• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : البيع (1437-1438هـ) .
              • الموضوع : 162- تفصيل الجواب عن شبهة عدم اختيارية القدرة والارادة والاختيار، بوجه آخر .

162- تفصيل الجواب عن شبهة عدم اختيارية القدرة والارادة والاختيار، بوجه آخر


بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
(162)
 
الفرق بين ثبوت القدرة وبين إعمالها
 
الأمر الثاني: أن منشأ الشبهة والخلط وسبب الارتطام في أوحال الجبر هو عدم التفريق بين أصل وجود القدرة وثبوتها للشخص وبين إعمال القدرة؛ فإن الأول غير مقدور لنا عكس الثاني فإن قدرتنا، بالمقدار الذي لنا منها، هبةٌ من الله تعالى مجعولة فينا كجعل الأعضاء لنا لا بإرادة واختيار منا، وأما إعمال هذه القدرة بأن نرفع هذا أو نحرك ذاك أو نضرب هذا وندافع عن ذاك فهو المجعول لنا والذي أمره بأيدينا فإن لنا القدرة على ذلك سلباً وإيجاباً أي ان لنا إعمال القدرة أو ترك إعمالها.
 
الفرق بين وجود الإرادة وبين تعلقها
 
ومن ذلك يظهر أيضاً الفرق بين وجود الإرادة في الإنسان أي أصل كونه ذا إرادة وبين تعلق إرادته بشيء؛ فإن الإنسان ذو إرادة شاء أم أبى، لكن إعمال هذه الإرادة ههنا أو هناك أي إرادة تحريك هذا الكتاب أو شرب هذا الماء وما أشبه، هي موكول أمرها – طولياً إليه.
 
كالفرق بين الكلي والجزئي
 
وتوضيحه: أن الفرق بينهما يقارب الفرق بين الكلي والجزئي فإن الكلي له أحكامه، ككونه في الذهن وعدم كونه منشأ للآثار الخارجية وكونه ما لا يمتنع فرض صدقه على كثيرين وغير ذلك، والجزئي له أحكامه، ككونه في الخارج وامتناع فرض صدقه على كثيرين وككونه هو المنشأ للآثار الخارجية دون الكلي.
والمقام مشابه لذلك فإن الإرادة الجزئية هي التي بأيدينا أي إرادة تحريك هذا الكتاب، أما أصل الإرادة، وهي تشبه الحقيقة الكلية لكنها ليست هي هي، فليست بأيدينا.
ولذا صح القول: الإرادة مقدور عليها وغير مقدور عليها وهي مرادة وغير مرادة في الوقت نفسه: أما كونها مقدوراً عليها فتلك الإرادة الجزئية فإنه قادر على أن يريد تحريك هذا الكتاب أو الذهاب للمسجد أو الشارع أو لا يريد، وأما كونها غير مقدور عليها فأصل الإرادة فانه خلق مريداً أي ذا صفة هي الإرادة ولم يكن حدوثها بيده لا بقاؤها ولا إزالتها (اللهم إلا بسبب تكويني كأن يقطع نخاعه الشوكي أو يقتل بعض خلايا المخ مثلاً بما يفقد معه الإرادة أو القدرة على الإبصار أو التحريك أو شبه ذلك).
 
وهذا مما يُفسَّر به (بل أمر بين أمرين)
 
ومنه يظهر حال الاختيار، سواء أفسرناه بما يرادف الإرادة أم بما يباينها، فإن قولنا (الاختيار اختياري بنفسه) يراد به صغرى الاختيار أو جزئيّه ومصداقه دون أصل كون الإنسان مختاراً.
وذلك من معاني "لَا جَبْرَ وَ لَا تَفْوِيضَ وَ لَكِنْ أَمْرٌ بَيْنَ أَمْرَيْنِ"([1]) ذلك أن أصل وجود (القدرة) فينا وثبوتها لنا ليس بأيدينا أما إعمالها فهو بأيدينا فلا القدرتين لنا ولا كلتاهما مسلوبة عنّا بل أمر بين الأمرين.
وكذا الإرادة والاختيار في أصل وجودهما وفي تعلقهما بالشيء.
وينقّح ذلك أكثر التدبر في قولنا (المقدور مقدور بالقدرة) فان طرفه([2]) الآخر هو (القدرة على هذا المقدور) فالمقصود منه: إعمال القدرة في حقه مقدور بنفسه لا أصل وجودها فمقدورية المقدور هو الوجه الذي يلي القابل ومقدورية القدرة، هو الوجه الذي يلي الفاعل.
 
منشأ الخطأ: عدم تكرر الحد الأوسط في (الاختيار غير اختياري)
 
ومنه ظهر وجه الخطأ والمغالطة الذي يقع فيه من ذهب إلى الجبر فان منشأ الخلط هو عدم تكرر الحد الأوسط في القياس فيما يقال مثلاً: (الاختياري اختياري بالاختيار، والاختيار غير اختياري، فالاختياري غير اختياري) إذ يرد عليه:
أولاً: أن (الاختيار) في الكبرى يراد به أصل الاختيار كصفة من الصفات أو فقل ذات الاختيار ومجازاً: كلّيّه، أما الاختيار في الصغرى([3]) فيراد به مصداق الاختيار وجزئيه.
ثانياً: أن الحد الأوسط لم يتكرر من جهة أخرى إذ هو في الصغرى: (اختياري بالاختيار) وفي الكبرى: (والاختيار) ولو كرره حقيقة لقال: (والاختياري بالاختيار غير اختياري) ولكن الكبرى حينئذٍ تكون غلطاً إذ (الاختياري بالاختيار اختياري) لضرورة ثبوت الشيء لنفسه واستحالة سلبه عنها.
 
حل شبهة الآخوند
 
وبذلك كله اتضح وجه الخطأ الذي ألجأ الآخوند إلى القول بما واقعه الجبر إذ أرجع العقاب إلى الكفر والعصيان الراجعين إلى إرادتهما واختيارهما الراجعة – أي إرادتهما واختيارهما – إلى مقدماتها و(لنعبر عنها بالاختيارية([4])) الراجعة إلى الشقاوة الذاتية؛ فإن تطويل السلسلة لا يخرج الأمر عن الجبر.. والحل: أن الكفر والعصيان يرجعان إلى الاختيار والاختيار أمر اختياري في تعلقه بالكفر أو الإيمان والطاعة والعصيان وإن لم يكن اختيارياً في أصل وجوده، وأما المقدمات فهي علل إعدادية ومقتضيات وليس علة لتعلق الإرادة بهذا وذاك بل هي مقتضية لا غير فإن أراد هذا الطرف كان أو ذاك الطرف صار.
 
فظهر بطلان مبنى كلام النائيني في السلطنة على السلطنة
 
ومنه ظهر بطلان المبنى الذي بنى عليه الميرزا النائيني كلامه في عدم معنى للسلطنة على السلطنة والذي طورناه بأنه بل يستحيل السلطنة على السلطنة للتسلسل؛ إذ الجواب: أن السلطنة تارة يراد بها أصلها وأخرى يراد بها خصوص هذه السلطنة على هذا الشيء الخاص بحيازته أو ببيعه أو رهنه فالأول غير مقدور لنا ولا تحت سلطتنا إذ هو اعتبار عقلائي (أو شارعي) وهو بأيديهم فانهم الذي يجعلونه (بالإرث مثلاً أو بالحيازة مع القصد) كقاعدة كلية، أما الثاني فانه المقدور لنا، والذي لنا السلطنة عليه (السلطنة على السلطنة) إذ لي السلطنة على أن أبيع كتابي فأفقد، بسبب البيع، سلطنتي عليه أو لا أبيعه فأبقيها فلي السلطنة على السلطنة، فالمراد من السلطنة الواقعة مدخولاً لـ(على) هي السلطنة الجزئية المصداقية لا الكلية أي لا أصلها، وطرفها هو الوجه الآخر لها كما سبق، فتدبر جيداً يا من رعاك الله.              
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
=====================

قال الإمام الصادق (عليه السلام): "اتَّقُوا الْمُحَقَّرَاتِ مِنَ الذُّنُوبِ فَإِنَّهَا لَا تُغْفَرُ، قُلْتُ: وَمَا الْمُحَقَّرَاتُ، قَالَ: الرَّجُلُ يُذْنِبُ الذَّنْبَ فَيَقُولُ طُوبَى لِي لَوْ لَمْ يَكُنْ لِي غَيْرُ ذَلِكَ" الكافي: ج2 ص287.
................................................
 
 

 


  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=2552
  • تاريخ إضافة الموضوع : الاحد 28 جمادى الاولى 1438هـ
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 02 / 23