• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : الفوائد والبحوث .
              • الموضوع : 142- من فقه الحديث: محتملات معنى الحقيقة في قوله(عليه السلام): ((إنّ لكل حقٍ حقيقةً)) .

142- من فقه الحديث: محتملات معنى الحقيقة في قوله(عليه السلام): ((إنّ لكل حقٍ حقيقةً))

من فقه الحديث: محتملات معنى الحقيقة في قوله(عليه السلام): ((إنّ لكل حقٍ حقيقةً))*[1]
وموجز فقه الحديث: إن الحقيقة لها معانٍ عديدة:
 
الأول: جوهر الشيء ولُبّهُ
فمن معانيها: جوهر الشيء ولُبّه[2].
ولنمثل بمثالين كلامي وفقهي:
أما الكلامي فهو أن حقيقة الصلاة هي التسليم لله تعالى والإطاعة له، وعليه فلا ينبغي أن تُستغرب الروايات التي تُنيط وترهن وتعلِّق قبول الصلاة على الإذعان والاعتقاد بولاية أمير المؤمنين(عليه السلام)[3]؛ إذ هي كتعليق قبولها على الإذعان برسالة الرسول(صلى الله عليه وآله)؛ إذ هل لأحد أن يقول بصحة الصلاة من دون الإذعان بالرسول(صلى الله عليه وآله)؟ فكذلك الإيمان بالولاية، وقد قال تعالى: (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً)[4]، وأهمّ ما شَجَر بيننا وبين العامة هو كون علي(عليه السلام) هو الإمام والخليفة الأول على الإطلاق.
والحاصل: إن الصلاة حق، وأما حقيقتها فهي التسليم والعبودية.
وأما الفقهي فهو: إن ((لا ضرر ولا ضرار في الإسلام))[5] حق؛ إذ ليس ذلك بباطل قطعاً، لكن ما هي حقيقته؟ هذا هو مسرح البحث المعمق والمطول بين الفقهاء[6]؛ إذ قيل: إنه نهي تشريعي، وعليه فهذه هي حقيقته، وقيل: إنه حكم ولائي، وقيل: إنه نفي للحكم بلسان نفي موضوعه، وهكذا.
 
الثاني: مرجع الشيء ومآله
ومنها: مرجعه ومآله، فحقيقة الشيء أي ما يرجع الشيء إليه[7]... وتوضحه الأمثلة التالية:
الأول: قولك للخصم: إن حقيقة كلامك هي إذعان بمدّعاي وكلامي، مثلاً: قولك لمن جادلك في وجود البارئ بدعوى أن المادة الأولية هي الخالق للكون: إنّ حقيقة كلامك هي الإذعان بوجود الله لكن نقاشك في المصداق فقط[8]، أي مرجع كلامك إلى الإذعان بوجود الله لكن بعبارة أخرى وبمواصفات غير صحيحة.
الثاني: قول بعض الفقهاء فيما نسب إليهم[9]: إن حقيقة اشتراط إذن الزوج في خروج الزوجة هو حق الفراش، بمعنى أنه ليس له عليها حقّان، بل له حق الفراش فقط، والاستئذان في الخروج طريقي، أي: كي لا يُخِلَّ بحق الفراش، فلو لم يخلّ فلها الخروج دون إذنه على هذا الرأي، وهو مخالف للمشهور كما لا يخفى. فقوله: (حقيقة اشتراط؛ إذن...) يعني أن مرجعه إلى حق الاستفراش.
 
الثالث: ما به الشيء هو هو في ذاته أو تشخّصه
ومنها: ما به الشيء هو هو في ذاته، أو ما به الشيء هو هو في تحقُّقِه وتشخُّصِه، والأول على مبنى أصالة الماهية، والثاني على مبني أصالة الوجود[10]، فمثلاً: حقيقة الصلاة هي الأركان لا سائر الأجزاء، ولذا لو تركها حتى لو كان سهواً أو نسياناً بطلت، فعلى هذا يكون المراد من (لكل حق حقيقة) أي: لكل حق ما به هو هو، أي: جنسه وفصله، أو ما به تشخصُّه.
وفرق هذا عن الأول دقيق، فتدبر جيداً.
 
الرابع: ما يقابل الزيف
ومنها: إنّ الحقيقة في مقابل الزيف[11]، فيكون المراد من (لكل حق حقيقة) أي: لكل أمر من عالم الثبوت حقيقة دالة عليه من عالم الإثبات، فيجب البحث عنها ـ أي: عن الدوالّ والأدلة الصحيحة ـ دون الوقوع في فخ الدوالّ أو الأدلة الزائفة أو غير التامة، فمثلاً: القياس والاستحسان ليسا بحقيقة، فلا يوصلان للحق فهما زيف، وكذا الاستقراء الناقص، بل وكذا الشهرة لو قلنا بعدم حجيتها وعدم جابريتها وعدم كاسريتها.
 
الخامس: ما يقابل المجاز
ومنها: إنّ الحقيقة في مقابل المجاز[12]، وعليه يجب البحث عن الدوالّ الحقيقية على المعاني، وعن الأدلة التي أريد بها معانيها الموضوع لها، مقابل ما أريد بها مجازاتها، ولم تكن بظاهرها مرادة، فتأمل.
وعلى الأخيرين: فإنه يمكن تعميم الحق للعوالم الأربعة: الوجود العيني والذهني واللفظي والكتبي، ولكل منها حقيقة، أي: أمرٌ دال عليها، وتكون دلالة الإيماء والتنبيه، ودلالة الاقتضاء وغيرها، منها فتدبر جيداً.
ولعل أحد الأخيرين أو كليهما هو ما أراده في الفروق اللغوية بقوله: «الحقيقة: ما وضع من القول موضعه في أصل اللغة حسناً كان أو قبيحاً، والحق: ما وضع موضعه من الحكمة فلا يكون إلا حسناً»[13]، ولعل ظاهر كلامه أنه فسّر الحقيقة بالصدق في مقابل الكذب، أو بالصحيح في مقابل الخطأ، وهو تفسير بالمصداق، فتأمل.
وعلى أية حال: فإن الحقيقة تشمل الحسن والقبيح، فالأول: كالصلاة والصدق، والثاني كالسرقة والكذب؛ فإن السرقة والكذب حقيقة لكنهما ليسا بحق، بل هما باطل؛ إذ أريد بالحقيقة اللفظ الموضوع لمعنى، أو ما هو واقع خارجاً، وأريد بالحق ما يقابل الباطل.
لكن تخصيصه بالقول لا وجه له، بل إنّ الحقيقة تشمل مطلق المبرِز كالإشارة مثلاً، بل تشمل حتى عالم الثبوت، فإنه يقال: السرقة حقيقة، أي: أمرٌ واقع متحقق في المجتمع لكنها حقيقة سيئة.
وأما الحق فله تفسيرات وتعريفات:
ومنها: الحق قبال الباطل[14]، فالمراد به الثبوت بمراتبه الأربعة.
ومنها: الثابت الذي لا يسوغ إنكاره[15]، فيشمل العقائد والأقوال.
ومنها: الموجود حقيقة لا توهماً[16].
ومنها: غير ذلك مما لا يهم تحقيقه الآن، والحق في الرواية يشملها جميعاً، إلا أن يدعى الانصراف لبعضها، وفيه ما لا يخفى.
من فقه قوله (عليه السلام): ((ولكل صواب نوراً))[17]
 
المراد بالنور:
المستفاد من هذه الجملة أن النور يدل على الصواب بالبرهان الإنِّي، فإذا أردت أن تعرف الصواب ممّا نسب إليهم(عليهم السلام) من الأقوال فانظر إلى أن له ـ أي لهذا الكلام المنقول ـ نوراً أم لا؟
لكن ما هو المراد بالنور؟ قد يقال: إن المراد هو معناه الأخص، بأن يكون للكلام الصادق نور تراه العين البرزخية مثلاً، وأما الكلام الكاذب فليس له إلا الظلام، ولا يبعد ذلك، وقد فصلنا ذلك في بعض مباحثنا[18].
وقد يقال: إن المراد به المعنى الأعم، وهو (المنكشف بنفسه الكاشف لغيره) وحاصل المراد على هذا: إن لكل صواب من أقوالهم نوراً، أي: كاشفاً عنه، وهذا الكاشف هو الحجج الجلية والحجج الخفية، وهي المعاريض ولحن الكلام وشبهها، فيجب البحث عنها والتعرف عليها[19]، ولا مانعة جمع بين المعنيين.
 
من طرق رؤية هذا النور:
ثمّ إنَّ من طرق التعرف على هذا النور إضافة إلى تزكية الأنفس ـ إذ: (وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى) [20]، وإضافة إلى الجهاد في الله: (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا)[21]ـ هو: الإحاطة بمجموع الآيات والروايات وتاريخ المعصومين(عليهم السلام)، فإن بعضها يفسر بعضاً ويشرحه ويكون قرينة عليه، ويظهر ذلك بملاحظة حال من يَفِد على قومٍ غرباء، فإنه سوف لا يفهم كثيراً من إشاراتهم ومعاريضهم وغيرها، إلا لو تعرّف على مجمل عاداتهم وتقاليدهم وتاريخهم، ومختلف معارفهم، وإلا لأخطأ كثيراً في فهم كنايةٍ أو مجازٍ أو مِعراضٍ أو غير ذلك.
------------------------------
 
 

 


  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=2558
  • تاريخ إضافة الموضوع : 5 جمادى الآخرة 1438هـ
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28