بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
(129)
سبق الكلام عن بعض المرجعيات لدى الشك في قابلية أمرٍ (مما عدّ حقاً أو حكماً بالمعنى الأعم) للاسقاط وعدمه، وبقي الكلام في صورة الشك في قابليته للانتقال وعدمه أو النقل وعدمه، أو إسقاط الغير له وعدمه، أو إيجاده وإعدامه وعدمهما أو تغييره مما سبقت إضافته للأحكام الثلاث المعهودة.
2- لو شك في قابلية الشيء للانتقال
فلو شك في قابلية أمرٍ، كحق الاختصاص بحجرة المدرسة أو الصف الأول في الجماعة أو حق براءة الاختراع أو حق التأمين على سيارته أو حق الرجوع في الهبة أو ما أشبه، للانتقال بالموت إلى الوارث مثلاً، فالمرجع كما سبق هو لسان الأدلة لو وجد وإلا فإطلاقاتها لو ثبتت وكذا كون العنوان تمام الموضوع أو وجود خصوصية في الشخص أو الجهة أو كونه لرعاية حاله أو حال غيره، أو قاعدة لكل ذي حق إسقاط حقه أو كون الحيثية تعليلية أو تقييدية أو اقتضائية أو كون الموضوع أو النكتة فيه علة أو حكمة، ومناسبات الحكم والموضوع وشبهها وإلا فالأصول العملية كالاستصحاب بوجوهه السابقة، فهكذا ينبغي أن يطرح البحث.
التنقيح: مع الشك لا يعلم أنه (مما تركه الميت)
وقد اقتصر في التنقيح في مبحث الانتقال على إحدى الحالات والمرجعيات فقط، مع أنها عشرة كما سلف ومع أنه ذكر في الشك في الإسقاط وعدمه ثلاثة منها ([1]) كما ذكر في صورة الشك في قبول النقل للغير وعدمه حالة واحدة فقط مع أن وزان الثلاثة (الإسقاط، الانتقال، النقل) واحد.
قال: (وأمّا إذا شككنا في أنّه قابل للانتقال فينتقل من المورّث إلى وارثه أم لا فالصحيح فيه الحكم بعدم الانتقال ، لأنّ ما ينتقل إلى الوارث هو ما تركه الميت والمراد به بحسب الفهم العرفي ما يبقى بعد ذهاب الميت ولا يكون قائماً بشخصه ، فإنّ ما يكون قائماً بشخص الميت يذهب بذهابه ولا يصدق عليه عنوان ما تركه الميت فإذا شككنا في قابلية الحكم للانتقال وعدمها يشكّ في شمول ما تركه الميت له والأصل عدم انتقاله إليه) ([2])
وبعبارة أخرى: التمسك بـ(ما تركه الميت) لدى الشك في قابلية الحكم (بالمعنى الأعم) للانتقال أو عدمه، تمسك بالعام في الشبهة الموضوعية إذ لا يعلم حينئذٍ أنه (مما تركه) إذ انه إذا صلح للانتقال كان مما تركه وإلا فلا.
مناقشة (العقد) للتنقيح
وقد أشكل عليه العقد النضيد ([3]) بان كلامه مضطرب لأن الكلام في صورة الشك وقد استند السيد الخوئي إلى لسان الدليل وهو (ما تركه الميت) والمفروض أن صورة الشك إنما هي بعد فقد الأدلة.
ولكن يمكن الذب عنه بأن مقصوده ليس الشك بعد فقد الأدلة كلها، بل الشك قبل مراجعة الأدلة، نعم قد يقال أنه خلاف الظاهر فتدبر.
المناقشة: (ما تركه) صادق عرفاً
ولكن قد يشكل عليه بأن (ما تركه الميت) وهو موضوع مأخوذ في الرواية "ما ترك الميت من شيء فلورثته" ([4]) المرجع فيه العرف، والعرف يرى صدق (ما تركه) على كل أمرٍ كان له فيه حق الاختصاص أو الملك؛ ولذا قال المحقق اليزدي (ودعوى عدم صدق الترك إذا شك في كونه مقوما أو موردا مدفوعة بعد النقص بالملك الكذائي بان الصدق متحقق عرفا فان المراد منه مجرد كونه ذا حق متعلق بشخص أو شيء فمات عنه) ([5]).
وبعبارة أخرى: كأن المدعي توهم أن (ما تركه الميت) لا بد أن يكون ذا وجود استقلالي صالح للانفصال عن المالك أو الميت، مع أنه عرفاً أعم بل هو مطلق (ما مات عنه) لا (ما مات عنه وله وجود استقلالي قابل لأن ينتقل عنه) فتأمل. وسيأتي لدى البحث عن قاعدة (أن العمومات لا تثبت القابليات) تنقيح البحث وتدقيقه وتعميقه بإذن الله تعالى.
التنقيح: القابلية للانتقال فرع القابلية للنقل
ثم قال السيد الخوئي (قدس سره): (وبما ذكرنا ظهر أنّ القابلية للانتقال من شؤون قابلية الشيء للنقل ، فإنّه على فرض قبوله للنقل يدخل في جملة ما ترك ، لأنّه يكشف عن أنّه ليس حكماً شخصيّاً ليذهب بذهابه ، وعليه فالمهمّ صرف عنان الكلام إلى بيان أنّه يقبل النقل إلى الغير أو لا يقبل النقل) ([6]).
المناقشة: ليست فرعاً في الإرث
ولكن يرد عليه أولاً فنياً بأن ما ذكره هنا أمر مستقل لا يتفرع على سابقه ولا يظهر منه فإن القابلية للانتقال في ما تركه الميت ليس فرع القابلية للنقل فتأمل وثانياً، وهو العمدة، أنه خلط بين نوعين من الانتقال: الانتقال المتفرع على النقل (أي قابلية الانتقال المتفرعة على قابلية النقل والتي هي من شؤونها) والانتقال غير المتفرع عليه، والكلام في الثاني لا الأول.
وتوضيحه: أن (ما تركه الميت) ينتقل عنه وليس له نقله فليس متفرعاً عليه بل لا يصح الثاني أصلاً، هذا بعد وفاته الذي به يصدق (ما تركه الميت) وأما قبل وفاته فيصح له نقله وينتقل عنه بالتبع وليس الكلام فيه.
وبعبارة أدق: أن الانتقال الفاعلي ([7]) هو من شؤون النقل الفاعلي (كما في البيع وغيره) أما الانتقال القهري الإلهي (كما في الإرث) فليس من شؤون النقل الفاعلي نعم هو من شؤون النقل الإلهي ولكن ليس الكلام فيه ولا الأدلة التي ساقها (قدس سره) وغيره عنه فتدبر.
وبعبارة أخرى: الكلام عن انتقاله هو (أي ما تركه الميت) لا عن انتقاله عبر نقل شخصٍ له ليكون متفرعاً عليه.
وللبحث صلة بإذن الله تعالى..
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
====================
قال أمير المؤمنين (عليه السلام): "العَقلُ غِطَاءٌ سَتِيرٌ والفَضلُ جَمَالٌ ظَاهرٌ فَاستُر خَلَلَ خُلُقِكَ بِفَضلِكَ وقَاتِل هَوَاكَ بِعَقلِكَ تَسلمْ لَكَ المودَّةُ وتَظهَرْ لَكَ المَحَبَّةُ" الكافي: ج1 ص21.
...........................................
|