بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
(173)
خلاصة الوجوه الست من تخريجات حق الخلو:
سبق ان لِحقّ الخلو والسرقفلية أنواعاً وان ماهيته يمكن ان تفترض على أنواع وان صيغته وتخريجته الفقهية تختلف كذلك اما لاختلاف الأنواع أو لوجود صيغ مختلفة لتخريج النوع الواحد: فقد تكون ([1]) شرطاً في ضمن العقد، وقد تكون ([2]) إجارة وجعالة، وقد تكون عقداً مستأنفاً، وقد تكون صلحاً، وهذه الوجوه ذكرناها مستقلة كل منها على حِده في ضمن البحث (167) كما انها قد تكون – على ما ادعي – بيعاً محضاً وقد تكون – بيعاً للمسقفات، وقد مضى هذان الوجهان في البحث (171) في ضمن الجواب عن إشكال السيد الروحاني على صحة وقوعها صلحاً أو جعالة وصلنا إلى الجواب السابع عن إشكاله وهو ان السرقفلية نقل للمحقوق لا للحق، ولكن حيث ان تمامية الجواب تعتمد على تحقيق النوع السابع من أنواع السرقفلية نعود إلى مبحث (ماهية السرقفلية وأنواع عقدها) فنذكر النوع السابع ثم إذا تمّ إتضح وجه الإشكال السابع على السيد، ضمناً، فنقول:
حق الخلو: بيع مستأنف لتمليك مستحدث لملكية خاصة
الوجه السابع([3]): أن تكون السرقفلية نوعَ بيعٍ مستأنفٍ لنوعٍ خاصٍ من التمليك مستحدثٍ واقعاً على نحوٍ خاص من الملكية، فبيانه يعتمد على بيان أنواع الملكية والتي يتفرع عليها أنواع التمليك الذي يتفرع عليه أنواع البيع فنقول:
بحث عن حقيقة الملكية وانها بسيطة أو لا
المعروف المعهود في الأذهان أن الملكية أمر بسيط ساذج ومفهوم فارد وحقيقته حقيقة اعتبارية غير متجزئة، لكن التدبر والتأمل العميق قد يقودنا إلى نظرية جديدة في الملكية وقد تبدو مستغربة في بادئ النظر، والمقصود من طرحها هنا إبداء الاحتمال وليس التبني والبناء عليها فانه بحاجة إلى تدبر أكثر، وهي:
الملكية: حقائق مختلفة في عالم اعتبارها
ان الملكية عبارة عن حقائق مختلفة متباينة بالذات في عالم اعتبارها والجامع اسمي ([4]) ولذا قد تختلف أحكامها مما قد يستكشف منها بالبرهان الإنّي اختلاف الذات، وليس المراد الاختلاف بتمام الذات (والتعبير بالذات والفصل وشبههما ههنا ليس على حقيقته إذ الكلام في الأمور الاعتبارية وهي لا ماهية لها ولا جنس ولا فصل فكلما اطلق أحد هذه الألفاظ أو نظائرها أريد به المشابه ([5])) بل الاختلاف بالفصل فكما ان الأسد مباين للإنسان بالحقيقة وليس المراد انه لا يوجد جنس جامع بينهما كذلك المراد من اختلاف أنواع الملكية.
وعليه: فلا بد من بحث المدعى على مستويين: الإمكان والوقوع:
الإمكان
أما الإمكان فلا شك في إمكان ان يعتبر العقلاء للملكية أنواعاً مختلفة بالحقيقة ومختلفة في بعض الخصائص الذاتية تبعاً لذلك، وذلك لأن الاعتبار خفيف المؤونة وأمره بيد المعتِبر والمهم تصوير المراد من اختلاف أنواعها ذاتاً.
الأدلة على الوقوع
واما الوقوع: فانه قد يستدل عليه بان الفقهاء افتوا في مواضع متعددة بما يبتني على اختلاف أنواعها ذاتاً وإن لم يصرحوا أو لم يلتفت بعضهم إلى أن ذلك يستلزم اختلاف أنواعها ذاتاً وسوف نشير إلى بعض المواضع:
الوقف حتى العام منه مملوك للموقوف عليهم
فمنها: ما التزم به صاحب الجواهر وجمع كبير من الفقهاء وقيل انه المشهور ونسب إلى الأكثر، في الوقف من أنه بأنواعه: من الوقف على المعين أو الخاص كالوقف الذري أو على الجهة الخاصة أو العامة كوقف المدرسة على طلبة النجف أو مطلق الطلبة أو الخان على فقراء الزوار أو المسافرين، ومن الوقف العام كوقف المسجد والمقبرة ([6])، ملك للموقوف عليهم، مع وضوح اختلاف هذا النوع من الملك بالذات وبالخواص الذاتية للملك عن سائر أنواع الملك لوضوح انه لا يباع ولا يورث ولا يوهب بل ولا يؤجر (إلا في وقف المنفعة في الوقف الخاص، عكس وقف الانتفاع) بل ينتفع به فحسب، مما يستظهر من ذلك كله أن جمعاً كبيراً من الفقهاء ذهبوا، من غير ان يصرحوا، إلى ثبوت نوع خاص من الملكية مغاير للنوع المعهود منه، نعم ذهب جمع آخر من الفقهاء إلى ان الوقف العام إنما هو فك ملك وتحرير وليس تمليكاً بل وكذا الوقف على الجهة العامة، وفي الوقف الذري وشبهه خلاف.
كلام صاحب الجواهر
قال في الجواهر: (الوقف إذا تمّ زال عن ملك الواقف عند الأكثر، بل عن المشهور، بل في محكيّ الغنية والسرائر: الإجماع عليه...) ([7]).
وقال: (فما عن بعض العامّة: من بقائه على ملك الواقف – لذلك، وللأصل المقطوع بما عرفت - واضح الفساد.
بل الأقوى ما أطلقه المصنّف من أنّه "ينتقل إلى ملك الموقوف عليه" كما عن المبسوط وفقه القرآن والغنية والسرائر والتذكرة والإرشاد وشرحه لولده وجامع الشرائع والتحرير والمختلف، سواء كان على معيّن أو غير معيّن أو جهة عامة حتى المسجد والمقبرة التي وقف على المسلمين مثلاً، بل في المسالك نسبة ما في المتن إلى الأكثر، وعن غيرها إلى المشهور) ([8]).
وقال: (ومن الغريب: مع اعتراف بعضهم بضعف ما ذكروه دليلاً قال: "الأقوى الانتقال إليه، لكنّه إنما يتمّ في الموقوف عليه المعيّن، أمّا لو كان على جهة عامة أو مسجد ونحوه فالأقوى أن الملك فيه لله تعالى؛ لتساوي نسبة كلّ واحد من المستحقين إليه واستحالة ملك كلّ واحد أو واحد معيّن أو غير معيّن، للإجماع واستحالة الترجيح، ولا المجموع من حيث هو مجموع؛ لاختصاص الحاضر به" ([9]).
وكأنّه تبع بذلك الفاضل في قواعده؛ حيث أنه - بعد أن جزم بزوال الوقف عن مالكه - قال: "ثمّ إن كان مسجداً فهو فك ملكٍ كالتحرير، وإن كان على معيّن فالأقرب أنّه يملكه، وإن كان على جهة عامة فالأقرب أنّ الملك لله تعالى" ([10]) وإن كان مخالفاً له في المسجد ونحوه.
وفيه أوّلاً: - مضافا إلى ما عرفت - إمكان دعوى الإجماع منّا على الانتقال إلى الموقوف عليه خصوصا في المعيّن...) ([11])
وللكلام صلة وإشكالات وأجوبة
ويمكن ان نصطلح على هذا النوع من الملك بالملك المبعّض ذاتاً وآثاراً المختلف بالذات عن الملك المشاع أيضاً، وسيأتي الكلام حوله بإذن الله تعالى.
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
=====================
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): "قُسِمَ الْعَقْلُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَجْزَاءٍ: فَمَنْ كَانَتْ فِيهِ كَمَلَ عَقْلُهُ وَمَنْ لَمْ تَكُنْ فِيهِ فَلَا عَقَلَ لَهُ، حُسْنُ الْمَعْرِفَةِ بِاللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَحُسْنُ الطَّاعَةِ لَهُ وَحُسْنُ الصَّبْرِ عَلَى أَمْرِهِ" الخصال (للصدوق): ج1 ص102.
.................................................
|