• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : المكاسب المحرمة (1434-1435هـ) .
              • الموضوع : 225- تفصيل الوجوه الاربعة ، وروايات اخرى عامة عن ايصال النفع للاخوان ... ـ مسألة جديدة : هل يجوز التعامل بالدراهم المغشوشة ؟ او بمطلق البضائع المقلَّدة ؟ .

225- تفصيل الوجوه الاربعة ، وروايات اخرى عامة عن ايصال النفع للاخوان ... ـ مسألة جديدة : هل يجوز التعامل بالدراهم المغشوشة ؟ او بمطلق البضائع المقلَّدة ؟

 بسم الله الرحمن الرحيم 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم 
 
تتمة البحث الماضي: 
 
طرحنا فيما سبق مبحث انه هل يجوز الكذب لإيصال النفع الى الاخر مطلقا او لا يجوز ذلك؟ وبينا ان السيد الروحاني ذكر وجود روايتين متعارضتين وهما رواية الشيخ الصدوق في كتاب مصادقة الاخوان والتي مفادها جواز الكذب للنفع و رواية عيسى بن حسان وما اشبه والتي مفادها حرمة الكذب إلا في موارد محصورة وليس من تلك الموارد ادخال النفع([1]) على الآخرين، فالتعارض حاصل، والترجيح مع الروايات الحاصرة، ولكن السيد لم يذكر وجه الترجيح إلا اننا قد تبرعنا بذكر ثلاثة وجوه: 
 
الجواب: رواية الصدوق معتضدة بروايات عديدة 
 
وكان الوجه الثاني لتقديم الروايات الحاصرة على رواية الصدوق هو ان نصوص الحصر اكثر، إلا انه وبحسب استقرائنا الناقص لم نجد إلا رواية ثانية حاصرة أخرى تعضد اختها الأولى، وفي الطرف الاخر وجدنا ان الروايات المجوزة للكذب في النفع – بناء على إطلاقها – تبلغ أكثر من سبع روايات فتعضد رواية الصدوق. 
 
وايجاز الكلام في المقام هو: 
 
اما الرواية الثانية التي تعضد الرواية الحاصرة فعن الامام جعفر الصادق ( عليه السلام ) انه قال: ((الْكَلَامُ ثَلَاثَةٌ صِدْقٌ وَ كَذِبٌ وَ إِصْلَاحٌ بَيْنَ النَّاسِ))([2])، فقد أخرج الإمام ( عليه السلام ) الكذب في الاصلاح حكماً من دائرة الصدق والكذب، ومعه فيبقى الكذب في النفع غير الاصلاحي داخلاً في دائرة الكذب كما هو واضح. 
 
واما من جهة رواية الصدوق فانه توجد عدة روايات معضدة لها ([3])، منها المعتبر ومنها المرسل كما في: 
 
الرواية التي ذكرها الشيخ الكليني عن علي بن ابراهيم عن ابيه عن النوفلي عن السكوني عن ابي عبد الله ( عليه السلام ) – وهي معتبرة بحسب المشهور – قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ): ((الْخَلْقُ عِيَالُ اللَّهِ فَأَحَبُّ الْخَلْقِ إِلَى اللَّهِ مَنْ نَفَعَ عِيَالَ اللَّهِ وَ أَدْخَلَ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ سُرُوراً))([4]), والاستدلال إنما هو بإطلاق الرواية، كما هو الحال في الاستدلال بالآيتين في الإصلاح وبروايات الاصلاح بإطلاقها – مثل (فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ) –، فان ما استدل به على جواز الكذب في الاصلاح وهو الاطلاق يستدل به هنا كذلك على جواز الكذب في النفع. وايضا تجري الإشكالات السابقة([5]) كما يجري الكلام السابق وهو: 
 
انه في مادة الاجتماع يتعارضان فإما ان يتساقطا على ما بنى عليه السيد الخوئي فيرجع الى اصالة الاباحة، واما ان يقال بما ذهبنا اليه من ان المورد هو من باب التزاحم، وعليه: فكل ما ذكر من بحوث هناك تجري هنا ومعه فلا يتوهم كون الاستدلال بدليل النفع وبشموله لمورد الكذب منكراً؛ إذ الاستدلال هو الاستدلال والجواب الجواب. 
 
واما الرواية الاخرى فهي ما رواه الكليني في الكافي بسنده عن الرسول الاكرم ( صلى الله عليه وآله ): ((مَنْ أَحَبُّ النَّاسِ إِلَى اللَّهِ قَالَ أَنْفَعُ النَّاسِ لِلنَّاسِ))([6]). 
 
والرواية الاخرى وهي مرفوعة الاسكافي إلى صفوان، كما في كتاب التمحيص عن الامام الصادق ( عليه السلام ) قال: ((ذُكِرَ عِنْدَ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ( عليه السلام ) ضُعَفَاءُ أَصْحَابِنَا وَ مَحَاوِيجُهُمْ فَقَالَ إِنِّي لَأُحِبُّ نَفْعَهُمْ وَ أُحِبُّ مَنْ نَفَعَهُمْ))([7])، والاستدلال بالإطلاق أيضا. 
 
وكذلك في رواية اخرى كما في قرب الاسناد: الحميري بإسناده عن الامام الصادق ( عليه السلام ) عن ابيه ( عليه السلام ) قال: قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ): ((الْخَلْقُ كُلُّهُمْ عِيَالُ اللَّهِ فَأَحَبُّهُمْ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ أَنْفَعُهُمْ لِعِيَالِهِ))([8]). 
 
وكذلك رواية اخرى مذكورة في تحف العقول، قال الامام العسكري ( عليه السلام ): ((خصلتان ليس فوقهما شي‏ء الإيمان بالله و نفع الإخوان))([9])، فإذا لم يكن فوق هاتين الخصلتين شيء فان مقتضى القاعدة ان الكذب يُحلَّل بهما، كأن يكذب شخص ليخرج اخر من ضلال الى هدى فيعرف الحق من خلال استدلال جدلي او خطابي او بمغالطة، وهكذا في الكذب لنفع الاخوان([10]). 
 
وفي رواية أخرى: عنهم عليهم السلام: ((خير الناس من نفع الناس))([11]) 
 
هذا هو الوجه الترجيحي الثاني والاشكال عليه، والمتحصل: ان هذا الوجه ليس بتام. 
 
مناقشة الوجه الثالث: مخالفة رواية الصدوق للآيتين 
 
واما ما ذكرناه في الوجه الثالث لترجيح الروايات الحاصرة على الاخرى والذي كان موافقة الروايات الحاصرة للكتاب الكريم فنقول فيه: 
 
ان هذا الاستدلال ككبرى صحيح ولكنه في خصوص موردنا وصغرانا غير تام؛ إذ روايتنا المجوزة للكذب لسانها لسان تنقيح الموضوع لا اثبات الحكم بالجواز لنفس الموضوع الذي حرَّمه الكتاب ولو كانت بصدد اثبات الحكم المخالف لنفس الموضوع لكانت معارضة للكتاب, والرواية([12]) وان كانت بذاتها اخص مطلقا من الكتاب ولازمه التقدم عليه – عرفا –، ولكن حيث انها عورضت بروايات الحصر فيكون المرجع في مادة الاجتماع الى الكتاب فما وافقه أخذ به وما خالفه طرح, وهذا من الناحية الاصولية صحيح في محله ولكن كما قلنا ان المقام ليس بصغرى لتلك الكـبرى فـان رواية الصـدوق واردة([13]) على الكـتاب لاخراجـها الكـذب في النفع عن كـونه كذباً عند الله ولو بنحو الحقيقة الادعائية فلا تَعَارُضَ مع الكتاب. 
 
والمتحصل: ان الرجوع الى الكتاب كمرجع في المقام ليس بتام فتدبر 
 
كلمة دقيقة: تحقيق النسبة بين الروايتين 
 
ونذكر بإيجاز تحقيق دقيق وهو: 
 
ان السيد الروحاني قد ذكر ان النسبة بين الروايات الحاصرة وبين رواية الصدوق المجوزة هي من وجه، ولكن لدينا تفصيل دقيق - وهو سيال ينفع في سائر الروايات المتعارضة فتنبه - وهو: 
 
أ- صورة بساطة موضوع الروايات المتعارضة: 
 
ان الروايتين المتعارضتين تارة يكون موضوعاهما بسيطاً لا تركيب فيه، وهنا فلا مشكلة في اكتشاف النسبة بين الدليلين، كما هو الحال في ( اكرم العلماء ) و( لا تكرم الفساق ) فان النسبة هي من وجه، ومادة الاجتماع هي العالم الفاسق. 
 
ولكن تارة اخرى يكون الموضوع مركبا كما في الروايات الحاصرة إذ الموضوع يتركب من المستثنى والمستثنى منه فهما وان كانا موضوعين ظاهرا إلا انه في الحقيقة والباطن هناك اربعة مواضيع وعقد سلب وعقد إيجاب. 
 
تفصيل وبيان ذلك: 
 
ذكرت الرواية ( كل كذب مسؤول عنه صاحبه يوم القيامة ) و الامر لو كان فقط كما في صدر الرواية فالموضوع بسيط والنسبة واضحة ومتجلية وهي العموم والخصوص المطلق فالحاصرة لسانها ان كل كذب حرام وغير جائز، واما رواية الصدوق فنتقول الكذب في النفع جائز فتكون اخص مطلقا منها. 
 
اذن: مع بساطة الموضوع فاكتشاف النسبة سهل ومتيسر 
 
ب- صورة تركيب موضوع الروايات المتعارضة: 
 
ولكن لو كان الموضوع مركبا، كما هو الحال في كل موضوع واستثناؤه, فانه هنا لابد من ملاحظة الموضوع في المستثنى منه وكذلك الموضوع في المستثنى، ثم ملاحظة عقد السلب، وعقد الايجاب([14]). 
 
ونشير الى بعض جوانب ذلك بإيجاز فنقول: 
 
تارة نلاحظ النسبة بين متعلقي الموضوعين والذي هو في احدهما النفع كما في رواية الصدوق والاخر هو الاصلاح كما في الرواية الحاصرة والنسبة هي العموم والخصوص المطلق؛ اذ النفع هو الاعم فان كل اصلاح هو نفع ولا عكس، وبناء عليه تكون الروايات الحاصرة هي اخص مطلقا وهذه صورة اولى، 
 
وتارة اخرى – وهي الصورة الثانية - نلاحظ الحكم بلحاظ عقد الإيجاب وعقد السلب: 
 
أ) عقد الايجاب: 
 
اما عقد الايجاب في الرواية الحاصرة فمادة الاجتماع هي الكذب الاصلاحي ذلك ان رواية الحصر تقول بجوازه وكذلك الحال في رواية الصدوق، إذ تفيد جواز الأعم منه مطلقاً وهو النفع، ولا تنافي بين المثبتين، واما مادة الافتراق في رواية الصدوق فهي النفع غير الاصلاحي؛ اذ النفع اما ان يكون اصلاحيا أو لا، وأما من تلك الجهة([15]) فالإصلاح هو نفعي دائما ولا يوجد اصلاح ليس بنفعي، فالنسبة إذن هي العموم والخصوص المطلق أيضاً هذا في عقد الإيجاب. 
 
ب) عقد السلب 
 
واما في عقد السلب - ومعناه هي النسبة بين محصَّل الحكمين - فنقول: 
 
ان مادة الاجتماع هي النفع غير الاصلاحي فانه مشمول برواية الصدوق بالجواز كما هو مشمول لرواية الحصر إذ تفيد الحرمة وانه لا يجوز. 
 
واما مادة الافتراق فهي النفع الاصلاحي وهذا مشمول لـ(الجواز) في رواية الصدوق ولكنه غير مشمول للروايات الحاصرة التي تقول انه لا يجوز؛ لان النفع الاصلاحي داخل في الاستثناء والجواز وليس بداخل في المستثنى منه - وعدم الجواز-. 
 
واما مادة الافتراق فإنها من جهة الروايات الحاصرة هي الكذب للضرر فهو مشمول لها وغير مشمول لروايات الصدوق فان موضوعها الكذب النفعي. 
 
وهذا الذي ذكرناه هو على حسب التفكيك في الروايات وبلحاظ موضوع الحكم تارة ومتعلقه أخرى وعقد الإيجاب مرة وعقد السلب أخرى، ولكن المطلب المهم هو انه في باب تعارض الروايات هل ينبغي التفكيك لملاحظة النسبة وان نلاحظ عقد السلب او عقد الإيجاب، أو ان نلاحظ النتيجة والمحصلة النهائية؟ 
 
هنا كلام([16]) وتفصيل يترك لمحله، 
 
ولكن نقول وكنتيجة نهائية: 
 
ان المشكلة في تلك الروايتين كونهما ضعيفتين، اما الرواية الحاصرة ففيها عيسى بن حسان وهو مجهول، واما رواية الصدوق فهي مرسلة وعليه فان الضعف داب في كلتيهما، ولكن العمدة في المقام والاستدلال هو اعراض المشهور عن مضمون الروايات المجوزة, وعليه فلا يمكن المصير اليها؛ اذ ان الفقهاء كما قلنا اعرضوا بلحاظ الفتوى عنها. 
 
مسألة جديدة: التكسب بالدراهم المغشوشة والبضائع المقلَّدة 
 
وندخل في مبحث ومسألة جديدة وهي: 
 
هل يجوز التكسب بالدراهم المغشوشة؟([17]) ونضيف هنا: هل يجوز التكسب بمطلق النقد المزوّر؟ ففي مسالة الدراهم المغشوشة المادة لها قيمة وهي الفضة، ولكننا نعمم البحث لكل ماله قوة شرائية اعتبارية كالنقد المتداول لو كان مزورا. 
 
واما المسألة الاخرى فهي البضاعة المقلَّدة وحكمها فهل يجوز التعامل بها ؟ ثم نأتي بعد ذلك الى العناوين الرئيسية في المسألة. 
 
وبداية نقول: 
 
انه تارة: عنوان الغش يصدق على المعاملة (بجهل الطرف الاخر) وهذا حرام ولا نقاش فيه؛ لان الغش من المحرمات والامر مبحوث في المكاسب المرمة، والحرمة اجماعية ([18]) 
 
ولكن: لو علم الطرفان بالغش وكون الدراهم مغشوشة فهل يجوز التبايع بينهما؟ رأي يقول بوجوب قطع مادة الفساد والمغشوش منه وان علم الطرفان ومعه فلا يجوز، والآخر يقول: ذلك مرتهن بصدق الغش وعدمه والإضرار بالمسلمين وعدمه فيفصل بين بيعه له ليتزين به، أو دفعه للعشار والظالم كضريبة ليأمن شره ونظائر ذلك وبين غيره. وللكلام تتمة 
 
وصلى الله على محمد واله الطاهرين 
 
 
([1]) إلا الإصلاح. 
 
([2]) الكافي ج2 ص341. 
 
([3]) وهذه الروايات بحد ذاتها تحتاج الى بحث مستوعب والتفصيل يترك للأفاضل الكرام. 
 
([4]) الكافي ج2 ص164. 
 
([5]) من الإنصراف، وقوة لسان روايات حرمة الكذب و.. 
 
([6]) الكافي ج2 ص164. 
 
([7]) كتاب التمحيص ص 47. 
 
([8]) قرب الإسناد ص56. 
 
([9]) تحف العقول ص489. 
 
([10]) والنقاش في هذا ونظائره هو النقاش فيما مضى من بحث (الإصلاح) فلاحظ. 
 
([11]) غرر الحكم ص450. 
 
([12]) أي رواية الصدوق في (مصادقة الإخوان). 
 
([13]) أو كالوارد، بناء على الحقيقة الادعائية. 
 
([14]) وهذا البحث هو من ادق البحوث في مبحث التعارض 
 
([15]) أي مادة افتراق الرواية الحاصرة عن رواية الصدوق. 
 
([16]) وهو نظيرٌ من وجهٍ لمبحث تعارض أكثر من روايتين في مبحث انقلاب النسبة. 
 
([17]) وهذا هو العنوان الذي ذكره الشيخ والقوم قدس الله أسرارهم. 
 
([18]) اذ قوام الغش هو بعدم علم الطر ف الآخر سواء اكان نقدا أم بضاعة او غيرهما

  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=247
  • تاريخ إضافة الموضوع : الاثنين 12 رجب 1435هـ
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 02 / 23