بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
(152)
الاصفهاني: نقل حق الشفعة للمشتري تحصيل حاصل
كما يرد على قوله قدس سره (كما أن سلطنة الشخص على تملك ما ملكه غلط؛ لأنه حاصل، فنقل الحق إلى المشتري أيضا باطل) ([1]).
الجواب: النقل تسليط له على حق الفسخ ولم يكن له فلا تحصيل للحاصل
وفيه: أن نقل حق الشفعة للمشتري لا يستلزم تحصيل الحاصل وسلطنة الشخص (أي المشتري) على تملك ما ملكه، وذلك لأن حق الشفعة يعني تسلط الشفيع على فسخ العقد بين شريكه والأجنبي المشتري حصته منه وشراءها لنفسه، فكأنّه مركب من الأمرين، وبيع ([2]) حق الشفعة للمشتري لا يعني تمليكه ما ملكه بل تسليطه على حق الفسخ إذ كان للشفيع حق الفسخ ولم يكن للمشتري الأجنبي هذا الحق الذي يهدم معاملته فشراؤه لحق الفسخ ليس تحصيلاً للحاصل إذ الحاصل هو ملكه بالشراء للحصة (متزلزلاً) ولكنه لا يملك حق الفسخ الذي جعل للشفيع (بل قد لا يكون له بنفسه خيار الفسخ لعدم تحقق أحد أسباب الخيار فيه من شرط أو عيب أو شبه ذلك بل لو كان له الخيار فإنه أمر وثبوت خيار الفسخ للمشتري ببركة الشفعة أمر آخر فقد لا يريد الفسخ لكن الشفيع يريده خلافاً لرغبته) فيشتريه منه، كما أن شراء الشفيع لحصته من مالكه (اللازم لصحة فسخه العقد مع الأجنبي) ليس مما المشتري الأجنبي مسلطاً عليه فيشتري منه حق الشفعة فيحرم الشفيع من حق الشراء قهراً.
وبعبارة أخرى: الحاصل بشراء الأجنبي لحصة الشريك عقد متزلزل إذ للشفيع فسخه فيشتري (أو يصالح) على حق الشفعة فيكون ملكه مستقراً، فالحاصل له سابقاً بشراء سهم الشريك الملك المتزلزل والحاصل له لاحقاً بشراء حق الشفعة استقرار الملك، وأين ذلك من تحصيل الحاصل؟.
دعوى الاصفهاني عدم معقولية كون العين وثيقة لغير الدائن
وأما قوله: (وكما في حق الرهانة فإن كون العين وثيقةً لغير الدائن غير معقول، سواء كان المديون أو غيره، فنقله غير معقول إلا بتبع نقل دينه إلى غيره، فينقل حق الرهانة تبعا)([3]).
الأجوبة:
فيرد عليه ما ورد على سابقه:
أولاً: لأن كون الرهن وثيقة الدين حكمة ولا يعلم كونه علة. فتأمل
ثانياً: سلمنا أنه علة لكنه لا يعلم كونه حيثية تقييدية فلعله حيثية تعليلية، ويرد عليه ما سبق في الشفعة.
بل النقل يبقي العين وثيقة لدين الدائن، لكن بيد الغير
ثالثاً: سلمنا، لكنه لا إطلاق له بل هو معقول وواقع في الجملة إذ إن أريد بنقل حق الرهن إلى الغير أن يكون وثيقة لغير الدائن أي لدين دائن آخر صح ما ذكره إن أريد التطارد بينهما لا الطولية، لكنه كثيراً ما لا يراد به ذلك بل يبقى وثيقة لدين الدائن لكنه تحت سلطة الغير، أي يكون وثيقة لدينه سلّط عليها غيره أو فقل: وثيقة لدينه ذات منفعة لغيره.
وذلك كما لو كان الدائن الذين بيده الرهن كالبنك ممن لا يتورع عن التصرف في الرهن دون رضا الراهن (المديون) وكان الراهن ممن لا يقدر على ردعه ومنعه فيصالح شخصاً آخر ذا سلطة وقوة وقدرة بمبلغ من المال على أن ينقل إليه حق الرهن بما هو هو أي بما هو وثيقة لدينه فيكون هو الطرف مع الدائن (المرتهن) أي البنك فيرتدع البنك عن التصرف في الرهن حيث رأى طرفه الذي سلطه المديون على الرهن أقوى منه. فتأمل إذ هذا خروج عن محل البحث فانه ليس من نقل حق الرهانة فإن الكلام عن نقل المرتهن لحق الرهن الذي له إلى غيره وإنما ذكرناه ترويضاً للذهن وتمييزاً له عن مورد البحث.
فينبغي أن يمثل بمديون دفع سيارته مثلاً رهناً لدين اقترضه من المصرِف، وكان المصرف (وهو الدائن الذي بيده الرهن الذي هو وثيقة لدينه) يخشى من بقاء الرهن بيده أن ينتزعه المديون منه قهراً (لارتباطه ببعض ذوي النفوذ مثلاً) ثم لا يسدد دينه، فينقل حق الرهن (على هذا الدين) إلى آخر من ذوي النفوذ لقاء عوض كي تبقى وثيقة دينه كما هي لكن تحت سلطة شخص آخر لا يمكن للمديون أن ينتزعه منه.
أو يمثل بما لو كان للمديون دائنان وقد رهن سيارته عند أحدهما (ولنفرض قيمتها ضعفي قيمة الدين) فينقل الدائن الأول حق رهنه إلى الدائن الثاني ليكون وثيقة دينه عنده. لكنه بدون إذن الراهن برهنه له أيضاً عَود للمثال السابق. فتأمل
تفصيل الاصفهاني بين المقوِّم والمعرِّف في أنواع الحقوق
ثم ان المحقق الاصفهاني فصّل في أنواع السلطنة في الحقوق:
فقال إن بعضها قد يصح نقله ولا يصح انتقاله وبعضها بالعكس قد يصح انتقاله ولا يصح نقله وذلك تبعاً لكون العنوان، كالشفعة أو حق القَسْم، معرِّفاً للانتقال ومقوِّماً للنقل أو بالعكس: مقوِّماً للانتقال ومعرّفاً، للنقل، على مبناه من المعرفية والمقومية واستفادتهما من قرائن المقام.
قال: (بخلاف حق القسم في الزوجات، فإن نقله من زوجة إلى زوجة صحيح لاتصافه بذلك العنوان وصحة استفادته من الحقّ دون انتقاله بالإرث، فإنه حقها مادامت حية يتصور أن يكون لها قسمة والوارث لا يمكن أن يقوم مقام الزوجة في هذا الحق ولا يعقل استفادته من هذا الحق، إلى غير ذلك من الوجوه والمناسبات المتصورة في باب الحق.
فلذا لا يعقل شيء من الاسقاط والنقل والانتقال في بعضها، ويعقل السقوط دون غيره في بعضها الاخر، ويعقل النقل دون الانتقال في ثالث، ويعقل النقل والانتقال معا في رابع، ويعقل الانتقال دون النقل في خامس، ولا بد من ملاحظة دليل كل حق وما يحتف به من القرائن من الوجوه والمصالح والمناسبات) ([4]).
وقد سبق وجه النقاش مبنى وفي بعض الأمثلة بناءً، فإن رفضت بأجمعها كان ما ذكره حينئذٍ كما ذكره. فلاحظ.
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
====================
قال النبي (صلى الله عليه وآله): "مَنْ قَالَ اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ أَعْطَاهُ اللَّهُ أَجْرَ اثْنَيْنِ وَسَبْعِينَ شَهِيداً وَخَرَجَ مِنْ ذُنُوبِهِ كَيَوْمَ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ"
جامع الأخبار: ص59.
............................................
|