بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
(117)
الوجه الثالث: الحيثية اما تقييدية أو تعليلية
سبق أن الحق إما لازم وإما منفك، وقد يعلل ذلك ويوجّه، إضافة إلى ما سبق، بأن الحيثية إما أن تكون تقييدية فيدور مدارها الحكم وجوداً وعدماً وإما أن تكون تعليلية فلا يدور مدارها الحكم عدماً وإن دار مدار وجودها حدوثاً.
ويمكن التعبير عنهما بما عبر به المحقق الاصفهاني بأن العنوان إما مقوّم وإما معرِّف فالمقوّم يساوي كونه حيثية تقييدية والمعرّف يساوي كونه حيثية تعليلية.
كما يمكن التعبير بنحو ثالث وهو أن الحيثية أو الصفة أو النكتة قد تكون علة للحدوث والبقاء معاً وقد تكون علة للحدوث وبعِلّيتها للحدوث تكون علة للبقاء فالأول يساوي التقييدية إذ يدور مدارها الحكم والمحمول حدوثاً وبقاءً والثاني يساوي التعليلية والمعرّف إذ يدور مدارها الحكم حدوثاً أما بقاء فلا بل يكفي حدوثها في ثبوت الحكم أبداً وإن زالت هي.
الصور الثلاث
وعلى ذلك تكون الصور ثلاثاً:
الأولى: أن يحرز كون الحيثية تقييدية.
الثانية: أن يحرز كونها تعليلية.
الثالثة: أن يشك في كونها من أيهما.
الحيثية التقييدية
فالأولى مثل: أن يقول (صل خلف العادل) فإن العدالة حيثية تقييدية وهي عنوان مقوّم وهي علة حدوثاً وبقاءً فلو زالت لما صحت الصلاة خلفه، وكذا لو قال (يجوز أو يصح تقليد الرجل المجتهد) أو قال (خبر الثقة حجة).
الحيثية التعليلية
والثانية مثل: (لا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ)([1]) فإن الظلم حيثية تعليلية ومعرّف لا مقوّم فلو حدث آناً، كفى في عدم صلاحية الشخص للإمامة أبد الدهر (وقد فصلنا ذلك في بحث التفسير وغيره في ضمن بيان الصور الأربع المحتملة للآية)، وهذا مثال كلامي.
وأما الفقهي، فكما لو قال: الماء المتغيّر بالنجاسة نجس فإن التغير حيثية تعليلية وهو معرِّف لا مقوّم فلو حدث آناً ما تنجس وتبقى نجاسته وإن زال تغيره من قبل نفسه؛ وذلك للدليل الخارجي، من إجماع وغيره ([2])، وإن قلنا بأن الأصل في الحيثيات كونها تقييدية لا تعليلية.
وأما المثال العرفي لذلك فكما لو قال:
المرتشي لا يصلح للرئاسة، فإن الحيثية (كونه مرتشياً) تعليلية لا تقييدية فلو ارتشى قبل 20 سنة منعه ذلك عن التصدي للرئاسة الآن كما هو كذلك في بعض الدول وإن كان بنحو العرف الدستوري لا الدستور العرفي أي العرف الذي هو بقوة الدستور نظير السيرة لدينا لا الدستور المقنن المكتوب الذي منشؤه العرف – حسب بعض التعريفات -.
صورة الشك
والثالث مثل: البيع الغبني، أو المغبون فيه، يصح فسخه أي لك فيه الخيار أو: البيع الذي ظهر أن متعلقه معيب فلك الخيار فيه.
فلو شك أن الغبن أو العيب حيثية تقييدية للخيار بحيث انه إذا كان المثمن معيباً فزال عيبه من قبل نفسه أو بعلاج من البائع، سقط الخيار، أو تعليلية بحيث أنه حتى لو زال لم ينتف الخيار وكذا الأمر في الغبن، فلا بد من الرجوع إلى الأصل حينئذٍ، وهذا ما سيعقد له البحث القادم وهو أن الأصل في مشكوك التعليلية أو التقييدية أيهما؟
وأمثلة المشكوك كونه تقييداً أو تعليلياً، العرفية والطبية وغيرها كثيرة ومنها ما لو قال: أكل الخبز اليابس يزيل النسيان ([3])، ثم شك أن حيثية كونه يابساً تقييدية فلو جعله ثريداً لم ينفع أو تعليلية فلو جعله ثريداً كان نافعاً أيضاً، فالمرجع الأصل.
وفي المقام: لو قال (الشريك له حق الشفعة) فهل حيثية كونه شريكاً تقييدية أو تعليلية؟ وكذا لو قال: (الشريك المتضرر بالبيع، له حق الشفعة) فهل تضرره بالبيع حيثية تقييدية أو تعليلية؟ فإذا كانت تقييدية فكيف ينقله للغير، ببيع أو صلح أو غيرهما، مع أن الغير ليس بشريك ولا هو بمتضرر؟ وللبحث صلة بإذن الله تعالى
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
................................................
قال الإمام الصادق (عليه السلام): "إِنَّ لِلَّهِ مَلَائِكَةً مُوَكَّلِينَ بِقَبْرِ الْحُسَيْنِ (عليه السلام) فَإِذَا هَمَّ الرَّجُلُ بِزِيَارَتِهِ فَاغْتَسَلَ نَادَاهُ مُحَمَّدٌ (صلى الله عليه وآله) يَا وَفْدَ اللَّهِ أَبْشِرُوا بِمُرَافَقَتِي فِي الْجَنَّةِ وَنَادَاهُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ (عليه السلام) أَنَا ضَامِنٌ لِقَضَاءِ حَوَائِجِكُمْ وَدَفْعِ الْبَلَاءِ عَنْكُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ثُمَّ اكْتَنَفَهُمُ النَّبِيُّ (صلى الله عليه وآله) وَعَلِيٌّ (عليه السلام) عَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ حَتَّى يَنْصَرِفُوا إِلَى أَهَالِيهِمْ"
تهذيب الأحكام: ج6 ص53.
=================
|