بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
(150)
مناقشات مع المحقق الاصفهاني:
المطلب الرابع: أنه يرد عليه:
1- ان ظاهر قوله: (ففي حق الشفعة الذي يمكن أن يتضرر أحيانا هو الشريك دون غيره فلا معنى لنقله إلى غيره) ([1]) أنه اعتبر منشأ حق الشفعة هو كونه مجعولاً لدفع الضرر، ولكن لا منشأ لهذه الدعوى إلا تلك الرواية أو العرف.
أما الرواية فهي: "قَضَى رَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه وآله) بِالشُّفْعَةِ بَيْنَ الشُّرَكَاءِ فِي الْأَرَضِينَ وَالْمَسَاكِنِ وَقَالَ لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ وَقَالَ: إِذَا رُفَّتِ الْأُرَفُ وَحُدَّتِ الْحُدُودُ فَلَا شُفْعَةَ"([2]) فيرد على الاستدلال بها:
1- لعل قوله (لا ضرر) من الجمع في الرواية لا المروي
أولاً: احتمال أن يكون قوله "وَقَالَ لَا ضَرَرَ وَ لَا ضِرَارَ" من الجمع في الرواية لا الجمع في المرويّ فكأن الإمام ([3]) نقل عدة كلمات من الرسول (صلى الله عليه وآله) متتالية لا ربط لأحدها بالآخر، كما في حديث الأربعمائة، فليس (لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ) هو المستند للشفعة كي يدور الحكم مدارها ويقال بـ(الذي يمكن أن يتضرر أحيانا هو الشريك دون غيره فلا معنى لنقله إلى غيره).
لكن قد يستظهر أنه من الجمع في المرويّ لظهور تعقب الجملتين بجملة "وَقَالَ: إِذَا رُفَّتِ الْأُرَفُ وَحُدَّتِ الْحُدُودُ فَلَا شُفْعَةَ" الظاهر عرفاً في أن مجموع الفقرات الثلاث إنما هي عن شيء واحد.
2- ولا ضرر حكمة لا علة لأن نسبته مع الشفعة من وجه
ثانياً: سلمنا أن الجملة الثانية كالتعليل للجملة الأولى، لكنها حكمة وليست علة لا لمجرد الأصل الثانوي الذي صرنا إليه من أن الأصل في علل الشارع أنها حكم، بل لخصوصية المقام وهي بداهة أن النسبة بين الشفعة والضرر هي العموم والخصوص من وجه فلا مناص، على ذلك، من كون تعليل الشفعة بالضرر (أي تعليل ثبوتها بأن فيها دفع الضرر عن الشريك الشفيع) من باب الحكمة لا العلة. بيان النسبة:
أما مادة افتراق الشفعة عن الضرر ([4]): صور عدم تضرر الشريك أبداً بدخول الأجنبي الثالث (وهو المشتري) عليه لكونه مثلاً أرفق به أو لكون أحدهما – الشريك صاحب الشفعة أو المشتري - غائباً لا يساكنه فيه أو شبه ذلك، بل قد يكون دخوله عليه وشراكته معه هي النافعة له.
وأما مادة افتراق الضرر عن الشفعة ([5]): الصور التي التزم الكل أو المشهور أو الكثير من الفقهاء ([6]) بعدم ثبوت الشفعة فيها: مثل كون الشركاء ثلاثة فصاعداً إذ الشفعة ثابتة بين الشريكين فقط ومثل كون الانتقال بالبيع لا بالصلح أو الهبة أو بجعلها صداقا أو شبه ذلك ومثل كون الحصة مفروزة فإن الشريك كثيراً ما يتضرر بكون الأجنبي الثالث (وهو المشتري) شريكاً له وإن كانت الحصة مفروزة ككون شريكه الأول محرماً لأهله عكس الأجنبي الثالث أو ككون شريكه أرفق به وهكذا، ومثل ما ذهب إليه الكثير من الأعلام من عدم ثبوت الشفعة فيه كالأشياء المنقولة والرحى والسفينة وشبه ذلك.
ومنه اتضح أن الضرر حكمة وليس علة فلا يستفاد إذاً من قرائن المقام ومناسبات الحكم والموضوع أن عنوان (الشريك) مقوِّم لا معرِّف، كما أدعاه قدس سره.
ولا يخفى ابتناء بيان النسبة ههنا على أن الضرر شخصي كما هو مقتضى القاعدة لا نوعي أو شأني، على أنه فيه عليهما كلام أيضاً ولعله يأتي.
3- والحيثية على فرض العلية تعليلية لا تقييدية فيبقى الأثر
ثالثاً: سلمنا أن الضرر علة لثبوت الشفعة للشريك، لكن الظاهر أنه بنحو الحيثية التعليلية لا التقييدية، وأثرها ثابت في مرحلة العلة المبقية رغم زوال العلة بعد حدوثها. توضيحه:
إن الحيثية التعليلية كحرارة النار لحرارة الماء فإن حرارة الماء تبقى وإن انطفأت النار فحدوث النار ومجاورتها للماء علة لحرارة الماء لكنها ليست حيثية تقييدية بل تعليلية بمعنى أن وجودها علة لثبوت الحرارة للماء بنفسه من دون تقيّد باستمرار مجاورة النار.
والحيثية التقييدية كحركة السفينة لحركة راكبها فإنها إذا وقفت انقطعت حركة الراكب أي المستندة إلى حركتها فانه حتى لو كان ساكناً – كما لو كان جالساً أو نائماً - فانه بحركة السفينة من بلد لآخر ينتقل هو أيضاً.
إذا اتضح ذلك نقول: لا دليل على أن الضرر بالنسبة لثبوت الشفعة هو بنحو الحيثية التقييدية فلعلّه، وإن سلمنا أنه علة، بنحو الحيثية التعليلية.
إلا أن يجاب: بأن التعليلية مقابل التقييدية يراد بها كما ذكر في المتن، أما العلة مقابل الحكمة فيراد بها الحيثية التقييدية فالجمع بين العلة مقابل الحكمة ونفي التقييدية تناقض. فتأمل
4- الضرر وإن كان بنحو التقييدية، أخص من المدعى
رابعاً: سلمنا أن الضرر علّة وأن الحيثية تقييدية لا تعليلية، لكن دليله يبقى أخص من مدعاه إذ قد يكون نقل حق الشفعة للغير هو الدافع للضرر عنه فيكون (معنى) لنقله إلى غيره ([7])؛ وذلك لكون الغير مثلاً أعرف بالناس وأعرف بمصلحته في الأخذ بالشفعة من عدمها وكونه أقدر على اتخاذ القرار بالأخذ بالشفعة؛ إذ بعض الناس قد يُحرج من اتخاذ قرار بفسخ العقد بين شريكه والثالث وقد يكون الشريك ذو الشفعة منهم لأنه باعه مثلاً إلى صديق له فيحرج من فسخ المعاملة والأخذ بالشفعة عكس ما لو نقل حقه إلى آخر فأخذ ذلك الآخر بالشفعة، وهذا الفرض ليس بنادر على أن ندرته لا تخل بالمقصود إذ يكفي في دفع الموجبة الكلية السالبة الجزئية وفي دفع السالبة الكلية الموجبة الجزئية.
هذا لو أخذ مشتري حق الشفعة بها، وأما لو لم يأخذ فسيأتي بإذن الله تعالى.
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
====================
قال الإمام أمير المؤمنين (صلوات الله عليه): "الصَّبْرُ صَبْرَانِ: صَبْرٌ عِنْدَ الْمُصِيبَةِ حَسَنٌ جَمِيلٌ، وَأَحْسَنُ مِنْ ذَلِكَ الصَّبْرُ عِنْدَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْكَ.
وَالذِّكْرُ ذِكْرَانِ: ذِكْرُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ عِنْدَ الْمُصِيبَةِ، وَأَفْضَلُ مِنْ ذَلِكَ ذِكْرُ اللَّهِ عِنْدَ مَا حَرَّمَ عَلَيْكَ فَيَكُونُ حَاجِزاً" الكافي: ج2 ص90.
...........................................
|