، ومن الواضح أن العلة لو كانت هي هذه فإن حقاً الشفعة يكون قائماً بالشريك (غير البائع) فلا يصح نقله للغير لأنه المتضرر بدخول الأجنبي عليه لا غيره.
وكذلك حق الرهن فإنه وثيقة الدّين فالموضوع هو (الدائن) والحق هو (حق الرهن) فيما رهنه لديه المديون، والنكتة هي (وثيقة الدين) وهي قائمة بالدائن ([9]) لا يمكن نقلها للغير إذ الرهن وثيقة دينه على المديون وليس هذا الدين لغيره كي يعقل نقل الوثيقة عليه إليه!
لكن ذلك وإن أمكن إلا أنه لا دليل عليه إثباتاً، بل الظاهر انها حِكَم وليست عللاً؛ ولذا أمكن أن لا تجعل تلك الحقوق كما أمكن أن تسقط، فعدم إمكان النقل إنما هو للدليل لا للامتناع وكون لزومه لزوماً عِلّياً معلولياً. فتدبر،
وللحديث صلة بإذن الله تعالى.
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
.................................................
قال الإمام علي (عليه السلام): "إِنَّ هَذِهِ الْقُلُوبَ تَمَلُّ كَمَا تَمَلُّ الْأَبْدَانُ فَاهْدُوا إِلَيْهَا طَرَائِفَ الْحِكَم"
عوالي اللئالي العزيزية: ج1 ص295.
================
(مسألة: 13) لو جعلا للشركة أجلاً لم يلزم، فيجوز لكل منهما الرجوع قبل انقضائه إلا إذا اشترطاه في ضمن عقد لازم فيلزم).
|