بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
(136)
3- الإطلاقات تتكفل الحكم الوضعي لا التكليفي
ثالثاً: هذا كله إضافة إلى أن إطلاقات (أَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ) و(أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) وغيرها، إنما تتكفل، حسب المشهور المنصور، بالحكم الوضعي وهو صحة ما شك في صحة نقله شرعاً مع ([1]) صحة نقله عرفاً، ولا تتكفل بالحكم التكليفي له فلا يصح التهويل بـ(ولذا لو فرضنا أحداً آجر نفسه للغناء أو جعل فعله هذا عوضاً في البيع ونفرض أنّا نشكّ في حرمة الغناء وكونه تحت سلطنته وضعاً ـ فإنّ الحرام لا يجوز جعله عوضاً ولا تقع المعاملة عليه ـ لا يمكننا التمسّك بعموم (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) والحكم بدلالته بالالتزام على صحّة العقد وجواز الغناء تكليفاً) ([2]) وذلك لأن التفكيك بين الأحكام الظاهرية غير عزيز.
فلو شك الفقيه فرضاً في جواز الغناء (كما في الغناء غير المناسب لمجالس اللهو واللعب مثلاً)، ولنمثِّل بالحداء (حداء الإبل)، فههنا شكّان وليس الشك واحداً: الأول: أنه هل يجوز الغناء أم لا، وهو عين ذلك الشك، والثاني: أنه هل يصح إجراء المعاملة عليه كمعاملة الصلح أو الإجارة أو الشراء والبيع مثلاً، وهو لازم ذلك الشك، فانه يمكن التمسك بإطلاقات (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) لرفع الشك الثاني إذا كان يعدّ بيعاً عرفاً أو صلحاً عرفاً فالصدق العنواني يؤخذ من العرف والصحة الوضعية تؤخذ من إطلاق (أَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ) أي أن العرف تكفل بالموضوع والشرع أجازه وضعاً بقوله: (أَحَلَّ).
لكنه لا يمكن التمسك بالإطلاقات لرفع الشك الأول وهو جوازه تكليفاً إذ لا دلالة لها عليه بوجهٍ أبداً، بل أن جوازه وعدمه يؤخذ من أدلته وهي أدلة أخرى كما لا يخفى.
ولا يتوهم أن صحة البيع وضعاً متفرعة على جوازه تكليفاً (فان الحرام لا يجوز جعله عوضاً ولا تقع المعاملة عليه) كما قال (قدس سره) إذ أنه أكل مال بالباطل وثمن المغنية سحت ([3])، فانه وإن صحّ إلا أنه حيث صحّ، على المشهور المنصور، التفكيك بين الأحكام الظاهرية صح التفكيك بين المتلازمين وبين السبب والمسبب إذا تمّ الدليل على أحدهما دون الآخر ولذا بنوا وبنى (قدس سره) على التفكيك بين الطهارة والحِلّية في مشكوك التذكية لتمامية الاصل في الطهارة دون الحلية، مع أنهما متلازمان واقعاً إذ انها إما ميتة فنجسة محرمة أو مذكاة فطاهرة محللة.
4- الإطلاقات إما تفيد صحة (البيع) مطلقاً أو لا مطلقا
رابعاً: أن كلما صدق عليه البيع أو العقد أو غيرهما عرفاً ([4]) شملته إطلاقات (أَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ) و (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) وغيرهما من غير فرق بين كون الشك في صحة البيع من جهة شروط المتعاقدين أو من جهة شروط العقدين أو من جهة شروط العوضين أو من جهة شروط السلطنتين ([5]).
والأول: كما لو شك في اعتبار كون العاقد بالغاً أو رجلاً مثلاً فانه إذا صدق عليه (البيع) عرفاً أمكن التمسك بإطلاق (أَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ) و(أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) لحليته والإلزام به.
الثاني: كما لو شك في اشتراط العربية أو الماضوية، مع فرض الصدق العرفي.
والثالث: كما لو شك في صحته وقوع المعادن المستحدثة مبيعاً ومثمناً أو شك في صحة كون غير المحسوس بإحدى الحواس (كالهواء غير المرئي إذا ضغط في كبسولة كما يصنع الآن في جهاز الأوكسجين) مثمناً، أو شك في صحة وقوع الكلي مثمناً مثلاً.
والرابع: كما لو شك في اشتراط السلطنة المالكية شرعاً في صحة العقد أو شك، بعد العلم بكفاية السلطنة الحقوقية أيضاً أي السلطنة على الشيء بأحد نحوي كون ملكاً له أو حقاً له، في اشتراط السلطنة على النقل شرعاً في صحة بيع هذا الحق كحق التحجير، فانه إذا ثبتت السلطنة عرفاً وثبت إطلاق البيع أو العقد على هذا النقل (نقل حق التحجير) عرفاً صح التمسك بعموم (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) أو(أَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ)، لنفاذه وإمضائه.
والحاصل: أن المقياس صدق البيع عرفاً فان منه يؤخذ الموضوع ويؤخذ (أَحَلَّ) و(أَوْفُوا) من الشرع.
وبعبارة أخرى: أما أن نقول بإطلاق (أَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ) وغيره من كل الجهات الأربع الماضية، بعد فرض الفراغ عن صدق البيع عرفاً، أو لا نقول مطلقاً أما التفكيك بالتمسك بالإطلاق في الجهات الثلاث الأولى دون الرابعة فمما لا وجه تامّ له ظاهراً.
والحاصل: أن كونه بيعاً ومبيعاً وبائعاً ومسلطاً عليه، كل ذلك يؤخذ من العرف، والحِلَّ والصحة تؤخذ من الشرع فإذا تصرف وردع أُتّبِع وإلا شملته الإطلاقات فتدبر والله الهادي.
هذا. وقد فصلنا في موضع آخر الكلام في التمسك بالإطلاق اللفظي أو المقامي على مسلكي الصحيحي والأعمي، وعلى كلا تقديري كون البيع وأشباهه أسماً للسبب والمسبب، فليراجع.
خامساً: وقد يقال بأنه يمكن استكشاف إطلاق السلطنة (أي أن له نقله أي نقل هذا الحق بالبيع مثلاً) من إطلاق المتعلق (وصحة تعلق البيع بكل شيء ومنه نقل هذا الحق). فتأمل
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
====================
قال الإمام زين العابدين (عليه السلام): "إِنَّ الْمَلَائِكَةَ إِذَا سَمِعُوا الْمُؤْمِنَ يَدْعُو لِأَخِيهِ الْمُؤْمِنِ بِظَهْرِ الْغَيْبِ أَوْ يَذْكُرُهُ بِخَيْرٍ، قَالُوا: نِعْمَ الْأَخُ أَنْتَ لِأَخِيكَ، تَدْعُو لَهُ بِالْخَيْرِ وَهُوَ غَائِبٌ عَنْكَ وَتَذْكُرُهُ بِخَيْرٍ، قَدْ أَعْطَاكَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مِثْلَيْ مَا سَأَلْتَ لَهُ وَأَثْنَى عَلَيْكَ مِثْلَيْ مَا أَثْنَيْتَ عَلَيْهِ وَلَكَ الْفَضْلُ عَلَيْهِ..."
وسائل الشيعة: ج7 ص111.
...........................................
|