بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
(142)
تصحيحٌ: الخلط بين الجوازين([1]) في مبحث (الإسقاط)([2]) أو في مبحث (النقل)([3])
سبق (كما أشكل في (العقد النضيد) على استدلال الشيخ بـرواية "إِنَّ النَّاسَ مُسَلَّطُونَ عَلَى أَمْوَالِهِم" ([4]) بـ( الثاني: وأمّا من حيث الدلالة؛ فإنّ لازم كلام المستدلّ...) ([5]) لكن الصحيح أن إشكال العقد النضيد ليس في المقام على الشيخ بل هو على طرف آخر، لكن إشكاله، على أي تقدير، ليس بوارد على الشيخ ولا على ذلك الطرف الآخر فانه كما أن كلام الشيخ ليس عن جواز الإسقاط وعدمه (تكليفاً) بل عن صحة الإسقاط وضعاً فلا يصح الإشكال عليه بأن لازم كلام المستدل بإطلاق هذا الدليل هو جواز التمسك بعموم رواية "إِنَّ النَّاسَ مُسَلَّطُونَ عَلَى أَمْوَالِهِم"([6]) عند الشك في الحكم التكليفي على الحِلّية والحرمة؛ لما سبق من الجواب، كذلك كلام الطرف الآخر ليس عن جواز النقل وعدمه (تكليفاً) بل عن صحة النقل وضعاً، وقد خلط العقد النضيد بين الجوازين ههنا بوضوح وإن كان تأملٌ في خلطه لو كان كلامه رداً على الشيخ كما سبق أيضاً أخر الدرس السابق.
وغاية الفرق بين الموضعين هو أن كلام الشيخ عن صحة الإسقاط والكلام الذي رده العقد النضيد ههنا ([7]) عن صحة النقل.
وأما كلام الطرف الآخر فهو ما نقله في العقد النضيد:
(القول الثاني: وربّما يُقال إنّه يمكن إثبات وجود القابلية لجواز النقل، بإطلاق قوله: "النَّاسَ مُسَلَّطُونَ عَلَى أَمْوَالِهِم". بيان ذلك: إنّ الحقوق على قسمين إمّا مالية أو غير مالية:
أمّا المالية: فلا ترديد في أنّها مندرجة في عموم (الناس مسلطون...)، ومقتضى إطلاق السلطنة عدم التحديد، وبعد إحراز القابليّة في الحقوق المالية من عموم دليل السلطنة، فإنّه نتمسّك في الحقوق غير المالية بالفحوى ومقتضى الدليل أنّه متى شككنا في قابلية حقٍّ في النقل وعدمه، ثبوتها وإحرازها، وبعدهما نحرز موضوع أدلة الشرط والصلح وغيرهما.
وبناءً على ما ذكرنا، بما أنّ الحقّ – كحقّ التحجير مثلاً – مالٌ يتنافس عليه العقلاء، فيصحّ وقوع التقلّبات عليه) ([8]) فأجاب عنه بـ:
( الثاني: وأمّا من حيث الدلالة؛ فإنّ لازم كلام المستدلّ بإطلاق هذا الدليل، هو القول بجواز التمسّك بعمومها عند الشكّ في الحكم التكليفي من الحلّية والحرمة، بمعنى أنّه إذا شككنا في حلّية لحمٍ ما أو حرمته، يجب أن نتمسّك بإطلاق الدليل والحكم بالجواز والحلّية، لأنّ الحكم بالحرمة وعدم الجواز يعدّ تحديداً وتضييقاً لدائرة السلطنة، وهذا ما لا يلتزم به فقيه) ([9]).
فلاحظ الخلط بين الجوازين؛ إذ الكلام عن جواز النقل بمعنى صحته، فتوهّمه - في مبنى الإشكال - عن جواز النقل بمعنى عدم حرمته إذ قال (القول الثاني: وربّما يُقال إنّه يمكن إثبات وجود القابلية لجواز النقل بإطلاق قوله: "النَّاسَ مُسَلَّطُونَ عَلَى أَمْوَالِهِم") إذ المراد من جواز النقل هو صحته ([10])، ويؤكده قوله بعد ذلك: (ومقتضى الدليل أنّه متى شككنا في قابلية حقٍّ في النقل وعدمه، ثبوتها وإحرازها) وقوله قبل ذلك (القول الأول: ذهب جماعة إلى أنّه في موارد الشكّ في قابلية النقل شرعاً بعد إحراز قابلية النقل عرفاً، يكون المرجع العمومات والإطلاقات، أي أنّ إطلاق مثل قوله تعالى: (أَحَلَّ اللهُ البَيْعَ) يشمل كلّ بيع عرفي، وبه يتحقق موضوع آية الحلّ، وبإطلاقها ندفع احتمال اعتبار قيد زائد شرعي، ونحكم بجواز ([11]) وقوعه عوضاً.
ويرد عليه: أنّ هذا صحيحٌ إذا لم تكن أدلة إنفاذ المعاملات في مقام بيان سببيّة السبب، وأمّا إذا كانت بصدد ذلك، فلا يجوز التمسك بإطلاق آية الحلّ، لأنّه يُمضي السبب في الموارد القابلة، فلا يجوز التمسك بالعموم لإحراز القابلية الشرعية المشكوكة) ([12]) فالبحث إنما هو عن (إنفاذ المعاملات) و(سببيّة السبب) و(لإحراز القابلية الشرعية المشكوكة).
تتمة: إشكالان: الشهرة ليست قدمائية ولا في كتب الروايات
سبق (نعم قد يقال بأن استناد القدماء للرواية هو الجابر لها، ولكن حققنا في محله عدم الفرق) ([13]).
ونضيف: أشكل البعض بإشكالين على صحة التمسك بجابرية الشهرة لرواية "إِنَّ النَّاسَ مُسَلَّطُونَ عَلَى أَمْوَالِهِم".
الأول: أن الشهرة المعتبرة هي الشهرة القدمائية لقربها من زمن صدور النص.
الثاني: أن المعتبر منها هو الشهرة في كتب الحديث والرواية لا في كتب الفقه.
هذا كبرىً، وأما صغرى فإن رواية الناس مسلطون ليس مشتهرة في كتب القدماء، بل إن كانت شهرةٌ ففي كتب المتأخرين عن زمن العلامة الحلي أو أن الشهرة بلحاظ المجموع، ثم أنها مشتهرة في كتب الفقه دون كتب الحديث إذ لا توجد إلا في عوالي اللئالي ثم البحار.
الجواب: بناء العقلاء على حجية أنواع الشهرة الأربعة
ولكن كلا الإشكالين الكبرويين غير تام؛ إذ الصحيح أنه لا فرق بين شهرة القدماء والمتأخرين ولا بين الشهرة في كتب الحديث أو كتب الفقه؛ وذلك لأن المدعى هو أن بناء العقلاء على حجية الضعيف الذي استند إليه مشهور أهل الخبرة فانه مورث للظن النوعي وأن الوثوق النوعي الحاصل منه ليس بأقل من الوثوق النوعي الحاصل من خبر الثقة العادي، ولا فرق بين شهرة المتأخرين والمتقدمين من جهة (وثاقة الخبر) وأما (وثاقة المخبر) فالفرض الإرسال وشبهه فهما أيضاً فيها سيّان، وجامع الحدسية إن كانت مسقطاً للاعتبار عمّا من شأنه أن يحس به (كالخبر الذي هو حسي لكونه مسموعاً) كان مسقطاً للاعتبار عن الأربعة ([14]) جميعاً وإلا فلا.
وليس القرب لزمن الصدور مزية
والقرب لزمن الصدور لا يثبت الحسية بل التوثيق مع ذلك حدسي بل ولا هو قريب من الحس لوضوح أن فاصل مثل الشيخ الطوسي عن مثل زرارة يقارب الثلاثمائة سنة، فاحتمال الحسية في السند والقرائن ضعيف جداً بل لعله منعدم إذ لو كان لكان يذكره لشدّة حرصهم على ذكر الأسانيد عن حس وذكر القرائن الحسية كذلك.
على أنه معارض
على أن مزية القرب النسبي لزمن الصدور معارضة بأن المتأخرين أكثر إحاطة وأوسع إطلاعاً، عبر مجاميع الحديث التي توفرت لديهم كالوسائل وعبر تراكم تحقيقات الفقهاء على مرّ التاريخ، من المتقدمين فاحتمال إطلاع المتقدمين على قرينة خفيت على المتأخر لا يكون أقوى من احتمال عثور المتأخرين على قرينة خفيت عليهم إذ لم يكن لديهم إلا مثل الكافي والتهذيب غير المستوعب لكل الروايات ولا المبوّب كتبويب المجاميع المتأخرة مما قد تحرز به قرائن تضيع بالتفكيك والتقطيع.
وتفصيل الكلام عن ذلك وغيره يراجع في (حجية مراسيل الثقات المعتمدة).
والشهرة في كتب الفقه لا تقل عنها في كتب الحديث
وأما كتب الفقه فإن شهرة ذكر الرواية فيها والاستناد إليها أقوى في إيراث الوثوق النوعي من اشتهار ذكرها في كتب الحديث لوضوح أن كتب الفقه معدة أساساً للاستنباط والاستدلال ثم الفتوى فلا يكون ذكر الرواية إلا لذلك أو للرد، لكنهم – أي المشهور – في "النَّاسَ مُسَلَّطُونَ" اعتمدوا ولم يردوا، فتأمل ([15]) أما كتب الحديث فليس وضعها للاستدلال ولا للفتوى وإن كان بعضها قد بُني على الفتوى أيضاً كالكافي والوسائل حسب عناوين أبوابه، سلمنا لكن لا أقل من المساواة، وللبحث صلة.
صلى الله على محمد وآله الطاهرين
====================
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): "لَا تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ أَرْبَعٍ: عَنْ عُمُرِهِ فِيمَا أَفْنَاهُ، وَشَبَابِهِ فِيمَا أَبْلَاه، وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ كَسَبَهُ وَفِيمَا أَنْفَقَهُ، وَعَنْ حُبِّنَا أَهْلَ الْبَيْتِ"
الأمالي (للصدوق): ص39.
............................................
|