بحث عقدي: ولاية التربية من مناصب الرسل والأوصياء *
إن من مقامات الإمام(عليه السلام) مقام ولاية تربية الأمة وتزكيتها، كما دلت عليه الروايات [1]، وسيأتي بعضها.
للمعلم ولاية التربية أم لا:
وللتقريب للذهن نمثل بالمعلم، فإنه يفرض على طلابه ويلزمهم بالدرس، وبالاستعداد للامتحان والمشاركة فيه وبالنظام الخاص، وسيرة العقلاء وبناؤهم على أن له حق عقوبتهم ـ بقدرٍ ـ إذا خالفوا، وما ذلك إلا لأنهم يرون له ولاية التعليم، وأنه لو لم تكن له هذه الولاية لأدى الأمر إلى الفوضى في المدرسة، وإلى تخلف الطلاب فالأمة والبلاد.
ومن المحتملات: إنه ليست له ولاية ذلك، بل لا يملك إلا الحض والحث والترغيب والعتاب، كما أنَّ من المحتملات أن ولايته على ذلك ـ على فرضها ـ هي شعبة من ولاية المؤمنين، استناداً لقوله تعالى: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ...)[2] .
ولئن نوقش في ذلك فإن النقاش هو في مدى دلالة الأدلة الشرعية على ولايته بالاستقلال، أو بلحاظ تفويض الأب له، أو بلحاظ تفويض المجتمع أو المؤمنين، أو الدولة أو الفقيه له ـ على فرض قبول أحدها ـ أو بلحاظ دخول الطالب في عقد اجتماعي مشروط عند دخوله المدرسة، على فرض تمامية أركان هذا العقد وقبول مشروعيته.
أقول: لئن نوقش في المعلم فإنه لا نقاش في أن هذه الولاية ثابتة للرسل والأوصياء، وبالأدلة الكثيرة الآتي بعضها.
للفقيه ولاية التربية أم لا:
نعم، يبقى الكلام في أن ولاية التربية والتزكية هل هي للفقيه أيضاً؟ إن ذلك يعتمد على تنقيح أدلة تفويض أمر التربية، أو ولاية التربية حتى مع قطع النظر عن ثبوت أدلة ولاية الفقيه المطلقة؛ إذ قد يقال ـ كما هو المشهور [3] ـ بعدم تماميتها، لكن يمكن [4] لمن ينفي ولاية الفقيه استناداً لعدم تمامية أدلته أن يثبت ولايته التربوية فقط، استناداً لسلسلة أخرى من الأدلة خاصة ببعد التربية والتزكية، إن تمّت.
تطبيقات فقهية محتملة لولاية التربية:
ولنشر الآن إلى أمثلة فقهية من الروايات فيما يرتبط بالمعصومين (عليهم السلام) وإلى أمثلة أخرى مما ترتبط بالفقيه:
فمن الأول: إنه يمكن [5] تفسير الروايات التي ظاهرها وجوب غسل الجمعة [6]، والتي أفتى بها النادر من الفقهاء بذلك [7]، أي: بأن وجوبها كان من باب ولاية تربية الأمة، وعليه فهي ليست حكماً أولياً، بل هي حكم ثانوي خاص بزمنه، وهذا التفسير هو غير التفسير الآخر الذي حملها على تأكد الاستحباب [8]، كما لا يخفى، فتدبر.
كما يمكن تفسير عدد من الروايات الدالة على وجوب زيارة الإمام الحسين(عليه السلام) [9] بذلك أيضاً، وإنها كانت من باب ولاية التربية في تلك الأزمنة.
وعليه: فلو قلنا بامتداد هذه الولاية للفقيه فإن له أن يفرض زيارة الإمام الحسين(عليه السلام) أو الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) [10] أو سائر المعصومين (عليهم السلام) في وقت خاص أو أكثر، لو رأى توقف التربية والتزكية على ذلك.
ومن الثاني: إن للفقيه ـ فيما لو قلنا بامتداد ولاية التربية له ـ أن يحرِّم الاختلاط في الجامعة والمدارس مثلاً، وإن لم يكن بعنوانه الأولي ما لم يخالطه محرم، ولم يؤدّ إلى محرمٍ، وذلك إذا رأى توقف التربية عليه، وله أن يحرم بالتداخل بين السلطات لذلك أيضاً [11].
ولنختم بذكر إحدى الروايات التي تفيد تفويض ولاية التربية ـ في ضمن تفويض أربعة أمور ـ إلى الرسول الأعظم والأئمة(عليهم السلام)، وهي: عن محمد بن سنان قال كنت عند أبي جعفر(عليه السلام) فذكرت اختلاف الشيعة، فقال: >إن الله لم يزل فرداً متفرداً بالوحدانية، ثم خلق محمداً وعلياً وفاطمة (عليهم السلام) فمكثوا ألف دهر، ثم خلق الأشياء وأشهدهم خلقها، وأجرى عليها طاعتهم، وجعل فيهم ما شاء، وفوض أمر الأشياء إليهم، في الحكم والتصرف والإرشاد والأمر والنهي [12] في الخلق؛ لأنهم الولاة، فلهم الأمر والهداية، فهم أبوابه ونوّابه وحجابه، يحللّون ما شاء ويحرّمون ما شاء، ولا يفعلون إلا ما شاء، عباد مكرمون لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون. فهذه الديانة التي من تقدمها غرق في بحر الإفراط، ومن نقصهم عن هذه المراتب التي رتبهم فيها زهق في بحر التفريط، ولم يوف آل محمد حقهم فيما يجب على المؤمن من معرفتهم. ثم قال: خذها يا محمد، فإنها من مخزون العلم ومكنونه» [13].
--------------------------------
|