بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
(118)
مناقشة الوجه الثالث: كلتا الحيثيتين تستوجبان اللزوم
ولكن يرد على الوجه الثالث: أن كون الحيثية تقييدية أو تعليلية ليس فارقاً بين الحق اللازم وغيره، بل أي منهما تحقق استلزم كون الحق لازماً؛ إذ سواء أكانت الحيثية تقييدية أم تعليلية فانه لا يمكن إسقاط الحق أو نقله أما التقييدية فلما سبق من عدم تحققها في الغير وهي قيد المحمول والحق وعليها يدور الحق والمحمول وجوداً وعدماً فكيف تُسقط أو تُنقل؟
وأما التعليلية فلنفس الوجه بأدنى تغيير في التعبير ([1]) بل هو أولى إذ إذا كان مجرد حدوث الحيثية آنا ما كافياً لثبوت المحمول والحق لذيه دائماً بأن دار مداره وجوداً لا عدماً فكيف يعقل نقله أو إسقاطه؟
نعم لو كانت الحيثية اقتضائية، كان الحق منفكاً قابلاً للإسقاط أو النقل إذ هي كالحكمة حينئذٍ.
فقد ظهر أن هذا الوجه الثالث بكلا شقيه سبب لزوم الحق.
نعم الجامع للشقوق الثلاثة هو التعبير بالمقوّم والمعرّف إذ المقوّم يشمل الحيثيتين فلا يقبل الإسقاط أو النقل والمعرّف ينطبق على الاقتضائي وعلى صِرف المشير فيقبلهما فتدبر.
4- ما كان لرعاية ذي الحق فمنفك وما كان لرعاية غيره فحق لازم
الوجه الرابع: أن ما كان لرعاية حال ذي الحق فهو حق منفك مفارق قابل للإسقاط أو النقل إذ انه حقه فله أن يتصرف فيه كما شاء، كما أن له في ملكه ذلك، وإذا أمكن نقل الملك أو إسقاطه بالاعراض عنه مثلاً كان الحق أولى بذلك.
وأما ما كان لرعاية حال غيره فهو حق لازم.
قال المحقق الاصفهاني: (وحيث إن هذا الاعتبار لمكان رعاية حال المولى عليه والموصي لا لرعاية نفس الولي والوصي فلا يناسبه السقوط بالإسقاط) ([2]) وقال: (وهذا بخلاف سائر الحقوق كحق الخيار وحق الشفعة؛ فإن مصلحة الارفاق بالبائع أو بالمشتري أو بهما معا أوجب لهم اعتبار السلطنة على فسخ البيع وإمضائه، رعايةً لذي الحق لا لمن عليه الحق فله إسقاطه) ([3])
وكلامه في عالم الإثبات، إلا أننا نقلناه كما ترى لعالم الثبوت فتدبر.
مناقشات الوجه الرابع
أقول: لكن هذا الوجه ([4]) ليس على ما ينبغي للجهات التالية:
التعبير بالحق عما كان لرعاية حق الغير، مجازي بالنسبة له
أولاً: أن ما كان لرعاية حال الغير، ليس حقاً لمن عليه الحق بل هو حكم عليه وتسميته بالحق مجاز لعلاقته مع من هو له، إذ هو حق للغير لا له، فلو فرض أن حق الحضانة إنما هو رعايةً لحال الطفل فهو حق للطفل والتعبير عنه بحق الأم في الحضانة، على هذا، مجاز.
نعم لو قلنا بانه لرعاية حالها كما لعله يدل عليه قوله (عليه السلام): "...الْمَرْأَةُ أَحَقُّ بِالْوَلَدِ إِلَى أَنْ يَبْلُغَ سَبْعَ سِنِينَ إِلَّا أَنْ تَشَاءَ الْمَرْأَة"([5]) كما في رواية أيوب بن نوح، كان حقاً لها فكان منفكاً، ولو كان لرعاية حالهما كان حقاً لها وعليها معاً وقد سبق إمكان اجتماع الحكم والحق وأولى منه اجتماع جهتي له وعليه في الحق.
اللزوم من جهته ولا إلزام على من بيده الاعتبار
ثانياً: سلمنا ان ما كان لرعاية حال الغير فهو حق لمن عليه الحق وإن صدق عليه حقيقي ([6])، لكنه لا يستلزم كونه لازماً إذ إنما يكون لازماً إذا لاحظناه بالنسبة له فانه حيث جعل الحق عليه رعاية لحال غيره فليس له إسقاطه، لكنه بالنسبة إلى من بيده الاعتبار وهو الجاعل فانه مرتهن به إذ يمكنه أن يجعله لرعاية حال الغير ويجعل لمن عليه الحق حق إسقاطه أو نقله لوجود جهة مصلحة أخرى مزاحمة تقتضي ذلك أو للوجه الآتي.
والحاصل: أن اللزوم بالنسبة إلى من عليه الحق أي من جهته وكونه غير قادر بما هو مكلف مجعول عليه الحق على إسقاطه، لا يستلزم اللزوم من جهة المشرع ومن بيده الأمر وكونه غير قادر على جعل حق الإسقاط لمن عليه الحق.
وبعبارة أخرى: الكلام في أن الحقوق المجعولة ثبوتاً هي على قسمين اللازم والمنفك، وما جعل رعاية للغير يمكن للمولى المشرع أن يجعله لازماً كما يمكنه أن يجعله منفكاً، اللهم إلا لو فرض ([7]) علة تامة له ([8]) من غير وجود جهة مزاحمة أخرى أبداً فيكون حينئذٍ خارجاً عن مقدور المولى، ولعله فرض لا وجود له بل لا تصوير له بالنسبة للباري تعالى.
ذلك صحيح بناء على كونه عِلة لا حكمة
ثالثاً: أن ذلك إنما يصح لو كانت (رعاية حال غير ذي الحق) علة لا حكمة أما لو كانت حكمة فلا يدور الحق ثبوتاً مدارها سلباً وإيجاباً فله الإسقاط والنقل من غير محذور.
ولعل هذا الثالث هو الوجه، مع القسيم الآخر، للثاني فمجموعهما وجه واحد فتدبر. وسيأتي غداً البحث عن عالم الإثبات بإذن الله تعالى
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
..............................................
قال الإمام الصادق (عليه السلام): "مَنْ أَتَى قَبْرَ الْحُسَيْنِ (عليه السلام) عَارِفاً بِحَقِّهِ كَتَبَ اللَّهُ لَهُ أَجْرَ مَنْ أَعْتَقَ أَلْفَ نَسَمَةٍ وَكَمَنْ حَمَلَ عَلَى أَلْفِ فَرَسٍ مُسْرَجَةٍ مُلْجَمَةٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ" الكافي (ط – الإسلامية): ج4 ص581.
================
|