بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
(185)
إدراج (الخلو) في الثامن: المبعّض ذاتاً وآثاراً بحيثية تقييدية
وتوضيحه: ان الموضوع يتعدد بتعدد حيثاته التقييدية فان الشيء بشرط شيء مغاير للشيء نفسه بشرط شيء آخر لذا لا يعقل انطباق أحدهما على الآخر وإلا كان من اللابشرط هذا خلف.
وعليه: فالمملوك بشرطِ حيثيةٍ تقييديةٍ معينةٍ غيرُه بحيثيةٍ تقييديةٍ أخرى فأمكن بيعه بالحيثية الأولى لشخص دون الثانية أو بيعه بالحيثية الأولى لشخص وبالثانية لآخر؛ لما سبق من أن البيع أمر اعتباري وان الملكية أمر اعتباري أيضاً فيتعددان بالاعتبار فيمكن إجراء بيعين أو معاملتين على ملكيتين اعتباريتين وإن كانتا قائمتين بشيء واحد في العين.
التبعيض في الفوائد
ويرشدك إلى ذلك التبعيض في الفوائد؛ فانه يمكن للبائع أن يبيع الكتاب مثلاً محجوبةً عنه بعض منافعه فيبيعه الكتاب بما له من منفعة المطالعة دون منفعة الاستنساخ والطبع أو الاقتباس، بل يمكن أن يبيعه الكتاب بلحاظ منفعة مطالعته ويبيعه لآخر بلحاظ منفعة استنساخه فللأول مطالعته فقط وللثاني استنساخه فقط فيكون كل منهما مالكاً الكتاب بحيثية تقييدية خاصة به.
ويمكن ان يكون بيعهم البرامج الكمبيوترية والتطبيقات وشبهها من قبيل الأول كما يمكن كونه من قبيل الثاني: فيبيعونه التطبيق ([1]) محجوباً عن المشتري منفعة الاستنساخ أو التصرف فيه ويمكن ان يبيعونه التطبيق بينما يبيعون التصرف فيه، بتغيير برامجه ونظامه، لشركة أخرى.
وفي المقام: إذا كانت للأشجار مثلاً فائدتان مستقلتان دقةً أو عرفاً أمكن بيعها لشخص من جهة الفائدة الأولى كحيثية تقييدية ولآخر من حيثية الفائدة الثانية، فان للأشجار منفعة الثمرات كما لها منفعة أوراقها اليابسة المتساقطة أو غصونها اليابسة ولكل منهما طالب، فيبيعهما الأشجار بالجهتين هذا.
الاستدلال على كون الخلو تمليكاً بان المبلغ المقطوع مقارب لما لو بِيعَ
وقد استقرب بعض الأعلام كون السرقفلية تمليكاً بان المبلغ المقطوع الكبير المدفوع مقدماً يقارب – عادة – المبلغ الذي يدفع لشراء هذه العين، فيدل ذلك على أنه بيع ونحوُ تمليكٍ، وإنما لم يدفع كامل المبلغ لأنه عوّضه بالمبلغ الشهري الذي يأخذه.
الجواب: ذلك أعم من كونه بيعاً
وفيه: ان ذلك أعم من كونه بيعاً، إذ قد يكون في مقابل شرط المستأجر للدكان بنحو السرقفلية: ان يكون له الحق بعد انتهاء مدة الإيجار أن يؤجره لغيره أو يستأجره لنفسه دائماً وأبداً فصار هذا الملك – بهذا الشرط - كأنه مسلوب المنفعة عن المالك أبداً فحق له أن يأخذ المبلغ المقطوع الكبير مقابل هذا الشرط فكيف إذا ضم له الشرط الآخر وهو أن للمستأجر أن يستأجره بعد انتهاء مدة الإيجار، بنفس مبلغ الإيجار السابق وإن ارتفعت أسعار العقار أضعافاً مضاعفة.
فهذا هو الذي يرد عليه، لا ما أورده بعض الأفاضل في البحث من ان مبلغ السرقفلية لا يقارب مبلغ العين إذا بيعت بل هو مما يعادل عادة عشرة بالمائة من قيمة العين؛ إذ يجاب أولاً بانه إشكال صغروي والأعراف مختلفة ففي بعض البلاد الأمر كذلك وفي بعضها كما ذكره بعض الأعلام.
إضافة إلى عدم كفايته في الرد، كبروياً، إذ كونه بنسبة عشرة بالمائة أيضاً مما يبعد كونه إيجاراً محضاً إذ الإيجار المحض نسبته الشهرية إلى قيمة العين هي نسبة الواحد بالألف أو أقل أو أكثر لا العشرة بالمائة، فللبعض أن يجيب بأن العشرة بالمائة – على فرضها – مقابل التمليك المبعّض ولو بهذا القدر، والأجرة الشهرية مقابل تأجير باقي الملك، فلا محيص إلا عن الجواب بان ما ذكره البعض أعم من كونه تمليكاً.
وظيفة الفقيه القضية الحقيقية لا الخارجية
وحيث سبق التفريق بين القضية الحقيقية والخارجية، فلا يهم كثيراً تشخيص النوع الواقع خارجاً إلا لتحديد مدى انطباقه على القواعد الشرعية ([2]) فعلى الفقيه كفقيه أن يبين أنواعها على نحو القضية الحقيقية، وله كخبير في الفقه، لا كمقلَّد، وخبير في الموضوعات الخارجية أن يحدد الواقع خارجاً وانه ما هو، فهذا الأخير خارج عن وظائفه كمفتي فتدبر.
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
=====================
قال الإمام الصادق (عليه السلام): "سَيِّدُ الْأَعْمَالِ ثَلَاثَةٌ:
إِنْصَافُ النَّاسِ مِنْ نَفْسِكَ حَتَّى لَا تَرْضَى بِشَيْءٍ إِلَّا رَضِيتَ لَهُمْ مِثْلَهُ.
وَمُوَاسَاتُكَ الْأَخَ فِي الْمَالِ.
وَذِكْرُ اللَّهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ لَيْسَ سُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاللَّهُ أَكْبَرُ فَقَطْ، وَلَكِنْ إِذَا وَرَدَ عَلَيْكَ شَيْءٌ، أَمَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِهِ أَخَذْتَ بِهِ أَوْ إِذَا وَرَدَ عَلَيْكَ شَيْءٌ نَهَى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَنْهُ تَرَكْتَهُ"
الكافي: ج2 ص144.
...........................................
|