• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : الفوائد والبحوث .
              • الموضوع : 153- فائدة لغوية: الفرق بين اللهو واللهي .

153- فائدة لغوية: الفرق بين اللهو واللهي

فائدة لغوية: الفرق بين اللهو واللهي*
الظاهر وجود مادتين مختلفتين لفظاً ومعنىً ههنا وليس مادة واحدة، وهما (اللهو) و(اللهي)، والأولى من الناقص الواوي والثانية من الناقص اليائي، ولذا:
في الواوي يقال: لها يلهو لهواً، وهذا هو مورد مسألتنا.
وفي اليائي يقال: لهى يلهِي لهياً، وهذا يأتي على وزن رمى يرمي، أو على وزن خشي يخشى أي لَهِي يَلهى.
 
أدلة لفظية ومعنوية على الفرق بينهما
والظاهر أنهما مادتان مختلفتان لفظاً ومعنى؛ للجهات التالية:
الجهة الأولى: إن الواوي يكتب ماضيه بالألف المقصورة[1] القائمة أي (لها) مثل (دعا) و(غزا).
واليائي يكتب بالألف المقصورة التي هي على صورة الياء[2] أي (لهى)، مثل (رمى).
الجهة الثانية: إن الواوي يكتب بالواو عند إضافة تاء الفاعل تقول: (لهوت) كما تقول: دعوت، واليائي يكتب بالياء تقول: (لهيت)، كما تقول: رميت.
الجهة الثالثة: إن الواوي في التثنية يكون بالواو (لهو، لهوان) كـ: غزو غزوان أو دعوة دعوتان، واليائي بالياء (لهيٌ لهيان)، كـ رميٌ رميان.
الجهة الرابعة: إن الواوي يُعدَّى بالباء تقول (لهوت بكذا) واليائي يُعَدَّى بـ(عن) تقول (لهيت عن كذا).
وبذلك يظهر منشأ الخلط في كلمات عدد من اللغويين وعدد من الفقهاء الأعلام ومنهم الشيخ (قدس سره) في المكاسب، إذ استدلوا على رواية تضمنت مادة اللهي على حرمة اللهو أو العكس، وسيأتي بإذن الله.
الجهة الخامسة: كما يعرف أن الناقص واوي أو يائي من التصغير، ففي المقام يعرف مغايرة اللهو لِلَّهي من تصغير اللهو على (لُهَيْوْ)، وتصغير (اللهي) على (لُهيّ) كتصغير الرَّمْي على رُميّ والرَمية على رُميَّة عكس الغزو على غزيو والغزوة على غزيوه أو الدعوة على دُعَيوه، فتأمل.
 
النسبة بين اللهو واللهي العموم من وجه
كما يظهر الفرق بين الموضوع له فيهما بملاحظة النسبة بينهما؛ فإنها العموم والخصوص من وجه:
فمادة افتراق اللهي عن اللهو: ما لو إلتهى بأمر جادٍ غيرِ لهوي عن أمر آخر أهم أو مساوي أو مرجوح، كما لو إلتهى بالدرس عن التجارة أو العكس، أو إلتهى بعلم كالكلام عن علم آخر كالفقه أو العكس، أو إلتهى بدراسة علم الرياضيات عن ذكر الله، فإنه لهي وليس بلهو إذ ليس أي شيء منها لهواً، فلا يقال: لها بعلم الرياضيات، ويقال: التهى بها عن كذا.
ومادة افتراق اللهو عن اللهي: ما لو كان اللهو سبباً لجلب انتباهه للأمر الآخر لا لصرفه عنه، كما لو كان غناؤه اللهوي سبباً للتفكير في مادته غير اللهوية، إذ قد تكون أمراً علمياً بل قد تكون القرآن الكريم نفسه لو تغنى به ـ وهو حرام كما لا يخفى ـ فهو لهوٌ وليس بلهي إذ لم يلهه عن الأهم بل ساقه إليه ولو بزعمه، فتأمل[3].
وقد يجتمعان: كما في الرقص والغناء والشطرنج الصوارف عن ذكر الله تعالى أو عن التجارة أو عن العلم أو عن الاهتمام بالعيال وغير ذلك؛ فإنها لهو ولهي معاً.
وتدل على ما ذكرنا كلمات اللغويين التي نقلوها عن العرب وإن كانوا هم – أي اللغويون – قد خلطوا في الجملة بين المعنيين، فلاحظ ودقق.
قال في لسان العرب: (لها: اللهو: ما لهوت به ولعبت به وشغلك[4] من هوى وطرَبٍ ونحوهما. وفي الحديث: ليس شيء من اللَّهْو إلا في ثلاث أي ليس منه مباح إلا هذه، لأنَّ كل واحدة منها إذا تأملتها وجدتها معينة على حق أو ذريعة إليه. واللهو: اللعب. يقال: لهَوْتُ بالشيء ألهُو به لَهْواً وتلهَّيْتُ به إذا لعبت به وتشاغلت وغفلت به[5] عن غيره. ولهيتُ عن الشيء، بالكسر، ألهَى، بالفتح، لُهِيًّا ولِهْياناً  إذا سلوت عنه وتركت ذكره وإذا غفلت عنه واشتغلت. وقوله تعالى: (وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْواً)؛ قيل: اللَّهو الطبل، وقيل: اللهو كل ما تُلُهِّيَ به، لها يلهُو لهواً والتهى وألهاه ذلك)[6].
 
الثمرة: خطأ الاستدلال على حرمة اللهو بروايات اللهي
إذا ظهر ذلك ظهر أن الاستدلال على حرمة اللهو برواية أو آية تتضمن مادة اللهي خطأ؛ فإنه استدلال على حكمِ عنوانٍ بحكمِ عنوانٍ آخر نسبته معه من وجه، فهو كالاستدلال على حرمة إكرام الطبيب بحرمة إكرام الفاسق لوجود مادة اجتماع لهما وهي الطبيب الفاسق، أو الاستدلال على حرمة الذهاب للسوق كعنوان وموضوع من الموضوعات[7] بحرمة الربا.
وبذلك ظهر عدم تمامية استدلال الشيخ في المكاسب على حرمة اللهو بالروايات الذامة أو المحرمة للهي، قال: (والأخبار الظاهرة في حرمة اللهو كثيرة جداً)، ثم قال: (ومنها: ما تقدم في روايات القمار من قوله (عليه السلام): (( كُلُّ مَا أَلْهَى عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ فَهُوَ مِنَ الْمَيْسِر)) [8]. ومنها قوله (عليه السلام) ـ في جواب من خرج في السّفر يطلب الصّيد بالبزاة والصّقورـ :((إنما خرج في لهو لا يقصر))[9][10].
أقول: الاستدلال بالرواية الثانية تام دون الرواية الأولى؛ فإنها تتحدث عن ما ألهى عن ذكر الله، وقد لا يكون لهواً كما سبق، بل يكون أمراً جاداً كدراسة الفيزياء أو كالتجارة فإنها تلهي[11] عن ذكر الله لكنها ليست بلهو.
إضافة إلى أن هناك من الفقهاء من قال بحرمة اللهو مطلقاً، ولا نعلم غير الحلي قائلاً به، نعم ظاهر عبارة الشيخ الأنصاري الإطلاق، لكن تقييده اللاحق للموضوع أنتج التفصيل كما سبق، ولكن لا يوجد من حرَّم (اللهي) مطلقاً، بل حتى في الجملة بعنوانه.
وبذلك كله ظهر أيضاً خطأ بعض اللغويين حيث توهم اتحاد الكلمتين، كما هو ظاهر سردهم لمعاني الكلمة (كالمنجد)، وكما هو ظاهر عبارات بعضهم كمعجم مقاييس اللغة، قال: (ولهوت من اللهو، ولهيت عن الشيء إذا تركته لغيره، والقياس واحد وإن تغيّر اللفظ أدنى تغيير).
وقد ظهر أن المعنى مختلف تماماً كما هو مقتضى الحكمة في وضع الألفاظ، وكما يشهد به الارتكاز العرفي واستعمالاتهم، فإنهم يقولون: لهوت بالدف أو المرأة وشبهها مما فيه لذة شهوانية، فيما يقولون: التهيت ـ أو لهيت ـ عن الدرس لانشغالي بالجهاد أو التجارة، ولا يقولون لهوت بالدرس عن التجارة، فتدبر.
ومما قد يرشد إلى ذلك، التدبر في عنوانٍ مقابل وهو (الشغل)، فإنه يتعدى بالباء وبـ(عن)، فيقال: اشتغلت وانشغلت بالتجارة، أو شغلي التجارة أو النجارة، كما يقال: اشتغلت أو انشغلت عن التجارة بكذا، أو شغلني عن الدرس كذا.
ونظير ذلك (أي التعدية بالباء وبـ عن) وإن صح في اللهو وأمكن ثبوتاً إلا أن الظاهر أن اللهو موضوع لما يتعدى بالباء فقط، وأنه خاص بما يلهو به وليس لما يلتهي عنه، وذلك لوجود مادة (اللهي) إلى جوار مادة (اللهو) في اللغة، وغلبة تعدية اللهو بالباء واللهي بـ(عن) الظاهر منه ومن الارتكاز والذوق العرفي أن ما عدا ذلك (أي تعديه اللهو بـ عن أو تعدية اللهي بالباء) استعمل مجازاً، أو باشرابه معنى الآخر وتضمينه.
ثم إن الشغل يطلق على فعل الجوارح، كـ: شُغله التجارة أو النجارة أو الصيد أو الزراعة، كما يطلق على فعل الجوانح كـ: شغله التفكير في أمر الله، لكنه لا يطلق على الجواهر، فإنه وإن أطلق مثل شغله المجوهرات ـ للجوهرجي ـ أو شغله السمك ـ للصياد ـ إلا أنه بتقدير الفعل[12]، فتدبر[13].
-----------------------------------
 
 
[1] يسميها البعض بالألف اللينة المتطرفة مقابل الألف الممدودة كحمراء وصحراء وورداء وكساء، كما يسميها البعض بالياء المرسلة، وسميت بالمقصورة لأنها مقصورة عن الهمزة أي محبوسة عنها. وقال السيوطي: (المقصور هو الاسم المتمكن الذي حرف إعرابه ألف لازمة كـ: الفتى والعصا، والممدود هو الاسم المتمكن الذي آخره همزة بعد ألف زائدة نحو كساء ورداء). نعم سمى بعضهم الألف التي أصلها الواو (كـ: عصا ومصدرها عصو) بالألف الممدودة والألف التي أصلها الياء (كـ: هدى ومصدرها هدي) بالألف المقصورة فتأمل؛ إذ الظاهر أنه خطأ، ومع ذلك فلا مشاحة في الاصطلاح.

 


  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=2622
  • تاريخ إضافة الموضوع : 8 رجب 1438هـ
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 19