بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
(148)
جواب آخر عن إشكال لزوم وقوع التعارض
سبق إشكال العقد النضيد على من استند إلى "إِنَّ النَّاسَ مُسَلَّطُونَ عَلَى أَمْوَالِهِمْ"([1]) في جواز نقل الحقوق ووجود القابلية لجواز النقل بـ(الثالث: لازم كلام المستدلّ وقوع التعارض بين هذه العمومات وأدلّة حرمة المحرّمات، ومن المعلوم أنّ النسبة بينهما عموم من وجه، فإنّ مقتضى دليل الحرمة عدم جواز التصرّف، ومقتضى إطلاق دليل السلطنة جواز التصرّف، ويتعارض عنوانا الجواز وعدمه في مال الشخص إذا كان محرّم الأكل، ويقتضي إجراء قواعد التعارض الحكم بالبراءة، وهو خلاف الضرورة والإجماع) ([2]).
وسبقت أجوبة ونضيف:
الجواب: ليس الإسقاط والنقل من المحرمات
أنه على فرض قبول دلالة الناس مسلطون على الجواز كحكم تكليفي وأن إطلاقه يشمله فانه لا يلزم محذور التعارض الذي ذكره في المقام وهو (جواز النقل) وكذا جواز الإسقاط؛ وذلك لوضوح أنه لا يوجد دليل على حرمة نقل الحق أو إسقاطه كي يقال بتعارضه مع دلالة دليل السلطنة على جواز نقله أو إسقاطه.
ولا إطلاق لدليل السلطنة ليشمل المحرمات
إن قلت: ذلك صحيح ولكن ليس الإشكال فيه بل في أن الالتزام بإطلاق دليل السلطنة ليفيد الجواز التكليفي يستلزم تعارضه – في غير الإسقاط والنقل – مع أدلة المحرمات... الخ.
قلت: كلا، فإنه وإن استلزمه اقتضاءً لكنه لا يستلزمه فعلاً لوجود المانع وهو الضرورة والإجماع دون مثل المقام.
بعبارة أخرى: لولا الضرورة والإجماع لكان الأمر كما قاله من أن مقتضى القاعدة حينئذٍ تعارض دليل السلطنة ودليل المحرمات، وعليه فإطلاق دليل السلطنة للدلالة على الجواز محكّم إلا فيما قامت الضرورة والإجماع على أن دليل السلطنة لا يشمله أو على أن دليل السلطنة لا يعارض حرمته، فالالتزام بالإطلاق بهذا المقدار لا يخالف الضرورة ولا الإجماع، فتبقى تحت عموم "النَّاسَ مُسَلَّطُونَ" موارد قليلة – بل ربما نادرة – مما كانت حرمته لا ضرورية ولا هي خلاف الإجماع بل كانت بحسب دليلٍ ظاهريٍ ضعيفِ الدلالة، وأيُّ إشكال حينئذٍ في الالتزام بتعارض دلالة "النَّاسَ مُسَلَّطُونَ" على الجواز مع دلالة دليل ذلك المحرم الضعيف في الدلالة على الحرمة كضعف دلالة دليل السلطنة على الجواز، أي أنه لا يلزم إشكال مخالفة الضرورة والإجماع، نعم يبقى انه بعيد عن الفهم الفقهي لكنه لأن دليل السلطنة لا يدل على الجواز التكليفي أصلاً لا لأنه يدل على الجواز ويعارض دليل الحرمة ولو الضعيف. فتدبر وتأمل.
تصوير انصراف دليل السلطنة عن الجواز التكليفي بنحوين
وبعبارة أخرى: دليل السلطنة لا يدل على الجواز التكليفي للانصراف ([3]) ويمكن تصوير الانصراف بنحوين:
الأول: إنصراف دليل للسلطنة عن الجواز والحكم التكليفي مطلقاً وحصر دلالته في الحكم الوضعي من النفوذ والصحة وبدفع سلطنة الغير على حَجْر المالك عن التصرف والتقلب في ماله. وهذا هو المختار.
الثاني: بعد تسليم أنه لا إنصراف لدليل السلطنة عن الجواز، فنلتزم، بما يندفع به إشكال المعارضة أيضاً، بانصرافه عن كل ما نُصّ على حرمته، أي أنه دالّ على الجواز لكن فيما شك في حرمته وجوازه لا فيما دل الدليل على حرمته فهو منصرف عن الأخير فهذا جواب تنزلي، لكن المختار أنه لا يدل حتى على جواز ما شك في جوازه وحرمته لأن مصبه غير ذلك وأنه غير مشرّع أبداً.
3- السلطنة على الأموال غير السلطنة على السلطنة
كما أشكل في العقد النضيد على الشيخ أيضاً بـ: (وفيه أوّلاً: أنّ استدلاله بالفحوى وتعليله به عليلٌ، لأنّ السلطنة على الأموال تقتضي التسلّط على الأموال لا على الملكية على الأموال. نعم، لو أثبت السلطنة على الملكيّة صحّ أن يُقال إنّ الملكيّة إذا كانت قابلة للإسقاط، فالحق أولى بذلك لأنه أضعف، ولكن الثابت بهذا الدليل – كما ذكرنا – هو السلطنة على الأموال لا على الملكيّة) ([4]) وقد سبق بيان الفرق بين السلطنة على المال والسلطنة على السلطنة عليها أي بين السلطنة على المملوك وبين السلطنة على الملكية.
الجواب: إطلاق دليل السلطنة على المال يفيد السلطنة على الإسقاط
ولكن يمكن الدفاع عن الشيخ بأنه وإن صح أن السلطنة على الأموال المملوكة أمر والسلطنة على الملكية نفسها أمر آخر، لكن يمكن إثبات الأخيرة بالتمسك بإطلاق الأولى إذ المستفاد عرفاً من إطلاق سلطنته على أمواله أنه مسلط على الإعراض عنها وإسقاط ملكيته لها، فكما أنه مسلط على أنواع التصرف فيها بالأكل أو الجلوس أو البيع والهبة.. الخ استناداً إلى "إِنَّ النَّاسَ مُسَلَّطُونَ عَلَى أَمْوَالِهِمْ" فهو مسلط على نفي ارتباطها به وإسقاط مملوكيتها له فإنه نوع من السلطنة على المال.
وبعبارة أخرى (التسلط على الأموال) يعني، بإطلاقه، السلطنة على التقلب فيها بأنواع التقلبات ومنها نقل ملكيتها ومنها إسقاطها، فـ"مُسَلَّطُونَ عَلَى أَمْوَالِهِمْ" أي بما فيه إسقاط ملكيتها.
وبعبارة أخرى: الفرق بين التسلط على المملوك (المال) والتسلط على (الملكية) بإسقاطها فرق دقي، والعرف يرى الثاني من شؤون الأول لا أمراً مبايناً له. أو يقال: إطلاق السلطنة عليها (الأموال) يقتضي السلطنة على إسقاطها عن الملكية أيضاً.
نعم لو أريد السلطنة على الإيجاد لتمّ ما ذكره بل كان من التمسك بالعام في موضوع آخر إذ الناس مسلطون على أموالهم لا على غير أموالهم بإيجاد ملكيتها لهم وهو واضح.
وحيث أن الملكية قابلة للإسقاط فالحق أولى بها
وعليه: فإذا كانت الملكية قابلة للإسقاط أو النقل (باعتبار أن قابلية إسقاطها ونقلها من شؤون السلطنة على المملوك عرفاً) مع كون رباطها قوياً وكونها سلطنة شديدة، فإن كون الحق قابلاً للإسقاط والنقل أولى لكونه سلطنة ضعيفة (على بعض المباني السابقة) وكون ربطه بذي الحق أضعف من ربط المملوك بمالكه.
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
====================
قال الإمام الصادق (عليهم السلام): "مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُخَفِّفَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَنْهُ سَكَرَاتِ الْمَوْتِ فَلْيَكُنْ لِقَرَابَتِهِ وَصُولًا وَبِوَالِدَيْهِ بَارّاً، فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ هَوَّنَ اللَّهُ عَلَيْهِ سَكَرَاتِ الْمَوْتِ وَلَمْ يُصِبْهُ فِي حَيَاتِهِ فَقْرٌ أَبَداً"
الأمالي (للطوسي): ص432/ حديث 967.
............................................
|