• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : دراسات وقراءات .
              • الموضوع : كثرة ترضي الجليل ـ الصدوق مثالاً ـ لبعض الرواة هل يفيد التعديل؟ (ج1) .

كثرة ترضي الجليل ـ الصدوق مثالاً ـ لبعض الرواة هل يفيد التعديل؟ (ج1)

الموضوع: كثرة ترضي الجليل ـ الصدوق مثالاً ـ لبعض الرواة هل يفيد التعديل؟ (ج1)
بقلم: السيد حسين الموسوي*
القسم الاول
بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة على محمد وآله الطاهرين
قال سماحة السيد مرتضى الحسيني الشيرازي  في كتابه حفظ كتب الضلال في معرض توثيق محمد بن علي ماجيلويه شيخ الشيخ الصدوق حيث قال: كثرة ترضي الشيخ الصدوق عليه، وهذه القرينة قد ذكرها بعض علماء الرجال، وقَبِلها البعض، ورفضها البعض استناداً إلى أن الترضي لا يدل على الوثاقة.
لكن نضيف: أن الشيخ الصدوق لم يترضَّ عليه مرة أو مرتين أو عشراً، بل ترضّى عليه حوالي خمسين مرة، أي: إنه أكثر عليه من الترضي بما لا نظير عنده في (الفقيه) إلا مع والده ـ بحسب التتبع ـ حيث التزم كلما ذكر اسم والده ـ وهو وجه القميين وشيخهم وفقيههم ـ بأن يترضى عليه حتماً، وأحياناً نجده يترحم عليه.
والحاصل: أن للصدوق التزامين، الأول: الترضي الدائم على والده، والثاني: الترضي الدائم على محمد بن علي ماجيلويه، وهذه قرينة قوية على توثيقه له؛ مع أنه لم يترضَّ على الكثير من الرواة حتى مرة واحدة، ومَنْ ترضى عليه لم يكثر منه.
إذن، أصل كثرة الترضي من جهة، والمشاكلة في الالتزام بالترضي على والده وعلى ماجيلويه من جهة أخرى تعد قرينة قوية على توثيقه لماجيلويه، والظاهر أن هذا الإكثار من الترضي ـ مع تلك المشاكلة ـ يفيد الاطمئنان ظاهراً بتوثيقه الشخصي لماجيلويه.
أقول: لتأييد كلامه فإنه يقال: إن البحث في هذه المسألة من جهتين:
الجهة الأولى: الترضي والترحم الصادر من المعصوم عليه السلام.
الجهة الثانية: الترضي والترحم الصادر من غيره من العلماء الأجلاء.
والبحث حالياً يدور في الجهة الثانية، وهي ذات أنحاء:
النحو الأول: في الترحم.
النحو الثاني: في الترضي.
النحو الثالث: كثرة الترضي أو الترحم، ومدار البحث يكون تركيزه في النحو الثالث.
مقدمة:
مما لا شك فيه أن لكل علم واختصاص اصطلاحاته التي يتداولها أهله ومن تلك الاصطلاحات ما قد ذكره كبار علماء الحديث من أن من جملة الآداب التي يحسن بالمحدّث الالتزام بها الثناء على مشايخه بما هم أهل لذلك بمعنى أن من يستحق الثناء والدعاء فيحسن الثناء عليه والدعاء له وأما من لا يستحق ذلك كغير الامامي أو غير الثقة فلا يحسن الثناء عليه ولا الدعاء له.
ومن المعلوم أن الثناء والدعاء يكون بأمور منها: الترضي والترحم، ولذا فقد ذهب جملة من الأعلام ولعله قول المشهور أن من علامات التعديل للراوي أن يذكر العالم الجليل شيخه بالثناء والدعاء له بنحو الترضي والترحم.
والبحث ههنا يستدعي ذكر فصلين وخاتمة:
الفصل الأول: أدلة القول بتعديل ـ بنحو الحسن أو التوثيق أو الجلالة ـ من كثر الترضي والترحم عليه، وأقوال العلماء في ذلك، وفيه مسائل:
المسألة الأولى: استعراض أدلة ما يمكن أن يكون دليلاً على حسن بل وجوب الثناء والدعاء لمشايخ المحدّث والتزام العلماء بذلك:
الأدلة الأربعة:
العقل. إن العقل كما لا يخفى يوجب شكر المنعم المستحق الشكر، وأي إنعام يحصل للمحدّث بعد أن تفضّل عليه شيخه في جعله من جملة المحدثين وجعله مشمولاً بعنوان: (روى حديثنا ونشر علومنا)، وهو عنوان له من الفضل والمكانة والرفعة ما لا مزية لغيره في الدنيا قبل الآخرة، ومعلوم أن الثناء والدعاء بالترضي والترحم نوع من أنواع الشكر.
الكتاب والسنة. ولعل الاطلاق الوارد في قوله تعالى: (وأما بنعمة ربك فحدث) مما يشير ويرشد إليه، بل وقد أرشدت كلمات أهل البيت عليهم السلام إلى ذلك فقد قال أمير المؤمنين عليه السلام: (حق على من أنعم عليه أن يحسن مكافأة المنعم، فإن قصر عن ذلك وُسعَه فعليه أن يحسن الثناء).
وقال مولانا زين العابدين عليه السلام: (أما حق ذي المعروف عليك فأن تشكره وتذكر معروفه، وتكسبه المقالة الحسنة وتخلص له الدعاء فيما بينك وبين الله عز وجل فإذا فعلت ذلك كنت قد شكرته سراً وعلانية).
بناء العقلاء. وهذه هي سيرة العقلاء في كل زمان ومكان قائمة على ذكر فضل من يستحق الفضل والثناء عليه، والدعاء له.
مقدمة الواجب. كما أن مما لا شك فيه أن من الواجب ـ عقلاً وشرعاً ـ على كل عالم نشر ما يعلمه، من باب تعليم الجاهل وإرشاد الضال وغيرها من الوجوه ولذا ورد في الأحاديث: (زكاة العلم نشره) وورد عن النبي صلى الله عليه وآله: (أربع تلزم كل ذي حجى من أمتي قيل: وما هن يا رسول الله ؟ فقال: استماع العلم وحفظه والعمل به ونشره) وغيرها من الأحاديث المستفيضة بل المتواترة.
فان كان ذلك متوقفاً على نشر فضائل المشايخ الذين تؤخذ الأحاديث منهم خصوصاً في تلك الأزمنة التي عاش فيها المحمدون الثلاثة والتي كان التشدد في النقل عن الرواة الثقاة أو الممدوحين الضابطين دون الضعفاء والمجهولين والمتساهلين هي الميزة المشهورة في ذلك الزمان كما لا يخفى على المطلع كان نشر فضائلهم مقدمة لذلك الواجب، ومن طرق نشر فضلهم الشائعة فيما بينهم كثرة الترضي والترحم عليهم.
هذا وقد دلت صحيحة ابن أبي يعفور على لزوم اظهار وبيان ونشر عدالة العدل لكي يعتمد على قوله وشهادته وفعله فقد قال رض: قلت لابي عبدالله(ع): بما تعرف عدالة الرجل بين المسلمين حتى تقبل شهادته لهم وعليهم؟ قال فقال: ان تعرفوه بالستر والعفاف والكف عن البطن والفرج واليد واللسان، ويعرف باجتناب الكبائر التي اوعد الله عليها النار من شرب الخمر والزنا والربا وعقوق الوالدين والفرار من الزحف وغير ذلك، والدال على ذلك كله والساتر لجميع عيوبه حتى يحرم على المسلمين تفتيش ما وراء ذلك من عثراته وغيبته ويجب عليهم توليته واظهار عدالته في الناس ..
ولكل ما تقدم ولغيره صرح جماعة من الأعلام بأنه يحسن على المحدث الالتزام بالثناء والدعاء لمشايخه المستحقين للمدح والثناء، ومن ذلك:
ما ذكره والد شيخنا البهائي في كتابه وصول الأخيار: في باب بعض آداب العالم والمحدث:
وكلما ذكر ـ أي المحدث ـ النبي أو أحد الأئمة صلى عليه، وكذا خلص الصحابة وأصحاب الأئمة وأكابر العلماء ينبغي الترحم عليه أو الترضي عنهم وإن كان عنه عن أبيه ترضى عنهما.
ويحسن بالمحدث وغيره الثناء على شيخه باللفظ والكتابة بما هو أهله والدعاء له.
وقال الآغا الدربندي في القواميس: ولا يخفى عليك أنّ تلك السيرة جارية في اسم الله تعالى أيضاً بمعنى أنّه إذا كتب اسم الله تعالى اتبعه التعظيم ك‍ " عزّ وجلّ " ونحوه . وهذا ممّا يساعده العقل أيضاً ، ودون ما ذكر في المرتبة الترضّي والترحّم على الصحابة الأخيار والعلماء الأبرار .
وقال السيد حسن الصدر في النهاية: ثم ينبغي الترضي والترحم عل المشايخ والرواة من أصحاب الأئمة عليهم السلام.
المسألة الثانية: ونشير بها إلى دليل افادة الالتزام السابق من المحدثين تعديل من كثر الترضي عليه من قبلهم.
أولاً: مما سبق يعرف أنه من الحسن الثناء والدعاء على من يستحق الثناء عليه والدعاء له وعلى ذلك قامت سيرة المحدثين نظرياً في كتب علم الدراية وتطبيقاً في كتب علم الحديث وحلقات ذكر الحديث وبيانه.
فإن لم يكن الشيخ المترضى عليه مستحقاً لذلك كان الترضي بل وكثرة الترضي عليه نوع تساهل من الجليل لأن الثناء والدعاء عليه حينها خصوصاً من أهل العلم والورع كالصدوق لأمثال هؤلاء الرواة مع فرض ضعفهم أو جهالتهم عنده فيه نوع من ايهام الآخرين بحسنه واعتباره عند ذلك الجليل فيستلزم ايقاعهم في ما لايحمد عقباه.
وعليه فيكون كثرة الترضي بل نفس الترضي كالإخبار بكونه مرضياً عنده ـ وهذا ما يدل عليه كلام الصدوق في عبد العظيم الحسني وكلام الاردبيلي الآتي ـ والاخبار إن لم يطابق الواقع فهو كذب وتساهل واغراء الآخرين بالقبيح وهذه الصفات منتفية قطعاً في حق الأجلاء ومنهم الصدوق عليه الرحمة.
وعليه فان الشيخ الصدوق ـ مثلاً ـ على حكمته وورعه وتقواه لو أثنى على شخص وأكثر الثناء والترضي عليه والدعاء له وهو لا يستحق الثناء عليه والدعاء له عنده أليس ذلك ـ والعياذ بالله ـ مسقطاً لعدالة الصدوق، وإن أردت مثالاً يقرّب لك الصورة فلو تصورت أن الصدوق قد ترضى على من لا يستحق الثناء كمعاوية لعنه الله وأمثاله من الظلمة ومن دون تقية تدعوه إلى ذلك وقال في حقه: عن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه ألا يعد ذلك انتقاصاً في حق الشيخ الصدوق واسقاطاً لعدالته، وكذا لو قال في حق بعض الكذابين المشهورين بالكذب كأبي الخطاب والمغيرة بن سعيد وأمثالهم، بل لو ترضى على مثل من يعتقد بكذبه مثل محمد بن موسى الهمداني ألا يكون ذلك تناقضاً منه.
ولذا قال المحقق الشيخ عناية الله القهبائي في مجمع الرجال في الفائدة الثامنة من خاتمة كتابه ـ ولنعم ما قال: اعلم ان للشيخ الجليل الصدوق قدس الله رمسه شيوخ الاجازة الذين يذكرهم في أوائل أسانيده وما ذُكر في كتب الرجال في أكثرهم مدح ولا ذم بل قال هو طاب ثراه فيهم: رضي الله عنه ورحمه الله والتزم هكذا كلما ذكرهم والظاهر وأزيد من هذا الالتزام[1] كونهم من المؤمنين كما هو دأبهم في أمثالهم وإلا لزم التصريح بسوء اعتقادهم فضلاً عن عدم ذكر الترضية والرحمة لهم .. على أن هذا الالتزام يفيد توثيقهم ولا أقل من إفادة اعتبارهم وهم ثمانية عشر رجلاً ومن ثم عدهم وممن ذكرهم: محمد بن علي ماجيلويه.
ثانياً: يستظهر المدعى من قول الصدوق في الفقيه في كتاب الصوم في باب صوم يوم الشك، حيث قال في ذيل رواية رواها عن عبد العظيم الحسني: "وهذا حديث غريب لا أعرفه إلاّ من طريق عبد العظيم بن عبد الله الحسني ، وكان مرضيّاً رضي الله عنه.
بتقريب ـ كما ذكره بعض العلماء ـ أنّه مع غرابة مضمون الحديث فقد أورده الصدوق إعتماداً على الراوي لكون حاله مرضيّاً وإنشاء الترضي عليه عقيب ذلك الوصف بنفس المادّة الواحدة مشعر بأنّ المنشأ لذلك واحد ، أي إنّ الترضّي لكونه مرضيّاً .
أقول: ويؤيد ذلك أنه من المعلوم أن من ألفاظ المدح قولهم في الراوي أنه كان مرضياً، بل أن الشيخ المامقاني قال في مقباسه ما مضمونه: مرضي: ولا ريب في افادته المدح المعتد به.
ثالثاً: أدعى جمع من العلماء كما ستأتي الاشارة إلى بعض كلماتهم أنه وبحسب تتبع كلمات أهل الاختصاص من علماء الحديث وبقرينة ما تقدم يستكشف دلالة التعبير بالترضي ـ خصوصاً ـ على أنه ليس دعاء فقط بل فيه كشف عن اعتبار صاحبه وتكريمه وتعظيمه، وعلى ذلك جرت سيرة العلماء قديماً وحديثاً في بيان فضل من تقدم عليهم ويعرف ذلك من خلال مراجعة كتب التراجم أيضاً، وهذا إن تم ـ وهو كذلك ـ فالعبارة تكون من اصطلاحاتهم على التعديل والمدح وهو المطلوب.
ويؤيد هذا أن جمع من علماء الدراية قد اعتبروا الترضي والترحم من ألفاظ المدح ومنهم: المولى رفيع بن علي المشهور بشريعتمدار في رسالته في علم الدراية قال: من الفاظ المدح: ومنها : ذِكْر الجليل مترحِّماً أو مترضِّياً .
وجرياً على هذه الطريقة المباركة والسيرة الحسنة فقد جرى جملة من أكابر العلماء على الثناء والدعاء لمشايخهم ـ ممن يستحق الثناء عليه والدعاء له ـ ومن أولئك: الشيخ الكليني والصدوق والطوسي والنجاشي وغيرهم.
رابعاً: اعتماد المتأخرين على هذه القرينة في تعديل الراوي ـ وهذا على مبنى حجية توثيقات المتأخرين ـ حيث استفاد علماء الحديث والرجال من هذه النكتة اللطيفة تعديل من كثر الترضى عليه من قبل نفس الجليل الذي قام بالترضي.
الفات نظر: لا يقال: إنا نجد المشايخ يركزون في الثناء على مشايخهم المباشرين بينما الأدلة السابقة تشير إلى عمومية حسن الثناء لجميع الأصحاب.
فإنه يقال: إن المشايخ التزموا بالثناء على مشايخهم المباشرين لأجل اظهار فضلهم لمن بعدهم وأما غيرهم فغير بعيد من سيرة العلماء أن من سبقهم من المؤلفين قد قام بدورهم بالثناء عليهم وهكذا، فالصدوق مثلاً عند مدحه لمشايخه وهم من الطبقة التاسعة وهم طبقة والده والكليني ونظرائهما أراد اظهار فضلهم لمن بعده وأما من سبق مشايخه وهم الطبقة الثامنة طبقة العطار والصفار وعلي بن ابراهيم وأمثالهم فقد كفاه المؤونة مشايخه ومن في طبقته من تلاميذ العطار والصفار وهكذا.
وبهذا الجواب تعرف قيمة مشيخة الاجازة ويعرف تظافر توثيقات المشايخ أصحاب المؤلفات والمجاميع الروائية إن لم يكن تواترها لأن كل طبقة من الرواة يثني عليها الطبقة المتأخرة عنها إن كانوا أهلاً للثناء والمدح وبهذا يكون نقل التوثيق والتعديل الواصل إلى أمثال الشيخ الطوسي والنجاشي نقلاً حسياً، كما أن نقل توثيق وتعديل أمثال الشيخ الأنصاري والمجدد الشيرازي وأمثالهم قد نقل إلينا حساً بنحو التواتر بواسطة تلاميذهم وهكذا.
كما لا يقال: إنا نجد المشايخ لا يثنون على جملة من مشايخهم مع معلومية وثاقتهم واعتبار شأنهم.
فيقال: إن عدم ثناء الصدوق على جملة من مشايخه الثقات مع معلومية وثاقتهم وفضلهم قد يكون مرده إلى أحد أمور منها:
أولاً: كما سبق أن ذلك من باب المستحب والمسنون وقد تركه تساهلاً.
ثانياً: تركه لأنه من قبيل تحصيل الحاصل فوثاقتهم تغني عن الثناء عليهم.
ثالثاً: قد يكون سقوط الترضي من النساخ للاختصار، خصوصاً أنه لا تلزم كتابة الترضي والمدح بل يكفي النطق بها حين القاء الحديث على الرواة أو النساخ.
ولذا قال والد الشيخ البهائي في الوصول في باب كيفية كتابة الحديث وضبطه:
الثانية: يستحب أن يحافظ الكُتاب على كتابة الصلاة والتسليم على رسول الله والأئمة عليهم السلام في كل حديث كلما ذكر ولا يسأم من تكراره ومن أغفله حرم أجرا جزيلا، ولا يتقيد بما في الأصل إن كان ناقصا، لأنه دعاء تنشئه لا شئ ترويه.
وكذا الثناء على الله تعالى ب (عز وجل) وشبهه كلما ذكر، وكذا الترضي والترحم على خلصاء الصحابة وأصحاب الأئمة ( عليهم السلام ) والعلماء والصالحين.
المسألة الثالثة: أقوال العلماء في دلالة هذه القرينة:
قبل بيان الأقوال نشير إلى أنهم قد اختلفوا في نوع التعديل هل هو بنحو راجع إلى ذاته ووصفه وهم الأكثر أو بنحو راجع إلى عقيدته فقط فيكون كاشفاً عن كونه إمامياً.
نعم اختلفوا في أنها تدل على المدح الخاص المدخل صاحبه في خانة الحديث الحسن أو التوثيق أو بأنه يدل على ما فوق الوثاقة أي جلالة ذلك المترضى عليه.
كما اختلفوا أن هذا التعديل ـ في الجملة ـ هل مستفاد من خصوص الترضي أو يشمل الدعاء بالترحم أيضاً أو يختص بكثرة الترضي أو الترحم.
 
وسنستعرض في هذه العجالة كلمات الأعلام الذين اختاروا القول الأول وهو إفادة كثرة الترضي من الجليل تعديل صاحبه الراجع إلى ذاته ووصفه، ومن تلك:
1. نسب هذا المعنى إلى العلامة الحلي وسيأتي كلام الكلباسي في هذا الصدد فانتظر.
2 .الميرزا محمد الاسترابادي الرجالي الشهير وقد نسب الوحيد البهبهاني والسيد الخوئي إليه القول بافادة هذه القرينة الحسن، قال في شرح العروة كتاب الصلاة: نعم، تصدّى المرحوم الميرزا محمّد في الوسيط  لعدّ الرجل ـ أي جعفر بن محمد بن مسرور ـ في الحسان باعتبار ترحّم الصدوق وترضّاه عليه. انتهى، وسيأتي كلام الوحيد بهذا الشأن.
3. الاردبيلي في جامع الرواة في ترجمة جعفر بن محمد بن مسرور قال: هو غير مذكور في الرجال ولا معلوم الحال وان كان قول الصدوق رضي الله عنه يشعر بكونه مرضيا عنده سيما مع ما تقدم في أول الكتاب .
4. السيد مصطفى التفرشي في نقد الرجال في مقام بيان فضل محمد بن علي ماجيلويه القمي قال: وذكره محمد بن علي بن بايويه في مشيخته كثيراً وقال: رضي الله عنه.
5. قال الوحيد البهبهاني قدس سره في تعليقاته على منهج المقال ما نصه:
محمد بن إبراهيم بن إسحاق الطالقاني قد أكثر الصدوق ( ره ) من الرواية عنه مترضيا مترحما ومنه يظهر حسن حاله بل جلالة شأنه.
وقال في الفوائد الحائرية: ومنها : أن يذكر الجليل شخصا مترضيا أو مترحما عليه ، وغير خفي أنه من أمارات الحسن .
وقال في الفوائد الرجالية: ( ومنها ) ذكر الجليل شخصا مترضيا أو مترحما عليه وغير خفى حسن ذلك الشخص بل جلالته واعترف به المصنف بل وغيره أيضا.
أقول: مقصود الوحيد بالمصنف هو الميرزا محمد الاسترابادي الرجالي  وقد ذكر الوحيد هذه العلامة طريقاً لاعتبار كثير من الرواة في تعليقته على المنهج فليلاحظ.
6.  وتبعه على ذلك المحقق الرجالي أبو علي في منتهى المقال.
7. السيد مهدي بحر العلوم في الفوائد الرجالية قال: محمد بن علي ماجيلويه القمي شيخ الصدوق رضي الله عنه وقد أكثر الرواية عنه في مشيخة الفقيه وسائر كتبه وكلما ذكره قال: رضي الله عنه.
8. السيد محسن الكاظمي في عدته: ومنها ـ أي ما يقع به التعديل والمدح ـ ترضي الأجلَّاء عنه ، وترحمهم عليه ، وهذا كما ترى الكليني والصّدوق والشّيخ يترحمون على ناس ويترضون عنهم ، فتعلم أنّهم عندهم بمكانة من الجلالة .. وكيف كان فما كان ليكون إلَّا عن ثقة يرجع إليه
الأجلاء.
9. السيد حجة الاسلام الشفتي في الرسائل الرجالية في رسالته في ماجيلويه ص567 قال: واما محمد بن علي بن ابي القاسم ومحمد بن علي بن محمد بن ابي القاسم فالظاهر ان حديثهما يعد من الصحاح ايضا فهم ثقتان لكونهما من مشايخ شيخنا الصدوق ولذكرهما بطريق الترحم والترضي في المشيخة والخصال والمجالس والعيون والعلل والتوحيد والمعاني بل لم نجد ذكرهما في الكتب المذكورة الا كذلك.
10. الشيخ الانصاري في كتابه الوصايا والمواريث في معرض تعديل محمد بن موسى المتوكل قال فيه: وهو وان لم يحك عن الشيخ والنجاشي توثيقه إلا أنه وثقه العلامة وابن داود وقد ترضى الصدوق عليه وكان من مشايخه وبالجملة لا يقصر حاله عن ابراهيم بن هاشم.
11. الكلباسي أبو المعالي في الرسائل : وعن نُسختين من المدارك - بعد ذكر اسم عميد الرؤساء ونقله عنه : أنّ الكعب هو الناشز في ظهر القدم أمامَ الساقُ - الترّحمُ له، وهو صريح أيضاً في كونه من الإماميّة ، بل ربّما استفيد المدح أو التوثيق من الترضّي ، وهو في مرتبة الترحّم ؛ حيث إنّ السيّد السند التفرشي ذكر في ترجمة محمّد بن عليّ بن ما جيلويه أنّ الصدوق ذكره في مشيخة الفقيه كثيراً وقال : " رضي الله عنه " . وغرض السيّد السند المذكور إظهار حُسن الحال أو الوثاقة المستفادة من ترضّي الصدوق . قال شيخنا السند : ولعلّ العلاّمة من هنا صحّح طريق الصدوق إلى منصور بن حازم وغيره وهو فيه.
12. الميرزا النوري في الخاتمة قد ذكر هذه الطريقة كثيرا في بيان اعتبار الرواة منها: مع أن إكثار اعتماد الصدوق على علي وجعفر مترحما مترضيا في جملة من الطرق ينبئ عن جلالتهما.
13.  التستري في النجعة: والأصل في خبر فقيهه خبر عيونه وقد روى خبره عن تميم بن عبد اللَّه القرشيّ وضعّفه ابن الغضائريّ ولم أقف على وقوعه في رجال أو خبر من العامة أو خاصّة في غير ذاك الخبر، لكن ترضّي الصدوق عليه وحسن متن الخبر يجعله كالصحيح فهو يضعّف تضعيف ابن الغضائريّ له ونحن وإن قلنا في الرّجال أنّه نقّاد لكن لم نقل : إنّه معصوم.
14. المامقاني في المقباس: ومنها : ذكر الجليل شخصا مترضيا أو مترحما . فإنه يكشف عن حسن ذلك الشخص ، بل جلالته.
وكذا في تنقيح المقال حيث قال: من الاُمور التي يمكن استفادة وثاقة الرجل منها ، ترحّم الإمام (عليه السلام) على رجل أو ترضّيه عنه ، بل الترحّم والترضّي من المشايخ يفيد ذلك .
 
ومن المعاصرين جملة من أعلام هذا العصر ذهبوا إلى هذا المعنى منهم:
1. السيد صادق الشيرازي قال كما في جواب استفتاء صادر عنه: إنها تفيد الحسن والمدح.
2. السيد الروحاني في فقه الصادق عليه السلام نقل عبارة الشيخ الانصاري السابقة فقال: وقد استدل للقول الأول بأن النصوص المعتبرة خالية عن الشجر وما تضمنه وهو خبر الأحوال ضعيف .
وفيه : إنه ليس في سنده من يتأمل فيه عدا محمد بن موسى المتوكل وهو وإن لم يحك عن الشيخ والنجاشي توثيقه إلا أنه وثقه المصنف - ره - وابن داود وقد ترضى الصدوق عليه وكان من مشائخه وأفاد الشيخ الأعظم - ره - أنه لا يقصر حاله عن إبراهيم بن هاشم مضافا إلى أن عمل الأكثر على الرواية.
وقال ايضا في معرض بيان حال أحمد بن هارون:
وفيه : أنه قد صرح جماعة بأنه من مشايخ الصدوق وأكثر من الرواية عنه مترضيا ، وعليه فخبره معتبر .
3. السيد سعيد الحكيم في مصباح المنهاج: بل مقتضى إكثاره الرواية عن أحمد بن محمد المذكور مترضيا عليه كونه من الأجلاء بنظره المعروفين في عصره بالرفعة وسمو المقام .
وقال ايضا: بل الظاهر اعتبار سند الأول ، إذ ليس في سنده ممن قد يتوقف لأجله إلا أحمد بن هارون ، حيث لم ينص أحد على توثيقه ، إلا أن إكثار الصدوق قدس سره من الرواية عنه بلا واسطة مترضيا عليه شاهد رفع مقامه ووثاقته ولو عند الصدوق نفسه ، وهذا كاف في إلحاقه بالحسان ، بل الثقات ، وفي الاعتماد على حديثه ، ولا سيما بعد ما عرفت .
هذه بعض الكلمات في هذا المقام ولو أسعفنا الوقت لنقلنا عدداً أكثر من ذلك، نسأل الله التوفيق لذلك ولكل خير بمحمد وآله الطاهرين.
الحلقة الثانية: الفصل الثاني في بيان الرأي الآخر حول هذا الموضوع ونقل أدلتهم ومعالجتها، وبيان الثمرة من هذا البحث إن شاء الله تعالى هذا والحمد لله رب العالمين والصلاة على محمد وآله الطيبين الطاهرين.
---------------------------------
 
 

 


  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=2623
  • تاريخ إضافة الموضوع : 10 رجب 1438هـ
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29