بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
(149)
الشيخ: معنى السلطنة على الحق السلطنة على الإسقاط
سبق كلام الشيخ (ويدل على سقوط الحق بالإسقاط.. القاعدة المسلّمة من أن لكلّ ذي حقّ إسقاط حقّه، ولعلّه لفحوى تسلّط الناس على أموالهم فهم أولى بالتّسلّط على حقوقهم المتعلّقة بالأموال، ولا معنى لتسلّطهم على مثل هذه الحقوق الغير القابلة للنقل إلا نفوذ تصرفهم فيها بما يشمل الإسقاط) ([1])([2])وسبقت إشكالات العقد النضيد مع مناقشاتنا له.
لكن قد يورد إشكال آخر على الشيخ وهو:
الجواب: السلطنة على الأخذ والترك، والإطلاق يفيد السلطنة على الإسقاط
إن معنى التسلط على الحقوق غير القابلة للنقل (بل وعلى غيرها أيضاً) عرفاً هو التسلط عليها بالأخذ والترك فإن معنى أن صاحب خيار المجلس مسلط على الخيار هو أن له يأخذ به فيفسخ أو لا يأخذ به فتمضي المعاملة، وكذا حق الشفعة فإن معنى تسلطه عليه هو أن له أن يأخذ به أو لا يأخذ؛ فإن هذا هو مصب الخيار الأساس أو الأوّلي، سلمنا: لكنه القدر المتيقن من التسلط على الحق فلا يصح قوله (فلا معنى...) الظاهر في اللغوية أو التناقض بين الصدر والذيل إذ ([3]) كيف يقال أنه مسلط على حق الخيار وحق الشفعة لكنه لا ينفذ تصرفه فيه بما فيه الإسقاط، إذ لا سلطنة في حق الخيار والشفعة على الأكل والشرب أو الجلوس مثلاً إذ أن الأعيان المملوكة هي القابلة لمثل ذلك وكذا مثل حق التحجير فإنه أيضاً قابل لمثل ذلك (الأكل من الثمرة إذا حجّر ما حولها أو الجلوس على الأرض المحجرة) أما حق الشفعة وحق الخيار فلا تعقل فيه هذه التصرفات من جهة، كما لا يجري فيها حق النقل من جهة أخرى، فإذا لم يكن له حق الإسقاط أيضاً كان جعل الحق له مما لا معنى له لغواً بل تناقض.
فهذا تقرير كلام الشيخ، لكن جوابه واضح وهو: ما سبق من السلطنة على الأخذ والترك فإنها الهدف الأساس من جعل مثل حق الخيار وحق الشفعة أو هي المطلوب الأهم أو القدر المتيقن فلا يلزم من عدم سلطنته على الإسقاط (ولا على النقل حسب رأي الشيخ) اللغوية وأنه لا معنى لجعل هذا الحق، نعم ذلك خلاف الإطلاق لا أنه لا معنى له إلا الإطلاق فتدبر.
هذا كله إضافة إلى أننا نرى أن له حق النقل في مثل الشفعة والخيار فلو فرض القول بعدم الحق له في الإسقاط (كي لا يضيع حقه مثلاً) فلا تلزم اللغوية من جعل هذين الحقين وشبههما له إذ قد جعل له حق الترك والأخذ وحق النقل أيضاً.
إشكال على إطلاق دليل الفحوى والجواب
على أنه قد يستشكل في دعوى الإطلاق أيضاً بأن المستند إن كان هو الفحوى فإنه لا إطلاق في الفحوى لكونها دليلاً لبّياً فلا يصح أن تكون المستند لشمول حق الإسقاط.
إلا أن يجاب بأنه ليس الاستدلال بإطلاق الفحوى بل بإحرازها بذاتها لأولوية السلطنة على إسقاط الحق من السلطنة على إسقاط الملك بالإعراض عنه فإذا صح الأخير صح الأول، كما سبق؛ فانه كأولوية صحة التصرف في الحق بالأخذ والترك أو بسائر التقلبات من صحة التصرف في الملك بذلك. فتأمل ([4])
ومن المرجعيات: مناسبات الحكم والموضوع والقرائن المقامية
وبذلك انتهى هذا المبحث ([5]).
فلننتقل إلى ضابط آخر ومرجعية أخرى من المرجعيات التي قيل بأنها يلجأ إليها أو قد يقال بذلك لتشخيص أن هذا حق لازم غير قابل للإسقاط أو النقل أو هو قابل لهما أو لأحدهما وهو: (مطلق مناسبات الحكم والموضوع وقرائن المقام) إذ قد سبق:
الأدلة على أنه حكم أو حق لازم أو منفك
هذا كله في عالم الثبوت، وأما في عالم الإثبات فإن ما ذكر أو يمكن أن يذكر كمرجع لتشخيص أن هذا حكم أو حق وعلى تقدير كونه حقاً فلازم أو قابل للإسقاط والنقل والانتقال جميعاً أو بعضها دون بعض، هو الوجوه التالية:
لسان الأدلة، إطلاق الأدلة، كون العنوان تمام الموضوع، وجود الخصوصية في الشخص أو الجهة، قاعدة لكل ذي حق إسقاط حقه، كونه لرعاية حاله أو رعاية حال غيره، كون الحيثية تعليلية أو تقييدية أو اقتضائية، كون الموضوع أو كون النكتة فيه أو المصلحة والمفسدة عِلة أو حكمة، مطلق مناسبات الحكم والموضوع، والأصول العملية، وبعض الكلام فيها) ([6]) فنقول:
كلام المحقق الاصفهاني: توضيحه ومبناه
قال المحقق الاصفهاني: (وأما النقل، فالحق وإن أخذ في موضوعه عنوان من العناوين، لكنه ربما يستفاد من قرائن المقام أنه عنوان مقوِّم وربما يستفاد أنه عنوان معرِّف، ففي حق الشفعة الذي يمكن أن يتضرر أحيانا هو الشريك دون غيره فلا معنى لنقله إلى غيره، كما أن سلطنة الشخص على تملك ما ملكه غلط؛ لأنه حاصل، فنقل الحق إلى المشتري أيضا باطل، وكما في حق الرهانة فإن كون العين وثيقةً لغير الدائن غير معقول، سواء كان المديون أو غيره، فنقله غير معقول إلا بتبع نقل دينه إلى غيره، فينقل حق الرهانة تبعا، بخلاف حق التحجير فإنه ليس فيه شئ من هذه الموانع) ([7]).
وتوضيحه ثم بعض المناقشات فيه في ضمن مطالب:
الشريك في الشفعة عنوان مقوِّم
الأول: أنه قدس سره استفاد أن (الشريك) في الشفعة عنوان مقوّم والحيثية تقييدية فكيف ينقل الشريك حق الشفعة للاجنبي (وهو الطرف الرابع) ([8]) مع أن حق الشفعة قائم بالشريك نفسه؟
ونقل الشفعة للمشتري تحصيل حاصل
الثاني: وأما نقله ([9]) إلى المشتري من شريكه (وهو الطرف الثالث) فانه يستلزم محذور تحصيل الحاصل إذ المشتري مسلط على ما اشتراه (لفرض صحة البيع من الشريك للأجنبي إلا أن للشريك ذي الشفعة حق خيار الشفعة) فإذا باعه (أو صالحه ([10])) على نقل حق الشفعة له كان معنى ذلك تسليطه على ما هو مسلط عليه وهو تحصيل للحاصل.
دليل المقوِّمية من الرواية
الثالث: أن الرواية التي يمكن أن تعتبر مستنداً له هي ما عن الإمام الصادق (عليه السلام): "قَضَى رَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه وآله) بِالشُّفْعَةِ بَيْنَ الشُّرَكَاءِ فِي الْأَرَضِينَ وَالْمَسَاكِنِ، وَقَالَ: لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ، وَقَالَ: إِذَا رُفَّتِ الْأُرَفُ وَحُدَّتِ الْحُدُودُ فَلَا شُفْعَةَ" ([11]) وسيأتي الكلام بإذن الله تعالى حول هذه النقاط والمناقشة فيها، فانتظر.
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
====================
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): "مَنْ صَلَّى عَلَيَّ وَلَمْ يُصَلِّ عَلَى آلِي لَمْ يَجِدْ رِيحَ الْجَنَّةِ وَإِنَّ رِيحَهَا لَتُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ خَمْسِمِائَةِ عَامٍ" الأمالي (للصدوق): ص200.
..........................................
|