بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
(179)
الاعتبارات الأربع في النقل
: ان من الممكن في النقل أربع أنحاء من الاعتبار، ورابعها وإن لم يكن معروفاً بل ولم يطرح من قبل، إلا انه حيث كان الملك أمراً اعتبارياً والاعتبار خفيف المؤونة كان أمره بيد المعتبر فكما له الاعتبارات الثلاث الأولى له الرابعة، والاعتبارات الأربع هي:
نقل العين ونقل المنفعة، وكلاهما ببيع أو شبهه ([1]) وليس إجارة؛ إذ نقل المنفعة بنفسها فيما لو أمكن فيها ذلك كالثمرة ليس بإجارة بل بيع لها أو شبهه.
ونقل المنفعة بما هي قائمة بالعين كنقل السكنى لا بنفسها لعدم إمكان ذلك بل بما هي قائمة بالعين أو فقل بما هي موجودة بوجود إجمالي فيه، وهذه هي الإجارة أو نظائرها.
ونقل العين المحيّثة بحيثية قيام المنفعة الخاصة بها دونها بالحيثية الأخرى.
تصوير آخر لنظرية الملك المبعّض ذاتاً وآثاراً
ومنه ظهر ان هذا نوع جديد من النقل والتمليك وانه نوع جديد من الملك عبّرنا عنه فيما مضى بالملك المبعّض ذاتاً وآثاراً، ولنذكر له تصويراً آخر وأمثلة أخرى تجعله أقرب للتعقل والقبول ثم نذكر الثمرات المترتبة على ذلك:
فان العين المملوكة تارة تكون لها منفعة أصلية مقصودة بنفسها ومنافع تبعية فيكون البيع منصباً على العين بلحاظ تلك المنفعة فتتبعها سائر المنافع وحيث ان غالب الأملاك والمعاملات هي كذلك صَعُب تصور الملك المبعّض ذاتاً وآثاراً، وتارة أخرى تكون لها منفعتان أصليتان مقصودتان بالذات وقابلتان للانفكاك وهنا: تارة يبيع بلحاظهما وهذا معهود أيضاً وأخرى يبيع العين بلحاظ المنفعة الأولى وبحيثيتها التقييدية لزيد، ويبيعها بلحاظ المنفعة الثانية محيثيةً بالحيثية التقييدية بها لعمرو، فإذا كانت المعاملة عقلائية فما الإشكال في ذلك؟
أمثلة للملك والبيع المبعّض
وذلك مثل ان يبيع البستان من حيثية كونه مثمراً لزيد ومن حيثية كونه مما يُسكن فيه لعمرو، فإذا تعلق غرض كل من المشتريين بأحد الغرضين وأمكنه استيفاؤه فما الضير في دعوى صحة البيعين بعد تعدد الاعتبار وتكثر الآثار وإمكان استيفائها؟
وكذلك الأجهزة الحديثة التي لها استخدامات متعددة كلها مطلوبة لذاتها وقابلة للتفكيك، فيبيع الجهاز، كالحاسوب، محيّثاً بحيثية هذا النوع من الاستعمال لزيد ومحيّثاً بحيثية أخرى لعمرو؟
مثال آخر: أن يبيع ماء النهر لعمرو من حيث الانتفاع به في سقي مزارعه، ولبكر من حيث انتفاعه به في توليد الطاقة الكهربائية كما لو نصب مولّدات الطاقة على منحدرات النهر أو تحت مجرى شلالاته، أو ان يبيعه لبكر من حيث تشغيله لتوربينات الطاقة المنصوبة على منطقة الشلالات الأولى المملوكة له – لبكر – ولخالد من حيث تشغيله لتوربينات الطاقة المملوكة لخالد على منطقة الشلالات الثانية وهكذا.
من ثمرات الملك المبعّض ذاتاً وآثاراً
والثمرات المترتبة على تحقق هذا النوع من الملك والتمليك، كثيرة:
صحة بيع السرقفلية ثم تأجيرها عن نفسه
فمنها: الثمرة المتصورة في مبحث السرقفلية وهي صحة هذا النوع منها بان يبيع الدكان من حيث حق السرقفلية فيه لا من سائر الحيثيات، وعلى ذلك يبتني الجواب عن إشكال السيد الروحاني الآنف ([2]) حيث أشكل على السرقفلية بان حق الإيجار لا يعلم صحة نقله لغير المالك إذ يحتمل قيامه بالمالك فكيف يصح ان يدفع المستأجر مبلغاً (هو المسمى بالسرقفلية) مقابل أن يكون له – للمستأجر – حق الإيجار (أي عن نفسه) للغير بعد إنقضاء مدة الإجارة؟
وقد مضى الإشكال مبنىً على كلامه، وأما بناءً: فانه إذا صح هذا التصوير الجديد للملكية فان المالك يبيع دكانه لا من جميع الحيثيات بل من حيثية كون منفعة استثماره تجارياً للمستأجر ([3]) بنفسه فيكون مالكاً لعين الدكان من هذه الحيثية فيصح له إيجاره عن نفسه، فكان إيجاره للدكان إيجاراً لما يملكه لا لما لا يملكه كي يقال بانه لا يعلم صحة إيجار الأجنبي لملك مالك آخر عن نفسه؟ بل انه آجر ما يملكه (أي سهمه من الملك المبعّض ذاتاً وآثاراً) كما له أن يبيعه أيضاً.
ارتفاع القيمة لهما وعليهما الخمس، وهما يوَرثان..
ومنها: ان ارتفاع قيمة الملك تكون لكلا المالكين، وذلك كما في الملك المشاع لكن المشاع مشاع عرضي واما هذا النوع الجديد من الملكية فتبعيض في الملكية ذاتي وآثاري.
ومنها: ان كليهما يرث منه وارثه حصته من الملك المبعض.
ومنها: ان عليهما الخمس في ارتفاع القيمة في غير ما كان مسكناً أو شبهه من مؤونة السنة.
ومنها: ان لكل منهما بيع ما يملكه منه، إلى غير ذلك.
وستأتي ثمرات أخرى وتتمة بإذن الله تعالى.
الإشكال بان هذا النوع من الملكية غير مُمضى شرعاً
لا يقال: هذا النوع من الملكية غير ممضى شرعاً إذ لم يكن موجوداً زمن الشارع بل لم يكن متعقلاً أصلاً؟
الجواب: أولاً: تكفي في الإمضاء الإطلاقات
إذ يقال: أولاً: الإطلاقات وافية بالإمضاء إذا كان العرف وافياً بالموضوع، والمدّعى ان هذا بيع عرفي فيشمله (أَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ) كما ان المدعى ان هذا النوع من الملك ممكن متصور فلو قرّ عليه اعتبار العرف (كما هو المدعى في بعض أنواع السرقفلية) شمله "لَا بَيْعَ إِلَّا فِيمَا تَمْلِكُ" ([4]) فهو، لو قرّ عليه اعتبار العرف، مما يملك، فالعمدة إثبات الصغرى إذ بعد ثبوتها لا مشكلة من حيث الإمضاء لمكان الإطلاقات.
ثانياً: السكوت عن الحادث المستقبلي، إمضاء
ثانياً: على مبنى غير مشهور فانه لا حاجة في صحة العقود المستحدثة أو الموضوعات المستجدة وكونها مما تترتب عليها الأحكام، إلى الإمضاء بل يكفي عدم الردع وعدم الردع متحقق بالسكوت ولا حاجة ([5]) في عدم الردع والسكوت إلى وجود الأمر في زمن المعصوم (عليه السلام) بل يكفي تجدده ولو بعد مئات السنين أو ألوف السنين مع سكوت المعصوم عنه ولو بعدم وجود إطلاق نافٍ معارض وذلك استناداً إلى قول الإمام الصادق (عليه السلام): "حَلَالُ مُحَمَّدٍ حَلَالٌ أَبَداً إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَحَرَامُهُ حَرَامٌ أَبَداً إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ" ([6]) وقول رسول الله (صلى الله عليه وآله): "أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي لَمْ أَدَعْ شَيْئاً يُقَرِّبُكُمْ إِلَى الْجَنَّةِ وَيُبَاعِدُكُمْ مِنَ النَّارِ إِلَّا وَقَدْ نَبَّأْتُكُمْ بِهِ" ([7]) وان علمهم (عليهم السلام) محيط بإذن الله تعالى بالمستقبل كإحاطته بالحاضر والماضي وان الشريعة خالدة جاءت بأحكام كافة الموضوعات على تجدد الأزمان فوجود موضوع متجدد في زمن قادم كوجوده في زمن المعصوم (عليه السلام) من حيث انه لو كان منكراً ([8]) لوجب النهي عنه ولو بإطلاق أو عموم أو ما أشبه. فتأمل وللبحث صلة بإذن الله تعالى.
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
======================
عن النبي (صلى الله عليه وآله): "مَا أَنْصَفَ اللَّهَ مِنْ نَفْسِهِ مَنِ اتَّهَمَ اللَّهَ فِي قَضَائِهِ وَ اسْتَبْطَأَهُ فِي رِزْقِهِ" الأمالي (للصدوق): ص553.
.................................................
|