بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
(165)
2- فقه حديث "نَهَى رَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه وآله) عَنْ... بَيْعِ مَا لَيْسَ عِنْدَك"
ثانياً: ان دلالة رواية "نَهَى رَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه وآله) عَنْ سَلَفٍ وَبَيْعٍ وَعَنْ بَيْعَيْنِ فِي بَيْعٍ وَعَنْ بَيْعِ مَا لَيْسَ عِنْدَك" ([1]) ورواية "لَا بَيْعَ إِلَّا فِيمَا تَمْلِكُ" ([2]) على بطلان بيع الحق وجعله مثمناً أو على المنع عن ذلك، والأول وضعي والثاني تكليفي، يستلزم الوضعي أو لا، متوقف على التدبر في فقه الحديث فنقول:
أما "لَا بَيْعَ إِلَّا فِيمَا تَمْلِكُ" فمرسلة رواها في العوالي.
محتملات (لا) في "لَا بَيْعَ إِلَّا فِيمَا تَمْلِكُ"
والمحتملات فيها ثلاثة: نفي الجنس، ونفي الصحة، والنهي ([3]).
أما نفي الجنس فانه وإن كان الأصل في (لا) الداخلة على الجنس إلا أن الظاهر أنه ليس بمراد لبُعد الحقيقة الشرعية في البيع فانه بيع عرفاً ويستبعد تصرف الشارع في مرحلة الماهية بنفيها، إضافة إلى وضوح صدق البيع على بيع الوكيل والولي بل وصحته مع انه ليس بملك لهما ويستبعد جداً أن يعتبر الشارع هذا بيعاً دون غيره كالفضولي أو غيره.
وأما نفي الصحة فهو كنفي الكمال في مثل "لَا صَلَاةَ لِجَارِ الْمَسْجِدِ إِلَّا فِي الْمَسْجِد" ([4]) و"يَا أَشْبَاهَ الرِّجَالِ وَلَا رِجَالَ حُلُومُ الْأَطْفَالِ وَعُقُولُ رَبَّاتِ الْحِجَال" ([5]) خلاف الأصل، فيبقى أنه نهي لكنه مع أنه خلاف الأصل في نفسه خلاف الأصل الثانوي في النهي في المعاملات إرادة الحكم الوضعي فعاد للصحة. فتأمل ([6])
وعلى أي فالظاهر أن الحصر إضافي وليس بالقياس إلى مثل الحق كما سيظهر مما سيجيء، فتدبر.
وأما "نَهَى رَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه وآله) عَنْ سَلَفٍ وَبَيْعٍ وَعَنْ بَيْعَيْنِ فِي بَيْعٍ وَعَنْ بَيْعِ مَا لَيْسَ عِنْدَك" فان المحتملات في معنى (عندك) سبعة، ذكر الشيخ أربعة منها، ولا يتم الاستدلال بها على عدم صحة جعل الحق مثمناً إلا على بعضها غير المنصور بل ولعله غير المشهور، وهي:
محتملات (عندك) في (بيع ما ليس عندك):
كونه حاضراً مكانياً
1- (عندك) أي حاضراً عندك أي مكانياً وجغرافياً فلا تبع ما ليس عندك أي ما كان غائباً عنك. ولكن لا ريب في عدم إرادة هذا المعنى لبداهة جواز وصحة بيع العين الغائبة عنك وأنه ليس من شرائط البيع حضور المبيع بعينه وجسمه مكانياً لدى البائع.
ولا يخفى أن ذلك في بيع الأعيان الشخصية إذ هي التي يتصور فيها الحضور والغياب، أما بيع الكلي فحيث انه أمر في الذمة فلا غياب له أبداً اعتباراً.
كونه ملكاً لك
2- (عندك) أي ملكاً لك فلا تبع ما ليس عندك أي ما ليس ملكاً لك، وعلى هذا فلا يصح بيع الحق، ويرد عليه:
أولاً: أنه لو كان ذلك المراد لقال (ما ليس لك) فانه المعهود إذا أريد نفي الملك، لا (ما ليس عندك) فتأمل ([7]).
وثانياً: أنه ينقضه صحة بيع الولي والوكيل بل والفضولي وإن توقف على الإجازة. فتأمل ([8])
ثبوت سلطنة عقلائية لك عليه
3- (عندك) أي ما لك سلطنة عقلائية عليه فلا تبع ما ليس عندك أي ما ليست لك سلطنة عقلائية عليه وذلك كالمغصوب منك إذا غصبه قاهر بحيث لا تستطيع استرجاعه منه، فانه وإن كان ملكاً لك فانه لا يصح بيعك له إذ لا سلطة عقلائية لك على تسليمه للطرف، فيلزم اللغو أو الغرر من صحة هذا البيع.
وعلى أي فلو أريد هذا المعنى لما منع بيع الحق (أي المحقوق) لوجود السلطنة العقلائية على المحجّر مثلاً في مثال حق التحجير.
ثبوت سلطنة شرعية لك عليه
4- (عندك) أي ما لك سلطنة شرعية عليه، فلا تبع ما ليس عندك يعني ما ليست لك سلطنة شرعية عليه وإن كان ملكاً لك، وذلك كالمرهون فانه لا يصح أن يبيعه مالكه (الراهن) وكذا المحجور عليه لفلس أو سفهٍ.
وعلى أي فانه لو أريد هذا فلا يمنع بيع الحق لثبوت السلطنة الشرعية عليه.
ثبوت سلطنة تامة فعلية لك عليه
5- (عندك) أي ما لك سلطنة تامة فعلية عليه وهي المتوقفة على أمرين: كونه ملكاً لك وقدرتك على تسليمه، وهذا هو ما اختاره الشيخ فقال: (فتعيّن أن يكون كناية عن السلطنة التامّة الفعليّة التي تتوقّف على الملك مع كونه تحت اليد حتّى كأنه عنده و إن كان غائباً) ([9]).
وعليه فلا يصح بيع الحق إذ الركن الأول فيه غير متحقق.
ولكن يرد عليه: أنه لا دليل على حصر (عندك) في المملوك لك فإن المحقوق لك (أي ما لك حق فيه كحق التحجير) يصدق عليه بالحمل الشائع الصناعي أنه (عندك).
وبعبارة أخرى: عندية كل شيء بحسبه فعندية ما شأنه المملوكية بالملك وعندية ما شأنه المحقوقية بالحق. وللبحث تتمة بإذن الله تعالى.
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
====================
عن الإمام الباقر (عليه السلام) انه قال: "يَا هِشَامُ! إِنَّ الْعَاقِلَ نَظَرَ إِلَى الدُّنْيَا وَإِلَى أَهْلِهَا فَعَلِمَ أَنَّهَا لَا تُنَالُ إِلَّا بِالْمَشَقَّةِ، وَنَظَرَ إِلَى الْآخِرَةِ فَعَلِمَ أَنَّهَا لَا تُنَالُ إِلَّا بِالْمَشَقَّةِ، فَطَلَبَ بِالْمَشَقَّةِ أَبْقَاهُمَا" الكافي: ج1 ص17.
...........................................
|